بدأ "شادي علي" رحلة اكتشاف الذات مع عمله في تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث مثّل ذلك حجر الزاوية لتعلّمه قوة الإرادة والصبر، وأهمية العمل الجماعي والدافع النفسي القوي لتحقيق المستحيل.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع المدرّب "شادي علي" بتاريخ 10 تموز 2017 ليحدثنا عن تجربته الخاصة في التدريب، حيث قال: «بدأت عام 2013 التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وتدريبهم على كرة الطائرة، ويمكنني أن أعترف أن هذه التجربة بقدر ما كنت قلقاً من نتائجها، إلا أنها أغنتني فكرياً ونفسياً على الصعيد الشخصي، فالتعامل مع هذه الشريحة المميزة من اللاعبين احتاجت إلى قدر كبير من الصبر والنفس الطويل والقدرة على التأقلم والإرادة التي لا تنكسر، ويمكن القول عنها إنها من السهل الممتنع، حيث لم يكن يكفي أن أقوم بالتدريب المكثف، وإنما احتاجت إلى خبرة طويلة في سبر أغوار النفس والنظر إلى الأمام، فالمتدربون بحاجة إلى الشعور بأنهم بين أيادٍ أمينة، وبقدر ما يودك المتدرّب وتدخل إلى وعيه، سوف يعطيك جرعة إضافية من التدريب المستمر مصحوبة بنتائج مميزة وطاقة فرح دافقة تطغى على الجوّ العام».

"شادي" من المدرّبين الطموحين الصبورين والمجدين، وخبرته في الرياضة ساعدته في إخراج طاقاتنا وقدراتنا لتحقيق المركز الأول على مستوى الجمهورية منذ بدأ تدريبنا، وقد كان صبوراً وملمّاً بمشكلاتنا وغير متساهل في التدريب، وقد تجاوزنا مرحلة الإعاقة الجسدية؛ فالإعاقة الحقيقية هي في إعاقة الروح، وخور الهمة، وعندما تتوفر الإرادة القوية يستطيع المرء أن يوظف قدراته، ويتجاوز العقبات، ويحقق النجاح مهما كبّلت جسمه الأمراض

وعن بداياته في التدريب قال: «طرح عليّ المدرّب "أحمد عطايا"؛ وهو مدرّب الرياضة في معهد التأهيل المهني للمعوقين، أن أبدأ تدريب الفريق على كرة الطائرة، وكنت في البداية أتابع التمرين بعين المراقب والمتفرج من بعيد، ثم بدأت أتدرب وأتمرن معهم، وهنا بدأ التآلف، ودخلت إلى عقولهم، وبدأت إخراج كل طاقاتهم ودوافعهم للتدريب، ويمكنني القول إنني أجد أن قدرتي الحقيقية في التدريب تكوّنت عبر إقناع اللاعبين الحاليين بقدراتي كمدرّب، خصوصاً أنني كنت أدرّب منتخب "دمشق" سابقاً، لكن تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاج إلى تدريب من نوع خاص ومختلف.

أعضاء من فريق الأمل يوم الفوز ببطولة الجمهورية

بداية عملي كمدرب شعرت بحالة من القلق، وعانيت قليلاً حتى استطعت أن أستنبط طرائق مختلفة في تدريب كرة الطائرة، مثل: الجلوس على الأرض وتأدية حركات معينة في التمرين، وطرائق التفاهم مع اللاعب المقابل أو الذي قربه، والتعامل مع هذه الشريحة الجديدة، وأهمية الوعي لحاجاتهم وقدراتهم ودوافعهم وطاقاتهم، حتمت عليّ إعادة النظر بالعديد من الأساسيات في التدريب، وأتمنى لو نستطيع المشاركة في بطولة "غرب آسيا"، حيث إننا أصبحنا قادرين على تمثيل منتخب "سورية"، فأنا لا أُحضّر فريقي للدوري فقط، وأظن أنه قادر اليوم على أن ينافس خارجياً بقوة، وربما تسمح الظروف القادمة مستقبلاً بأن يتم إيفادنا إلى إحدى الدول للحصول على خبرات إضافية».

