دخلت عالم الفن التشكيلي لتُظهر ما في مخيلتها من جمال كونها لا تستطيع النطق به، أرادت أن تحمل لوحاتها جمال روحها ومشاعرها، وأن تنثر فنها بين أرجاء مجتمعها، وأن تبلّغ أفكارها وتمكّن الناس من إدراكها، وتعرّفهم كيف يستطيع الإنسان تعويض النقص لديه.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع الفنانة "سمر عباسي" عبر الإنترنت بتاريخ 10 أيار 2020، كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة (الصم والبكم)، وذلك بعد أن التقت بها في مقر عملها في "بيت الشرق للتراث" التابع لجمعية "الوفاء" التنموية، فكتبت عن أهم محطات حياتها: «رغم أننّي ولدت صمّاء بكماء لا أستطيع مخاطبة الناس ولا حتّى سماعهم، إلا أننّي كسرت ذلك الحاجز الذي يقّيدني من خلال موهبتي الفطرية في الرّسم، وكوني لم أحظَ بتحصيل تعليمي، قررت أن أصقل موهبتي التي ظهرت في مراحل مبكرة للتعبير عما يجول في تفكيري، وكان والديّ أول المشجعين لي، ودخلت في روضة أطفال لتعليم النطق، إلّا أننا جميعاً كنا عاجزين أمام قضاء الله، ولم أستفد منها، لذا أتممت دراستي حتّى الصف الثامن، وبعدها طلبت من والدي الالتحاق بمعهد لتعليم الرّسم، فقام بأخذي لمركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية، وفي هذا المركز رأيت مواهب ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنّهم قادرون على رسم مستقبل جميل، وهذا ما شجعني للارتقاء بنفسي أكثر، ولا أنسى فضل معلمتي "آني مسروبيان" التي كنت أستمد منها القوة والصبر والإلهام لإظهار ما يجول في داخلي من إبداع، وأتحدى إعاقتي متمسكةً بريشتي وألواني».

لم أتصور يوماً أن تصل ابنتي لهذا النجاح، نظراً لإعاقتها ونقص تحصيلها الدراسي، إذ كانت تقضي معظم أوقاتها في رسم أجمل اللوحات، أرى إصرارها وعزمها اللذين لم ينتهيا، وبدوري سأقدم لها كل الدعم الذي تحتاجه لتحقيق طموحها في أن تكون فنانة استثنائية

تضيف "سمر": «تخرجت من المعهد عام 2012 وأحمل شهادة في التصوير الزيتي، وكنت قد أتقنته جيداً، وبدأت برسم لوحات لنفسي، إذ كان بيني وبين واقعي علاقة متينة تقودني إلى التحدي من جهة، ومن جهة أخرى إلى الهروب منه إلى عالمي الفردي مع ريشتي لأبلّغ الناس فنّي وأفكاري، وأكثر الرسومات التي كانت تستحوذ اهتمامي هي لوحات الاستشراق، بعد ذلك عملت في محل للشرقيات والدهان الدمشقي ترعاه جمعية تنموية، وما زلت أعمل فيه وأطور موهبتي، إذ أعمل على رسم لوحات دمشقية تراثية على الخشب، يزخرفها بعد ذلك الفنان "ماهر بوظو" بالدهان الدمشقي، الذي لاقيت منه التشجيع الأكبر على الاستمرار.

الفنان "ماهر بوظو" والفنانة "سمر" في أحد المعارض

لم أحظَ حتى تاريخ اليوم بلذة معرض فردي سوى المعارض التي كنت أقيمها عند بداية تخرجي من المعهد من لوحات الرصاص المتواضعة وأقوم بإلصاقها على باب غرفتي عند الانتهاء منها وأقول هذا معرض الفنانة "سمر عباسي"، ولكنّي اشتركت بمعارض جماعية تابعة لوزارة الثقافة، وفي المعارض الجماعية التي أُقيمت في جامعة "دمشق"، ولن أتوقف عن الرسم كونه وسيلتي الوحيدة في هذا العالم الغريب عني».

"ماهر بوظو" فنان الدهان الدمشقي، يقول: «"سمر" ريحانة "بيت الشرق للتراث"، قاومت إعاقتها بموهبة فذّة كبيرة، التقيت بها منذ أربعة أعوام، وتم ضمها إلى كادري الفني، تبنيّت فنها، وطورت قدرتها على التعبير في الرّسم من خلال بعض الملاحظات التي كانت تتلقاها بكل مرونة وتقوم بتطبيقها، ونعمل أنا و"سمر" حالياً بمبادرة توثيقية وجمالية للآثار السورية، من خلال رسمها وزخرفتها بالدهان الدمشقي».

شهادة في التصوير الزيتي

"محي الدين عباسي" والد الفنانة "سمر"، يقول: «لم أتصور يوماً أن تصل ابنتي لهذا النجاح، نظراً لإعاقتها ونقص تحصيلها الدراسي، إذ كانت تقضي معظم أوقاتها في رسم أجمل اللوحات، أرى إصرارها وعزمها اللذين لم ينتهيا، وبدوري سأقدم لها كل الدعم الذي تحتاجه لتحقيق طموحها في أن تكون فنانة استثنائية».

الجدير بالذكر أنّ الفنانة "سمر" من مواليد "دمشق" عام 1995.

الفنانة "سمر" في مرسمها