أكثر من تسع عشرة حرفة يدوية قديمة يحتضنها سوق المهن اليدوية في "دمشق" بأقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، سوق بات معروفاً لدى القاصي والداني داخل وخارج القطر، بما يحويه من أشياء تراثية جميلة تدخل الراحة والسرور في النفس.

يكفي أن تدخل أول سوق المهن اليدوية الواقع بين أحضان "التكية السليمانية" والمتكئ على جدار المتحف الحربي في "دمشق"، لتبدأ رائحة التاريخ تطالعك بكثير من الحكايا، فخلف كل قطعة صنعتها يد مهنة، وخلف كل مهنة حكاية.

معظم تلك المحلات تمتلك ورشات خاصة بها خارج "التكية السليمانية" نظراً لصغر مساحة المحلات في السوق

السيد "حمدي الريحاوي" أحد العاملين في محل "العجمي" أي صناعة اللوحات الخشبية الملونة، والتي تزين البيوت الدمشقية القديمة ذات القيمة الفنية والجمالية الرائعة.

صناعةالعجمي

خلال لقاء eSyria معه قال: «العجمي عبارة عن زخارف وديكورات شرقية تعتمد على الخشب كمادة أساسية، ونقوم نحن كحرفيين بلصق مادة تركيبية على الخشب تعطيه بروزاً معيناً، لتأتي مرحلة التلوين وغالباً ما تكون الألوان حسب الرغبة».

وأكد "الريحاوي": «إن "العجمي" مهنة دمشقية رغم اسمها الذي ينسبها لغير العرب، توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد منذ ما يزيد على /400/ عام، وقد زين الدمشقيون بيوتهم بزخارف ولوحات غاية في الجمال.

صناعة البروكار

ميزة هذه الحكايات أنها ما تزال تحافظ على هويتها التاريخية القديمة، دون أي محاولة للتزاوج مع التطورات الصناعية أو التكنولوجية، وذلك لتكرس نفسها مع هذا السوق كآخر معالم "دمشق" الأثرية والسياحية، والذي يحكي بعفوية وسلاسة كيف كان يتدبر الدمشقيون شؤون حياتهم وحاجاتهم».

"كنان طافش" حرفي شاب آخر في السوق يعمل في صناعة "البروكار الدمشقي" قال: «أعمل وأتعلم في هذا المحل صناعة "البروكار الدمشقي"، على نول يدوي يتجاوز عمره /190/ سنة، وربما كان هو آخر نول ينسج بتركيبته البسيطة أجمل الأقمشة».

هاني العشي

الفنان "ناجي عبيد" يحمل بطاقة رقم أربعة من نقابة الفنانين كما يحب أن يعرف عن نفسه، ويعمل في رسم اللوحات، والخط العربي منذ ما يزيد على نصف قرن يقول عن الخط العربي: «الخط العربي فن إبداعي بكل ما في الكلمة من معنى لكنه أضحى هذه الأيام مهنة متأرجحة ما بين التجارة والفن، ظاهرها فن، في حين التعامل اليومي معه جعل منه مهنة، وهي- أي مهنة الخط كما نعرف جميعاً- مهنة مغرقة في القدم، وغالباً ما ارتبطت بأسماء عائلات بعينها».

ويتابع "عبيد" فيقول: «تعلمت المهنة منذ ما يزيد على نصف قرن وأكثر قليلاً، وأقوم اليوم بالإضافة إلى الكتابة بالخط العربي برسم لوحات طبيعية وشخصية وتجريدية».

السيد "هاني العشي" رئيس لجنة سوق المهن اليدوية بالتكية السليمانية قال: «يحتضن السوق ما يزيد على الخمسين محلاً، يعمل أصحابها في مختلف المهن اليدوية القديمة، والتي تشمل "الفضيات، العاديات، الحلي البدوية، القيشاني والفسيفساء، الصياغة الذهبية، الحفر على الخشب، الموزاييك، الصدف، السجاد، البسط، البروكار، المطرزات الشرقية، الجبصين، الفن التشكيلي، الزجاج المعشق، معمل للزجاج، الجلديات، القش، العود الشرقي"».

وأضاف السيد "العشي": «معظم تلك المحلات تمتلك ورشات خاصة بها خارج "التكية السليمانية" نظراً لصغر مساحة المحلات في السوق».

إذاً هي مهن توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، فهناك الحقائب الجلدية التي مازالت تصنع اليوم كما كانت تصنع منذ مئات السنين بأدوات تقليدية "مسلة" و"خيط"، وفي السوق يستطيع أيُّ منا أن يراقب كيف يصنع الفخار والسيراميك وكأن الزمن متوقف منذ /400/ سنة.

من ذاك السوق الواقع في التكية الصغرى، أي القسم الثاني من "التكية السليمانية"- التي تأسست عام /1554/ م، وتتألف من باحة تحيط بها أروقة، وغرف تحولت تدريجياً إلى محلات شكلت في النهاية "سوق المهن اليدوية"-، من ذاك السوق يمكن لأي منّا السفر في رحلة ممتعة مثخنة بحكايا الشرق الممتدة عميقاً في تاريخ الحضارات... هي دعوة للجميع لزيارة السوق.