أحبّ اللغةَ العربيةَ وعلومها منذ الصغر، وأغنى مفرداته اللغوية والشعرية بالقراءة والاطلاع على النتاج الأدبي والثقافي، فبموهبته الأدبية ومواكبته للحداثة تمكّن الشاعرُ "شاهر خضرة" من امتلاك لغة شعرية متميّزة من خلال إتقانه للشعر المحكي باللغة الدارجة ما ميّزه عن غيره من الشعراء.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 12 كانون الأول 2019، مع الشاعر "شاهر خضرة" المقيم في "ألمانيا" ليحدثنا عن تجربته الأدبية: «بدأت محاولاتي الأولى بالكتابة بعمر الحادية عشرة، فقد كتبت موضوعاً إنشائياً على شكل قصيدة عمودية وعرضتها على مدرس اللغة العربية في بيته وكان عنده زملاؤه المدرسون وقد لاقت الانتقاد بين الإعجاب والرفض لهذا الأسلوب، وخصوصاً أنّ مدرس اللغة العربية كان شاعراً فلم ترُق له القصيدة وطلب مني كتابة الموضوع سرداً، وفي المرحلة الإعدادية قمت بكتابة الشعر فوضع لي الأستاذ علامة الصفر وقال لي: عندما تصبح شاعراً سأضيف الواحد لها، هذه الجملة كانت الحافز الكبير لأنّ أصبح شاعراً، وخصوصاً أنني نشأت في بيئة ريفية لا تخلو مجالس الرجال فيها من رواة الشعر كأبيات للاستشهاد أو قصائد مما يحفظ من الشعر القديم، ورغم صغر سنّي كنت أجلس بالقرب من العتبة داخل المضافة لأستمع وأحفظ دون أن أثير أيّ انتباه، هذه الحياة التي ترعرعت فيها في أحضان بلدتي "القلمون" الممتلئة بأغاني الفلاحين الشعبية أثناء جني الثمار ومواسم الحصاد التي كنت أشارك فيها لأستمع وأحفظ تلك الأهازيج الشعبية، التي بقيت في ذاكرتي وأغنت مخيلتي وصقلتها، فقد علمتني الطبيعة والبيئة الريفية هذه العلاقة الجمالية اللطيفة والحنونة بين الكتابة والتأملات التي كانت آنذاك بسيطة وحنونة، فهذا الصفاء الروحي هو الذي أغنى مخيلتي الشعرية، بالإضافة إلى المطالعة التي كان لها الدور الكبير في تطوير ملكتي الشعرية وتنميتها، فقد كنت أقضي معظم وقتي بالمطالعات المتنوّعة فقد قرأت الكثير من الكتب النقدية والروايات العالمية والعربية إضافة إلى الكتب الفلسفية، وعندما سافرت بهدف العمل إلى "ليبيا" بعمر العشرين تشكلت لدي الرؤية الصحيحة عن الشعر الحديث والنقد المعاصر».

مين اللي فينا أول بـ يبكي ## قاعد على صخره بشطّ الليل الصخرة اللي صارت أنس غربتنا ## موج الظلام يهيج فوق الريح ## يغرق حلم ويصيح قاعد أشدّ الموج بالأشواق أربط زبدها فِـ بال قعدتنا يا مطرحك ياما احتضنتو بليل ## وقلبك بصوت الأم لمّا فاق ## شهقة طفل ردّ وبكى قلبي ## نرسم على كتاب اللغة أسماء ## نعبث ونتراهن بعد ضحكه ## مين اللي فينا أول بيبكي ## نتسابق ونستدرج الأعماق ## لتمدنا بأحزانها بلكي ## هالريح تلعب متل لعبتنا ## وتحل مرسى حبال صخرتنا

