تحدّى ظروف مجتمعه ليصبح شاعراً، الأدب بالنسبة له تفكيك للحياة وإعادة تركيبها وفق مقتضيات الحقيقة، كتب للأطفال لأنه يؤمن بأن عليه أن يسهم في صناعة مستقبل يليق بالطفل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأديب د. "جمال أبو سمرة" بتاريخ 23 تشرين الأول 2018، حيث قال: «بدأت محاولاتي الأولى في سنّ مبكرة، لكنها كانت محاولات خجولة ضمن محيط يقدس العمل أكثر من أي شيء آخر، فبقيت مخفية تراودني في أحلامي؛ لأستيقظ وأكتب ما تمليه عليّ روحي المستيقظة التي لا تغفو، فالوقت كله -خارج أوقات المدرسة- للعمل فقط في حقول الزيتون ومواسم الحصاد التي لم يُقدّر لها أن تنتهي، إلا في أحلام اليقظة المصحوبة بحلم الإمساك بديوان شعر أو رواية أو حتى قصّة قصيرة، فليس هناك إلا الكتاب المدرسي، ترافقت هذه الأحلام والمعاناة مع نمو بذور الكتابة الرومانسية من غير وعي هذا المذهب الأدبي، التي كانت تتسع لتشمل صفحات في المناجاة والتوق إلى الخلاص والحرية، وهذه المحاولات لم ترَ النور، كنت أخجل أن أظهرها لأسرتي التي كانت جدية إلى درجة كبيرة، فكيف للمشاعر والأحاسيس أن تلقى قبولاً في وسط مجتمع الكفاح والنضال من أجل الحياة، فأول إبداع رأى النور في الصف العاشر، حين كتبت في إحدى حصص الفراغ مسرحيّة كوميدية نالت إعجابهم، واكتشفوا ذلك وهم يسترقون النظر إلى دفتري، فكان هذا الموقف محفزاً لي للكتابة، وبدأت بعدها الكشف عن شاعريتي، وأخذت القصائد تنهمر، وصرت مقصد الطلبة لكتابة أبيات شعرية لهم، وهكذا أصبحت المدرسة متنفساً لي أجد فيها من يقدّر موهبتي، وكانت أول مسرحية كتبتها تأخذ بعداً ساخراً -السخرية المرّة- ربما بسبب الضغوطات والمفارقات بين الواقع المعيش والطموح والأحلام، حيث يكون عقلك بين الغيوم، لكن قدميك مشدودتان بقوة إلى الأرض، وسط محيط يغلق عليك نوافذ الأمل وفرجات الضوء، إضافة إلى أنني في البداية كتبت قصائدي باللهجة العامية، وكانت تمثّل موقفي تجاه من حولي من الناس، فقد كان الهجاء أسلوبي في الدفاع عن نفسي، لكن للمفارقة لم يعرف أحد أنّني هجوته».

"جمال أبو سمرة" شاعر وباحث مُجدّ، استطاع خلال مدة قصيرة أن يقدم نتاجاً لافتاً من حيث قيمته الأدبية والمنهجية، فهو من خلال دراسته حول الشعر العربي في "سورية"، عالج أنموذجاً مهماً من نماذج الشعر السوري، كشعر الشاعر الكبير "فايز خضور"، حيث قدم دراسة حول بنية القصيدة الشعرية لديه، وبعض الظواهر الأسلوبية واللغوية والمجاز والقافية والتوظيفات، ولم يغفل دراسة أنماط الخطاب والصورة الشعرية والظواهر الصوفية أيضاً، كما أن الشاعر "جمال" كان أكاديمياً بامتياز بتناول هذا النموذج الشعري، إضافة إلى أنه يمتلك مقدرة على تقديم المزيد من الأبحاث المعمقة والرصينة والقادرة على كشف ظواهر شعرية جديدة، كما قدم من خلال مجموعته الشعرية "حشرجات" صوتاً شعرياً جميلاً؛ حيث قدم صوته الغنائي الذي يتحدث عن الهمّ الشخصي وبعض الهموم الاجتماعية وغيرها، فهو شاعر وباحث واعد، وفي كليهما قدم أبهى ما لديه

وعن علاقته بالشعر والأنواع الأدبية الأخرى، قال: «أنا خلقت شاعراً، وسيبقى الشعر قبلتي الأولى، فهو يسكنني، ويتوغل في أعماقي، وأنا لم أكتب بعد قصيدتي التي أطمح إليها، وأظن أن ما كتبته في ثلاثة دواوين شعرية، يطفح آخرها "تجليات عاشق مكسور الظل" بالدهشة كما أدعي، وأترك كلمة الفصل في ذلك للنقد، لم تجعل مني الشاعر الذي أطمح إلى أن أكونه. أما الكتابة للطفل، فهي الوجه الآخر لما أكتب، وهي المرتقى الصعب الذي لا أبلغه إلا بشق الروح، للوصول إلى عوالم الطفولة الحاضرة أبداً في أعماقي، وهناك مشاريعي المؤجلة التي بدأتها، لكنها لم ترَ النور بعد، فهناك المسرحية والقصة، والقصة القصيرة جداً، وهي أجناس أدبية لها مكانتها في روحي، لكنّها لم تحقق بعد الكمّ الذي يجعل منّي قاصّاً أو مسرحياً. وبالنسبة للكتابة للأطفال، فهو جنس أدبي قائم بحدّ ذاته برأيي، وأنا أكتب أدب الطفل شعراً وقصّة تزامناً مع كتابتي الشعر والنقد الأدبي وغيره من فنون الأدب، فلكل جنس أدبي طقس وميعاده الذي يختاره هو، لا يزاحمه عليه سواه، ويختار معه لبوسه الخاص به، وفقاً للموقف الانفعالي أو الحاجة، أو التحريض على الكتابة من جهة ما، كما أنني أكتب للطفل لأنه يمثّلني، فأنا لم أعش طفولتي كبقية الأطفال، فقد كنت رجلاً صغيراً يعتمد أهله عليه، ولا بد أن يترفّع عن نزق الأطفال وصغائرهم وألعابهم، لم يكن لدي ألعاب سوى الرفش أو الفأس أو المجرفة، هكذا ولدت، وأنا الآن أكتب طفولتي المؤجلة، أو أعيشها بصورة أدبيّة، أنا أؤمن بأن علي أن أساهم في صناعة مستقبل يليق بطفلنا، فصرت أغني لطفولتي وطفولته معاً، وأسرد لي وله الحكايات التي لم تُسرد لي ولم أنم على سماعها، وهدهدتها لخيالي وأحلامي، فالطفل ذو خيال واسع يفوق خيال من يكتبون له بأشواط».

من دواوينه "تجليات عاشق مكسور الظل"

وعن رسالته الأدبية التي وجهها إلى الأهل قبل الأطفال، قال: «الطفولة نعمة كبيرة، يجب أن يعيشها الأهل بكل مشاعرهم وأحاسيسهم في أطفالهم، كونوا أطفالاً مع أطفالكم، عيشوا أبناءَكم، تقمصوا طفولتهم وأحلامهم، وكونوا كما هم أنقياء دعاة حبّ وسلام، أنشدوا معه الأناشيد، وقصّوا عليهم حكايات ما قبل النوم، واتركوا لهم الفرصة للتعبير عن ذواتهم، ليقولوا الشعر ويقصوا الحكايات. أما لأطفالنا، فجلّ ما أرجوه أن يعيشوا بسلام، فهم أمل الحياة، فليغنّوا ويمرحوا، ليعطونا فسحة من الضوء والماء والزرقة؛ لنكتب لهم عن الفرح والأمل والحلم، فالأدب بالنسبة لي تفكيك الحياة وإعادة تركيبها وفق مقتضيات الحقيقة لا الفن، فنحن لا نعيش الحياة الحقيقية، نحن نعيش النسخة المزوّرة المفروضة علينا، نحيا الكوابيس المرعبة، وهنا تأتي مهمة الأدب لرسم الواقع الحقيقي، القائم على السلام والحب والفرح، فالأدب هو لحظة الحقيقة، والواقع هو الخيال الذي يجب الخلاص منه، لنبدأ من واقع مرضٍ، نبني عليه خيالاتنا، فما مرّ بـ"سورية" من إرهاب لا يستطيع حتى الخيال مهما شط مجاراته، لكنه بات واقعاً هيمن على الواقع اليومي السوري بكل تفاصيله الموجعة، فالأدب صوّر الواقع، وأرّخ للوجع لا أكثر، وربما في أفضل حالاته، بنى اشتغالاته الفنية على الرغبة في العودة إلى واقع ما قبل الحرب الإرهابية على "سورية"، لينهض من جديد بعمل أدبي يسعى من خلاله إلى تقديم رسالة جديدة وحلم جديد».

الباحث والناقد د. "غسان غنيم" حدثنا عنه: «"جمال أبو سمرة" شاعر وباحث مُجدّ، استطاع خلال مدة قصيرة أن يقدم نتاجاً لافتاً من حيث قيمته الأدبية والمنهجية، فهو من خلال دراسته حول الشعر العربي في "سورية"، عالج أنموذجاً مهماً من نماذج الشعر السوري، كشعر الشاعر الكبير "فايز خضور"، حيث قدم دراسة حول بنية القصيدة الشعرية لديه، وبعض الظواهر الأسلوبية واللغوية والمجاز والقافية والتوظيفات، ولم يغفل دراسة أنماط الخطاب والصورة الشعرية والظواهر الصوفية أيضاً، كما أن الشاعر "جمال" كان أكاديمياً بامتياز بتناول هذا النموذج الشعري، إضافة إلى أنه يمتلك مقدرة على تقديم المزيد من الأبحاث المعمقة والرصينة والقادرة على كشف ظواهر شعرية جديدة، كما قدم من خلال مجموعته الشعرية "حشرجات" صوتاً شعرياً جميلاً؛ حيث قدم صوته الغنائي الذي يتحدث عن الهمّ الشخصي وبعض الهموم الاجتماعية وغيرها، فهو شاعر وباحث واعد، وفي كليهما قدم أبهى ما لديه».

من مؤلفاته قصة "الخروف باردو"

يذكر أن د."جمال أبو سمرة" من مواليد "أشرفيّة صحنايا" عام 1982، حاز دكتوراه بالأدب العربي، وهو مدير منشورات الطفل في وزارة الثقافة، ومدرّب وطني معتمد في وزارة التنمية الإداريّة على برامج التطوير الذاتي والإبداعي والتربوي، عمل موجهاً أوّل لمادة اللغة العربية في وزارة التربية، وأسهم في تأليف المناهج المطورة وتقويمها وتدقيقها، أشرف على عدة مشاريع إبداعية، وشارك في تحكيم عدة مسابقات أدبية على مستوى القطر، لديه العديد من المؤلفات في النقد الأدبي "بنية القصيدة الشعرية عند فايز خضور"، و"مكونات البنية الدرامية وتطورها في الشعر السوري المعاصر"، وبعض الدواوين، منها: "حشرجات"، و"فسحة رؤيا"، و"تجليات عاشق مكسور الظل"، و"تباريح الهوى"، ومجموعة قصصية وشعرية للأطفال: "التفاحة المغرورة"، و"مغامرات أسنان جود اللبنية"، و"نمولة الحزينة"، وغيرها.

من مؤلفاته قصة "نمولة الحزينة"