يركّب أدواته الشعرية خارج حدود الورق، ويستلهم من وميض الفكرة نثرات شعره، ليتربّع على قمة شعراء الزجل مستلاً سيف العبارة ورمح الحرف.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الشاعر "مروان بحري" بتاريخ 13 نيسان 2018، ليحدثنا عن بداياته الشعرية، حيث قال: «يمكن القول كبداية إن الشعر وليد لحظة تمتاز باشتعال فكري وضياء ذهني يتناغم مع العقل فيمشي الشاعر في غور القصيدة ممسكاً بلجامها كفرس تعدو مسرعة صوب الكلمات، لتعرج على لسان الشاعر، وتنساب كالعطر في الجو محملة بأريج خلاب يسحر الروح والفكر، وتساهم الخلفية الثقافية والملاحظة الدقيقة والقراءات الكثيفة والمتنوعة في مواضيع شتى في تعزيز فكرته الشعرية، حيث إن شاعر الزجل يتكلم بكافة المواضيع، فيأتي بشاهد يخدمه ضمن سياق قصته الشعرية، وقد ساهم تطور الزجل بخروجه من عصر الرجل كما يقال عنه بالعامية: "الشوبرة والهوبرة"، وتختلف مقدرة الشاعر حسب الدراسة والاجتهاد الشخصي ومعلوماته سواء التاريخية أم الأدبية».

لا أظنّ أن هناك فرقاً واضحاً بين الاثنين إلا في اللغة، لكن هناك ضوابط تمثل الهوية الشخصية والملامح المتفردة التي تصوغه وتنسبه وتبني به اختلافها التفاعلي، وقد نظم القديس "أفرام" الشعر السرياني على البحر السباعي، فسمي أيضاً المقام "الأفرامي"، وهو الوزن "القرادي"؛ أي بحر "الرمل"، كما أن بحر "الرجز" هو الوزن "المعنى"، ليبقى بذلك الخلاف الوحيد مع الفصحى هو أن الزجل لا يتم تشكيله

وتابع: «في البداية حاولت أن أؤسس فرقة مشابهة للفرق الزجلية في "لبنان" وأسميناها "جوقة العندليب" مع الشاعرين "عيسى هيلانة" و"بسام حبيب"، وكان ذلك عام 1978، لكنها لم تستمر طويلاً، حيث لا يتم توفير دعم كافٍ للجوقات الزجلية، وهذا لتناسي المعنيين أنه جزء من تراثنا وفولكلورنا الشعبي وهويتنا، ولا يلقى اهتماماً كافياً من قبل وزارة الثقافة إسوةً بشعراء الشعر الفصيح، الذين يتم استقبالهم ضمن الأنشطة الثقافية في المراكز الثقافية في كافة المحافظات، مع أن الزجل هو ذاكرة الشعب المحكية التي لطالما عبرت عنه في مختلف مراحله التاريخية، ولسان حال المجتمع وتاريخه الشعبي، حيث يمثّل سنداً شعرياً وثقافياً يحتاج إلى الكثير من الدعم، وعليه أن يأخذ مكانته كحجر أساس وضلع من أضلاع بنيان القصيدة».

الشاعر زياد حداد

وحول ما يميز شاعر الزجل عن غيره، قال: «الشاعر الزجال اليوم مُطالب بالتجديد وعدم الانسياق وراء تجارب سابقة، وعليه أن يمتلك فضاءات شاسعة من الحرية، ويبحث عن الإبداع بهويات مختلفة ومتنوعة، ويمتلك روحاً ارتجالية تسمح له باعتلاء المنبر ليحرز المكانة التي يستحقها عبر صور شعرية قوية وبيانات وعبارات تمتاز بالذكاء والفطنة مصاحبة للرؤية الشعرية الواضحة، فهو أداة قادرة على شحن اللفظ والجمل بدلالات إيحائية وتأملية معنية بالإدهاش والتحفيز والحيرة، ضمن إطار لغة موحية تمس كينونة الشاعر وسحره وقدرته التواصلية مع المجتمع والعالم».