وتابع "علي" قائلاً: «بتّ اليوم أعي متطلبات اللعبة جيداً، وأهمية أن يكون الفريق متجانساً، واستطعت إقناع كافة الفئات العمرية بقدرتي كمدرّب، وأعدّ جميع اللاعبين الاثني عشر أساسيين من دون وجود بديل لأحدهم، فلدي فريق يحوي لاعبين متماثلي القدرات، ويكوّنون حلقة متجانسة من الأساسات، ولم أجد هذا التجانس سابقاً، على الرغم أنني كنت في فريق نادي "الجيش" من بداياتي أطفال وأشبال ورجال، كما يمتاز فريق الأمل باللعب الجماعي والقدرة على السيطرة على اللعبة من خلال السيطرة على مقدرات ووعي اللاعبين؛ لذا يجب على الجميع أن يشاركوا ويتدربوا وينجزوا، وأتمنى لو كانت هناك رعاية مباشرة إعلامية لإنجازاتنا، حيث نلنا المركز الأول على مستوى القطر في بطولة الجمهورية».

أثناء التدريب على كرة الريشة

وأضاف: «كما يلعب العزف على وتر العامل النفسي أهمية كُبرى في تحقيق نتائج مرضية، حيث إنه من الواجب كسر حاجز الإعاقة، وتجاوز فكرة أن هناك إنساناً سوياً وآخر معاقاً، ويجب على المدرب أن يستطيع النزول بفكره وعمله وطريقة لعبه ليعايش فريقه، وعندها يستطيع أن يلغي الفروق كافة ويضع الجميع تحت مجهر النتائج، وأعدّ نفسي مثلهم، فقد عشت وتأقلمت معهم، وحصلت على ثقة مطلقة بقدرتي على تجاوز الصعاب والمشكلات، فمنذ بدأت تدريبهم تعلمت قوة الإرادة في مواجهة المستحيل، وهذا الإحساس يعطيني اندفاعاً قوياً إلى الأمام باتجاه تحقيق أهدافي الشخصية».

أما عن مشروع "أبطال من تحت الركام"، فقال المدرّب "علي": «المشروع يخدم ذوي الاحتياجات الخاصة في الأزمة السورية من خلال تقديم الدعم النفسي والرياضي والبدني والترفيهي، وإبعادهم عن جو التقوقع، ويعدّ حجر زاوية لثقافة جديدة للمجتمع، من خلال إيصال رسالة: (نحن لسنا بحاجة إلى عطف علينا من أحد، وإنما نحن بحاجة إلى توفير فرصة تساهم بإعادتنا أعضاء فاعلين في المجتمع)، وأظن أن توفير البنية المجتمعية الداعمة للمعوق تساهم بخلق حافز له ليتقدم ويتجاوز الصعوبات التي يتعرض لها، ومن هنا، لا يكفي أن تؤمن الدولة أو المؤسسة الراعية رغيف الخبز له، وإنما عليها أن تؤمن له الفرصة ليحضر الرغيف بنفسه؛ فهذه الشريحة المهمّشة يجب أن تعود إلى الإنتاج. نحن عبارة عن ستة أشخاص، وليس لدينا مموّل حالياً، لكننا نسعى لنكون جهة مستقلة من دون ضغوط، ونؤمن المواصلات للمركز، إضافة إلى سلة غذائية ومجموعة من التدريبات والأنشطة الترفيهية، ومشروعنا يخدم كافة المحافظات ومصابي الحرب».

مع أحد أعضاء فريق الأمل

كما تواصلنا مع "عبد القادر السعيد" اللاعب في فريق "الأمل"، الذي قال: «"شادي" من المدرّبين الطموحين الصبورين والمجدين، وخبرته في الرياضة ساعدته في إخراج طاقاتنا وقدراتنا لتحقيق المركز الأول على مستوى الجمهورية منذ بدأ تدريبنا، وقد كان صبوراً وملمّاً بمشكلاتنا وغير متساهل في التدريب، وقد تجاوزنا مرحلة الإعاقة الجسدية؛ فالإعاقة الحقيقية هي في إعاقة الروح، وخور الهمة، وعندما تتوفر الإرادة القوية يستطيع المرء أن يوظف قدراته، ويتجاوز العقبات، ويحقق النجاح مهما كبّلت جسمه الأمراض».

الجدير بالذكر، أن المدرّب "شادي علي" من مواليد "دمشق" عام 1980، وهو لاعب ومدرّب سابق في ناديي "الجيش" و"الوحدة"، ومدرّب لمنتخب "دمشق" ونادي "الأمل" بكرة الطائرة لذوي الاحتياجات الخاصة، ومشرف الأنشطة الثقافية والرياضية في معهد التأهيل المهني للمعوقين، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية.