فرضت الشاعرة "جيهان رافع" بلغتها السهلة البسيطة، وطريقتها الغامضة في العرض والسبك، أسلوبها الخاص في الشعر والقصة القصيرة، وامتلكت رؤية النقد الصحفي بحسّها الأنثوي المملوء بالإحساس المرهف للكلمة، وامتلاكها ناصية اللغة والثقافة الواسعة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الشاعرة "جيهان رافع" بتاريخ 12 تشرين الثاني 2018، لتتحدث عن علاقتها مع الشعر والقصة القصيرة، وقصة الصحافة فيما بينهما، فقالت: «إنني لا أحبّ القيود في معصم الكلمة؛ فكلما تنوع الجنس الأدبي، شعرت بحرية الرسائل أكثر، لتصل إلى أكبر كمّ من القلوب، وأنقش عرق الروح على مسافات أوسع، فتمنحني متعة المسير والتعب، وأن أكون في عالم صناعة الرسائل من قلب جمال الكلمة، فأينما وظّفتها ستصل إلى المتلقي، وكل ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.

أثناء البحث عن الذات ولغة تنقذ روحها من الغرق في زوايا الغرف وبحور اليأس، وجدت في جمع قطع النور ووضعها في إناء واحد أجمل من تقديمها ضمن عدة أطباق

بالنسبة للصحافة، فأنا لست صحفية، وعندما أرسل إليّ رئيس تحرير إحدى الصحف الورقية الرئيسة من خارج القطر طلباً لكتابة مقالة أسبوعية لهم، كانت إجابتي أن يترك لي خياراً فيما أريد تقديمه، وعندما تمت الموافقة، طلبت أن تكون زوايا حوارية كي أقدم المساعدة في انتشار الأصدقاء. كنت أسعى إلى أن أفتح باباً للعطاء، فالعطاء شعور الرضا لديّ، وإن لم يكن في القدرة المادية، جميل أن تفتح له باب مقدرتك».

من أعمالها

في قصائدها هناك لغة خاصة من السهل الممتنع، ومع أنها نثرية، إلا أن الشاعرة حافظت على الجرس الموسيقي في ثناياها، حيث قالت عن ذلك: «النثر حالة وسحر؛ لذلك أختار حرية التحليق، مع العلم أن لديّ محاولات أعدّها جميلة وراضية عنها، وأحب كثيراً شعر التفعيلة والعمودي، لكنني أكرر أنني لا أحب القيود للكلمة».

لم تتقيد "رافع" بنوع معين من الأدب، وتركت لموهبتها حرية الطيران بعد أن صقلتها جيداً، وسبكت حروفها وكلماتها بعناية فائقة، ولغة جزلة وحالمة، حيث كتبت الشعر والقصة والرواية، وتقول عن عدم التخصص في نوع معين: «إذا مررت في حنجرة الحب والتجارب سترى خدوش الروح، ولجّة الوقت والبدايات العامرة بالشغف، والنهايات التي تزهق روح اللحظة، سترى نزف الأقلام وأضواء الفرح المعلقة في منتصف كل حلم، والحلم لا ينتظر؛ وهذا ما ينتج منه الأدب بشتى أنواعه».

من حفل توقيع مجموعتيها

وعن اختيارها لإصدار مجموعتين بلونين مختلفين في وقت واحد، والهدف من ذلك، أضافت: «أثناء البحث عن الذات ولغة تنقذ روحها من الغرق في زوايا الغرف وبحور اليأس، وجدت في جمع قطع النور ووضعها في إناء واحد أجمل من تقديمها ضمن عدة أطباق».

الناقد الأدبي وعضو اتحاد الكتاب المصريين "إبراهيم موسى النحاس" قال عن ديوان الشاعرة "جيهان رافع" الأخير: «في ديوانها الجديد "حين يتكلم الحُبّ" تتعامل مع الشعر من رؤيتها على تعظيم هذا الحُبّ والإعلاء من شأنه؛ ليكون الحُبّ محور الرؤية التي ترتكز حولها قصائد الديوان، فتقول في قصيدة "قبضة العطر" التي تنتقد فيها نظرة مجتمعنا الشرقي إلى الحُبّ:

من إحدى أمسياتها

"ولحجز مقعد السعادة.. على متن قطار الأمل.. سأعزف على الملأ.. حتى يصبحَ الحُب كما أهوى.. كالصليل في الدماء.. كمعصمِ ليلٍ .. في خمرة سوار"

ومن هنا تتجلّى أهمية حضور الآخر ووجوده، فلا حُبّ من دون حضوره. وتقول في قصيدة "ساقية موسيقية":

"فلا أنفاساً من دون صدركَ.. ولا سلاماً لفضاءٍ.. لا ينعشه شذا صوتكَ.. حين تُلقي عليَّ السلام"

لكن المُلاحَظ في معظم القصائد قيام العلاقة مع الآخر على الغياب والانتظار، لنلمس إحساس الذات الشاعرة بالاغتراب.

كما اعتمدت الشاعرة في معجمها الشعري على اللغة القائمة على الرمز مع التكثيف الدلالي في استفادة واضحة من لغة القصة القصيرة التي تقوم على التكثيف، ولِمَ لا وهي تجيد كتابة فن القصة القصيرة بذات درجة إجادتها لكتابة القصيدة؟ وقد طبعت مجموعتها القصصية هذا العام أيضاً بعنوان: "قاع الذاكرة"، وهذا التعامل الرمزي مع اللغة نلمسه في معظم قصائد الديوان.

ويمكن أن نقول إن شعر "جيهان رافع" يقوم في رؤيته على تعظيم قيمة الحُبّ، مع التعبير عن وجع الذات الشاعرة واغترابها في قصيدة نثرية تقوم لغتها على توظيف الرمز من دون غموض، مع التكثيف الدلالي والتجديد في الصورة الشعرية، واستفادة واضحة من فنّ القصة القصيرة».

وفي قصيدة حملت عنوان: "غفرانٌ لجسد"، تقول:

"وكحلٌ في عيون الشوق

على ضفاف البعد أسقطه التعب

وسقمٌ من ترياق ثغرك

قدّ مسّه الطرب

وحين رقصت على جنباته أناملك

في عافيةِ عزفها قد هام وانسكب

يا سحراً ذهب بعقلي يرتّل

لشفاعةِ الجمر

والصلاةُ في محراب عشقك تولد

حبّك الشمس وإن طال مكوث الغيم

لا ولن تحجب

يا صوتَ الله في أركاني

كغفرانٍ لجسد

من دسّ السكّر في قلبي؟

حتّى تغزوه أسراب الضباب حين تذهب"

يذكر أن الشاعرة والقاصّة "جيهان رافع" من مواليد بلدة "جرمانا" في "ريف دمشق".