وتابع: «الشعر هو مساحات لا تُحد تمتد على مسافات الشعراء ومواهبهم ولغاتهم وأساليبهم المتنوعة، كلٌّ منهم يعبر من خلاله عن مكنوناته وهواجسه التي تراود خواطره، وبالنسبة لي أعتبر الشعر وجوداً ومعنى لحياتي، والنص أكان طويلاً أم قصيراً لا يهمني، ما يهمني شعريته عمقاً وفكراً وخيالاً وصوراً، كما أنني لا أكتب أي نوع من الشعر إلا لأحقق نفسي، سواء في العربية الفصحى أو في العربية (غير المعربة) أي باللغة الدارجة، مع أنني أميل لشعر الحداثة أي النثر باللغة المحكية التي لا تقل أهمية لدي من أي شعر كتبته باللغة الفصحى، ولا أحدد لنفسي نوعاً أدبياً بل أعتقد بأني أكتب حباً بالحياة، وبرأيي أنّ أهم رسالة يحملها الشعر هو جوهر الشعر والحياة، فإن كان لي رسالة فهي الوجود والحياة، ومعظم المفردات التي تتكرر في شعري هي مفردات (الماء والطين والتراب والمرأة)، وقد تأثرت كثيراً بفكر المفكر "أنطون سعادة " وهو من أهم وأكثر من تأثرت بهم من مفكري العالم في مرحلة حياتي ما قبل الثلاثين من العمر، يصبح الشاعر مبدعاً عندما يمتلك الموهبة ويرفدها بالثقافة والمعرفة وتوافرت لديه اللغة ووعى لذاته ليتميز عن غيره ممن سبقوه ويكون له صوته وبصمته الخاصة».

مجموعة شعرية متنوعة من كتاباته

ومن كتاباته اخترنا:

من دواوينه الشعرية "فم آخر للماء"

«مين اللي فينا أول بـ يبكي

قاعد على صخره بشطّ الليل

الصخرة اللي صارت أنس غربتنا

من كتاباته

موج الظلام يهيج فوق الريح

يغرق حلم ويصيح

قاعد أشدّ الموج بالأشواق أربط زبدها فِـ بال قعدتنا

يا مطرحك ياما احتضنتو بليل

وقلبك بصوت الأم لمّا فاق

شهقة طفل ردّ وبكى قلبي

نرسم على كتاب اللغة أسماء

نعبث ونتراهن بعد ضحكه

مين اللي فينا أول بيبكي

نتسابق ونستدرج الأعماق

لتمدنا بأحزانها بلكي

هالريح تلعب متل لعبتنا

وتحل مرسى حبال صخرتنا».

وعن الملتقيات الأدبية ومواقع التواصل الاجتماعي قال: «مع الأسف الملتقيات الأدبية يأتي إليها شعراء المهرجانات المكرسين أنفسهم ليسمعوا بعضهم، ولا أرى في معظمها سوى مواد صحفية للدعاية، إلا أن لها دور في التعريف بنتاج الأدباء الثقافية، وتعرفنا كأدباء على بعضنا، كما أن لمواقع التواصل في أيامنا هذه دوراً مهماً في كسر حواجز النشر التي كانت على مزاج ذلك الشاعر المشرف على صفحة في صحيفة، وتحطيم احتكارهم لمزاجهم بالإبداع عموماً والشعر خصوصاً، فأصبحت صفحتي هي دار نشري الأولى وصحيفتي، ولدي قرائي الذين أعرف من منهم القارئ الجاد الفذ ومن منهم مجرد متصفح، فمواقع التواصل هي مهمة برغم ما فيها من غثّ وضحل وهذر، ولكن ما يهمني ككاتب أنها ثورة أسقطت تلك الطبقة المحتكرة للصفحات الثقافية في الصحف».

تحدث الناقد والشاعر الدكتور "محمد عضيمة" عنه بالقول: «الشاعر "شاهر خضرة" صديق قديم، هو شاعر امتلك لغته الشعرية الخاصة به وتفرد بها، فكلماته من أجمل الأصوات الشعرية العربية المعاصرة، يصعب الحديث عنه باختصار، ويحتاج إلى بحث ودراسة لا يمكن إنجازهما، فأهم ما يميزه القدرة التي يمتلكها لتحويل كل شيء إلى شعر، فعندما يكتب نثراً فهو شاعر، وعندما يتحدث فهو شاعر، وطريقة انتقاله من بلد إلى آخر تكاد تكون ديوان شعر، كما أنه كتب يومياته التي تمتعت بقراءتها كما لو كانت شعراً وأكثر، لديه العديد من القصائد باللغة العامية من أذكى ما كتب في لقطاته البارعة؛ من حيث سلاسة اللغة وعمق المعنى، ويضاهي شعره الفصيح في الإدهاش».

يذكر أنّ الشاعر" شاهر خضرة" من مواليد" القلمون" عام 1954، مقيم في "ألمانيا"، أصدر العديد من الدواوين الشعرية منها: باللغة الدارجة "سونيتات شاميّة"، "ذيب الشلايا"، "فم آخر للماء"، "مائيل في وحامة الكنعاني" و"الأسماء"، وشارك بالعديد من المهرجانات الثقافية في "الأردن"، "مصر"، البرتغال"، "لندن"، "هنغاريا"، "ألمانيا"، "تونس" وغيرها.