أما حول الفرق بين الزجل والشعر الفصيح، فقال: «لا أظنّ أن هناك فرقاً واضحاً بين الاثنين إلا في اللغة، لكن هناك ضوابط تمثل الهوية الشخصية والملامح المتفردة التي تصوغه وتنسبه وتبني به اختلافها التفاعلي، وقد نظم القديس "أفرام" الشعر السرياني على البحر السباعي، فسمي أيضاً المقام "الأفرامي"، وهو الوزن "القرادي"؛ أي بحر "الرمل"، كما أن بحر "الرجز" هو الوزن "المعنى"، ليبقى بذلك الخلاف الوحيد مع الفصحى هو أن الزجل لا يتم تشكيله».

وحول دواوينه، فقال: «على الرغم من غوصي في بحور الزجل لمدة 47 عاماً، إلا أنني ومنذ مدة قريبة حتى قررت جمع بعض قصائدي في ديوانين، وهما قيد الطباعة حالياً؛ الأول بعنوان "كمشة محبة"، والثاني بعنوان "وبتعرفي"، وصفتحي على مواقع التواصل الاجتماعي مفتوحة للجميع، لكن للملتقيات الزجلية والحفلات الخاصة نكهة خاصة ومميزة، حيث إن الإلقاء والتفاعل الشعبي والمنافسة تمثّل حجر الأساس في الشعر الزجلي ومفتاح تفرده وتميّزه».

ومن قصائده: "سوري أنا وْنبع المحبّة مشربي

والكلّ أهلي وشرع الله مذهبي

عشنا سوا وْما كان في عندي فرق

بين المسيح بْمولدو وبين النّبي

عشنا سوا مع بعضنا بْذات الحنين

ذات الخميرة خبزنا وْذات العجين

وبيوتنا حيطانها مِتْخاويين

في حَـيّ واحد عاش مَبدانا وْرِبي

عشنا سوا ومن فوقنا ذات السّما

والأرض إلنا ترابها بْذات الْحِما

وْذات الهوا ذات الطّبايع بالدِّما

وْورداتنا ربيوا بذات المسكَبة

خلقنا عَ أرض ترابها عالي المَقام

من عند الله مباركه وْمهد السّلام

إلها بقلب قلوبنا أحلى كلام

مَ بْتوسعو بالكون أكبر مكتبة

في سوريا إخوة خْلقنا من زمان

من وقت ما ربّ السّما كَوّن مكان

شهدوا البشر والأنبيا قَبْلُن كمان

بين مجد الله وسوريا في مرتبة

ومتلي إنت سوري إبن سوري أبي

وْنبع المحبّة مشربَك مع مَشربي

مْنِحْيا سوا وْبيضلّ ما عنّا فرق

بين المسيح بْمولدو وْبين النّبي".

كما تواصلت المدونة مع الشاعر "زياد حداد" ليحدثنا عن تجربة الشاعر "مروان"، حيث قال: «يمكن القول عنه إنه الرقم الصعب والمعادلة المميزة، فعلى الرغم من سلاسة عباراته وجماليتها وبساطتها، إلا أن حرفه حساس يتفاعل مع بيئته يؤلمه، وشعره مرآة لشخصيته المهذبة واللطيفة؛ فتراه هادئاً مثله، لكن له أثر الياسمين تنتشي بعبقه شيئاً فشيئاً، وقد تعرّفت إليه عام 2012، ولاحظت مشاركته القيمة وحضوره القوي في الفعاليات الاجتماعية الخيرية والداعمة للمجتمع في فترة الحرب، إضافة إلى جهوده الحثيثة للعمل على تحسين واقع ورؤية النظرة الحكومية لشعر الزجل، والعمل على التقييم الحقيقي بعين الإنصاف لشعرائه السوريين وقصائدهم؛ فهم مخزون تراثي مهم، ويجب معاملتهم إسوة بشعراء "لبنان"، حيث رفع الزجل لعقود اسم وطنهم عالياً، أو كشعراء دولة "الإمارات المتحدة"، حيث يقام لهم مهرجان سنوي اسمه "شاعر المليون"؛ لتكريس ودعم الشعر النبطي».

الجدير بالذكر، أن "مروان جريس بحري" من مواليد عام 1962، قرية "حينه" في جبل "الشيخ"، يسكن في مدينة "دمشق"، وهو حالياً رئيس جمعية شعراء الزجل في "سورية"، إضافة إلى عمله الخاص في تجارة العقارات.