يعدُّ علامةً بارزةً على طريق التطوّرِ الشعري، إعلاميٌّ وتوثيقيٌّ ودرامي، غنى قصائدَهُ الكبار، وحملَ في شعرِه قضايا الإنسان. نضُجَت شخصيتُه بهدوءِ مخلص وعنفوانِ عاشق، وباتَ ذلك الطفلَ الرجلَ الذي يصنعُ الدهشةَ أينما حلّ.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 18 أيلول 2019 الشاعر "هاني نديم" ليتحدث عن بداياته قائلاً: «عشت بين الكتب، ونطقي فصيح، ومن المرحلة الابتدائية كنت معروفاً بعشقي للغة العربية، فأحببت "المتنبي "، و"أبو تمام" و"البحتري"، و"الماغوط "، و"محمود درويش".

الشعر لن يغير شيئاً ملموساً؛ لكنه يجمّل جراحنا فقط، فلا يمكن للحياة أن تستمر دون فنون من رسم وموسيقا وشعر وغيرها

لكن الحادثة التي لعبت دوراً مفصلياً في حياتي كانت لقائي طفلاً مع الشاعر الكبير "عمر أبو ريشة" في منزل أحد أقاربه، حيث عاملني معاملة خاصة، وقام بإهدائي مسرحيته "الحسين" موقّعة، قلت لنفسي حينها وأنا أرى سمته وأناقته وهيبته، واحترام الآخرين له: أريد أن أصبح شاعراً».

أمسية في المغرب

وتابع قائلاً: «التجارب الشعرية الأولى كانت مهمة إذ لا بدّ منها مثل كلّ شيء في الحياة، فالطفل لا يتكلم فوراً، وهناك فترة يتلعثم فيها ويلفظ بشكل خاطئ، وكانت تجربة -على ضعفها- علمتني أن أصل إلى هنا، وفي الـ17 من العمر أتممت ديواني الأول "الدم قراطية".

في عام 2005 كان لديوان "نحات الريح" الدور الأكبر في الشهرة التي وصلت إليها حالياً، ففكرت في المضمون والشكل، حيث إنّ قصيدة النثر هي الفراغ وقصيدة الموزون هي الكتلة، فكتبت هذا الديوان الذي ما زال هو البطل حيث يجمع بين الموزون والنثر، أما بالنسبة للحبّ والغزل كأيّ شاعر يحب المرأة، كتبت ديواناً كاملاً عن الحبّ والغزل بعنوان "متحف الوحشة"».

أثناء توقيع إحدى المجموعات الشعرية

وعن مدينته "النبك" وتأثره فيها قال: «أثرت هذه المدينة -التي ولدت فيها- في بنية شعري، حيث هي المنبت الأول دائماً، وأصل الأشياء مهما كبرنا وسافرنا، فرائحة مزارع "السقي" لم تغادرني، ورائحة الصوف على النهر، العنب وأيامه، الجوز الأخضر، كل هذا يبقى، وآخر ديوان" كونشرتو الذئب" عام 2018 عن "النبك" وحكاياتها وعلاقتها مع الذئب ومعي».

وحول قدرة الشعر على إحداث تغيير في الحالة الثقافية لمجتمعاتنا أجاب: «الشعر لن يغير شيئاً ملموساً؛ لكنه يجمّل جراحنا فقط، فلا يمكن للحياة أن تستمر دون فنون من رسم وموسيقا وشعر وغيرها».

المحاضر في الإعلام والمادة الدسمة له

وبالنسبة للأعمال التي امتهنها في الثقافة والإعلام قال: «كنت محرراً مركزيّاً في وزارة الثقافة والإعلام في سلطنة "عمان"، ومسؤولَ القسم الثقافي في مؤسسة التراث في "السعودية"، ومديرَ تحرير مجلة "نواعم"، ومديرَ نصوص إبداعية في وكالة "gray" للأفلام الوثائقية، وأعمل حتى الوقت الحالي مدير إبداع وتحرير في شركة "FOR GOOD" للخدمات الإعلامية والإعلانية، كما أنّي رئيس رابطة الشعراء الشباب العرب في "سورية"، وعضو اتحاد الصحافيين العرب، وأيضاً عضو رابطة شعراء العالم، وعضو مؤسس لجماعة "تكامل الفنون".

وبالنسبة للوقت الحالي أنا اعمل كمدرب صحافيين ثقافيين في "دبي"، و"الرياض"، و"المغرب العربي"».

ومن ديوان "سور الله العظيم" اخترنا:

«يا لفرطِ هيبتها

هذا المجدُ

قبّل كفّها وجرى

وأتوْها

لم يتركوا جرحاً إلا وألقموه ملحا

أعداؤها، أبناؤها

أزرارها والعرى

وهي كصوت النسر في الرياح

مسحت على شعر الأغاني

فسّاقطت قمرا

سوريا

يا سور الله

لا حُجباً ولا سُحَرا

لولاك في الأرض

هذي السماء لم تسقطِ المطرا».

الشاعرة السورية "لمى القيم" قالت عن الشاعر "هاني نديم": «أن تقرأ لـ"هاني نديم"؛ هذا يعني أن تكون مستعداً لكلّ التغيّرات التي ستطرأ على ذائقتك الشعرية، فما بعده لن يكون كما قبله على الإطلاق، قلت يوماً أنك حين تنتهي من قراءة بعض الكتب تصير شجرة زيتون، وهكذا تماماً إن لم يجبرك الشعر على وضع روحك في حقيبة سفر، والسعي وراءه قاطعاً أنفاسك والمسافة لتسمع نصّاً بصوت خالقه لا طائل منه.

هو هنا ابن الجرد الذي تمرّس التهريب، وما زال في كلّ مرةٍ يعيش الدهشة الأولى بكلّ انفعالات مغامرته البكر، والمصارع الذي لم تلن يسراه وهو يسمع أنين القلم تحت وطأتها، يجعلك كعاشق تقول في كل مرة أيضاً: أعلق أخطائي الملونة على جسدي، وأزهو بها كشجرة ميلاد نعم.. أنا المخطئ الأكثر جاذبية في العالي.. ستبدأ بالقراءة كالعالق بين فكّي كماشة لن تفلتك حتى تقول لها: آمين، وحين تنتهي ستجد نفسك تتفقّد ما بقي منك فيك، فنحن لا نُسأل بل نَسأل كلّ نصّ يقرؤنا.. كيف وجدتني».

وأيضا قال عنه الشاعر العراقي "مفيد عزيز البلداوي" :«الكلام عن "هاني نديم" يحتاج لبراعة في الإيجاز والإنجاز، فهو لغة فذّة، وشعرية صافية، وفنّان يجيد التقاط الصور الشعرية بعدسة ذات زوم مؤثر جداً، مبدع يحطّم كلّ قيود الكتابة بجمالية ما يكتب، شاعر بكل مقومات الشاعر المطبوع والمجبول على سهولة المعنى وقوته في آن واحد، وناثر يجمع الألوان المتنافرة ليشكّل لوحة فنية تجذب إليها الاهتمام بما تحمل من دهشة. أما إنسانياً فهو نموذج متفرد لما نفتقده في أيامنا».

يذكر أنّ الشاعر "هاني نديم" من مواليد "النبك" عام 1972، حاز عشرات الجوائز الشعرية العربية، ويملك ستة دواوين شعرية: "الدم قراطية"، "نحات الريح"، "كرامات الأشقياء"، "سور الله العظيم"، "متحف الوحشة"، وآخرها ديوان "كونشرتو الذئب" عام 2018. كتب عدة مسرحيات وأخرجها، ومسلسل "العائد"، وفيلم "الخيط الأبيض"، وبرامج إذاعية؛ "الخالدون"، و"المسيرة"، غنت له "أميمة خليل"، "ميساء حرب"، "مكادي نحاس"، و"لينا شماميان"، و"غالية بن علي"، وله العديد من الدعوات والمشاركات في الوطن العربي والعالم.