عندما يذكر الفن التشكيلي في "حوران" لا يمكن أن نسقط من حساباتنا دور ومكانة الفنان "هايل أبازيد" في هذا المجال، فهو من الرعيل الأول ممن أسسوا لصناعة حقيقية للفن التشكيلي بروح معاصرة، لكنها منسجمة مع عبق وأصالة "حوران".

الفنان "محمود جوابرة" رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في محافظة "درعا" يقول: «يعتبر الأستاذ "هايل" من أوائل الذين درّسوا مادة التربية الفنية بصورة اختصاصية في "درعا" وهو مشارك دائم في المعارض الفنية التي تقام في المحافظة وفي أرجاء القطر. وهو فنان يمتاز بتناوله للعمل الفني ضمن تقنيات التصوير الزيتي التقليدية، بدءاً بتأسيس اللوحة وانتهاءً بعجينة اللون، وتتناغم أعماله مع عناصر الطبيعة من خلال محاكاتها».

في "حوران" هناك مواهب وخامات مبدعة، لكن ينقصها مزيد من الرعاية وتسليط الأضواء، حتى تتألق أكثر وتواصل حالة الخلق والإبداع، وإلا "ما نبت زرعٍ.. دون ماء" والزرع أو البذرة هنا موجودة بالتأكيد

ويضيف الفنان "جوابرة": «كما برع الفنان "هايل" في التعامل مع التراث الحوراني في أعماله، وقد اختلف عن سواه في ذلك حيث أظهر صياغة جديدة أكثر تبسيطاً وأقل لوناً، مع تضمين الكثير من أعماله بعض الترميزات الخاصة بهذا التراث. وهو الآن من أهم الفنانين التشكيليين في المحافظة، الذين يسعون إلى توثيق الكثير من المشاهد، التي تنطلق من الذاكرة البصرية لجيله وجيل من سبقه».

العرس الحوراني

تمتاز أعمال الفنان "أبازيد" بالواقعية المرهفة والنظيفة، هذا ما أكده الفنان التشكيلي "حسين الأكراد" وأضاف: «يمارس الأخ "هايل" عمله الفني ضمن مفاهيم حددها بنفسه، تتعلق في أغلبها بالتراث والفلكلور الحوراني، فكان جل اهتمامه البحث عن الأمكنة والعادات والتقاليد، التي ترتبط بالبيئة الحورانية مثل "مواسم الحصاد، الأعراس، بعض الأدوات المستخدمة في منطقته، البيوت والحيوانات، وألبسة أهالي حوران وما شابه ذلك..."».

ويتابع الفنان "حسين": «كما عالج بعض الأمور الاجتماعية، عن طريق تسجيل بعض اللوحات التي تؤرخ لعادة أو طقس معين، وله أيضاً عدّة رسومات على شكل "بورتريهات"، وهو يعتمد على الأسلوب الواقعي إلا أنه يخرج أحياناً عنه إلى أساليب أخرى مثل التعبيرية والرمزية».

الفنان محمود جوابرة

موقع "eDaraa" التقى الفنان "هايل أبازيد" بتاريخ "6/2/2011"، والذي بدأ بالقول: «بدأت أستهوي الرسم منذ نعومة أظفاري، وتجلى ذلك من خلال أعمال فنية كنت أقوم بها في مدرستي، وتعرض في المعارض المدرسية، حيث ضمت هذه الأعمال رسومات لمناظر طبيعية بألوان مائية ومساهمات في مجال الفنون التطبيقية مثل المجسمات الجصية والورقية، التي نالت استحسان مدرستي، ومازال بعض هذه الأعمال مقتناة في المدرسة كتذكار لانجازات طلابها».

ويضيف الفنان "أبازيد": «لمتابعة شغفي بالرسم اتجهت للدراسة في معهد التربية الفنية "بدمشق"، وبعد تخرجي انصرفت لفترة طويلة إلى تدريس مادة التربية الفنية، في معهد الفنون النسوية ومدارس مدينة "درعا" لكني لم أهمل الرسم على الإطلاق، بل كنت دائم البحث والمثابرة».

ويتابع قائلاً: «كانت انطلاقتي كفنان تشكيلي حقيقي في عام /1990/ حيث أتممت أولى لوحاتي، والتي أسميتها "المحنة"، وأعتبر نفسي اليوم متخصصا في التصوير الزيتي، وأنجزت حتى الآن حوالي /90/ لوحة أو عملاً فنياً، بمعدل من /6/ إلى /10/ لوحات سنوياً، وأعمالي في معظمها تنتمي إلى مدارس "الواقعية والتعبيرية" في الفن التشكيلي».

وعن أهم الأشخاص الذين تأثر بهم يقول الفنان "أبازيد": «في الدرجة الأولى يأتي أخي الفنان المعروف "هيّال أبازيد"، حيث كنت ملازماً له منذ الصغر، وأساعده في تأسيس وشد اللوحات، وقد كان أستاذا لي ومشجعاً أكسبني روح الفن التشكيلي ومفاتيح الرسم. ثمّ يأتي بعد ذلك الفنان "شريف أورفلي" الذي كان يدرسنا مادة التصوير في معهد التربية الفنية "بدمشق"، حيث أعتبر أن له فضلا كبيرا علي، وقد أكسبني مهارات التعامل مع العجينة اللونية».

اعتبر الألم في حياته دافعا للإبداع، ويضيف الفنان "هايل": «إن أفضل الأجواء التي أحب أن أعمل بها هي في ساعات الليل، وبالأخص الليالي الباردة عندما يكون الناس نياما، فأنا ممن يعشقون السهر، كما أحب أن يرافق عملي سماع لموسيقا هادئة جداً، وغالباً ما ألجأ إلى الرسم بعد أن أكون أمضيت ساعات في الطبيعة، وتشكل الخلوة في مرسمي أحد الطقوس المقدسة، التي لا أحب أن يعكر صفوها أحد أياً كان».

وعن مصدر أفكاره يقول: «أستمد أفكاري غالباً من الذاكرة التقويمية الموثقة في شعوري، فأنا أحاول دائماً أن أعكس مشاهداتي عبر تاريخ حياتي في "حوران" من خلال لوحاتي، ولا أبالغ إذا قلت إني أرغب أن يطلق علي لقب "عاشق حوران"».

يتابع الفنان "أبازيد": «تأثرت كثيراً بالبيئة، وظهر هذا التأثير جلياً في معظم لوحاتي، خصوصاً بالجانب اللوني، فأنا أميل إلى استخدام اللون البني بتدريجاته، والذي هو لون التراب في "حوران"، وكذلك اللون الأخضر الذي هو لون الزرع والحقول، ويمكنني القول إن التراث الحوراني بشقيه المادي والمعنوي، كان ملهماً لي وحافزاً لتشكيل الكثير من الأعمال، وأنا أملك رغبة شخصية لتسجيل هذا التراث، من خلال لوحات عديدة توثق فترة زمنية عشتها، تمتد لحوالي نصف قرن، وقد أنجزت في هذا السياق حوالي /12/ لوحة».

وعن علاقته بالزمان والمكان والمرأة، يقول فناننا: «علاقتي بالزمان والمكان جميلة جداً عندما أنجز عملاً أحبه، وغير ذلك فهما لا يعنيان لي شيئاً، فأنا أشعر بأني حي وخلاق عندما أنجز عملاً ما. أمّا بالنسبة للمرأة فأعتبرها المولّد الغزير للطاقة الذي يبعث الإبداع في نفس الفنان، وهي الوجه الآخر للرجل الذي يرى نفسه من خلاله».

إن لوحاته هي الابن البار له، هذا ما يؤكده الفنان "هايل" ويضيف: «إن كل لوحاتي قريبة مني، لكن يمكنني القول إن اللوحة المميزة عندي، هي التي لامست بتقنياتها من خلال الموضوع المطروق لحظة الانفعال الحقيقي، لذلك أنا أرفض أن تطبق على الأعمال الفنية قوانين السوق التجاري، فهي بالتأكيد لا تقدر بثمن، تراني لذلك مازلت أحتفظ بمعظم لوحاتي عندي، باستثناء القليل منها الذي أهديته إلى بعض الأصدقاء المقربين».

وعن واقع الفن التشكيلي في المحافظة، يقول الفنان "أبازيد": «في "حوران" هناك مواهب وخامات مبدعة، لكن ينقصها مزيد من الرعاية وتسليط الأضواء، حتى تتألق أكثر وتواصل حالة الخلق والإبداع، وإلا "ما نبت زرعٍ.. دون ماء" والزرع أو البذرة هنا موجودة بالتأكيد».

ويتابع الأستاذ "أبازيد": «لا بد لتطوير الحركة الفنية في المحافظة من بذل جهد أكثر على المستويين الرسمي والشعبي، فيما يتعلق بالدعم المادي والمعنوي للفنانين، وبعض ملامح ذلك إقامة مزيد من المعارض الفنية، وبالأخص المتخصصة منها، وألا تكون هذه المعارض عبارة عن فعاليات مرافقة لأنشطة أخرى فقط، وكذلك تنظيم مسابقات بين الفنانين التشكيليين حول موضوع ما أو حدث ما، يخلفه توزيع جوائز على الفائزين».

وعن دور الفن في الحياة، يقول الفنان "هايل": «المبدع هو كائن أخلاقي بالأساس، إذ يتعامل مع الحياة كالطبيب الذي يضع يده على الأوجاع، وأنا أؤمن في هذا السياق بمقولة الناقد العالمي "الكسندر اليوت": "إن الفنانين يأتون إلى العالم لا ليملؤوا بطونهم، بل لكي يهيئوا غذاءً جديداً للبشرية"».

بقي أن نذكر أن الفنان "هايل أبازيد" من مواليد "درعا" عام /1950م/، وانتسب إلى اتحاد الفنانين التشكيليين عام /2001م/، وهو الآن مدرّس متقاعد، كما يعرف الأستاذ "هايل" بعزفه على "العود والكمان".