يتهافت إليه كل من ذاق حلاوة اللغة العربية، ليستزيد من كرم فيضه العذب، فهو غزير المعرفة، فصاحةً وشعراً، غير بخيلٍ بما عنده لطالب العلم. يجتمع إليه الشّعراء، ليستحصلوا شهادة الجودة لما يكتبون ويقرؤون، فهو في منطقته كوكبٌ أدبي تدور في فلكه مواهب كثيرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشّاعر "عبد الوالي الضمَّاد" بتاريخ 3 تموز 2018، حيث تحدث عن بداياته بالقول: «كان الشّعر رفيقي منذ أيام الشّباب الأولى، حيث أنجزتُ أول قصيدة لي وأنا في الصّف الأول الثانوي، وكانت قصيدة وطنية تتغنى بالوحدة بين "سورية" و"مصر"، وقد ألقيت تلك القصيدة أمام زملائي ومدرّسي آنذاك "منذر فلّوح"، وقد كان مستواي اللغوي حينئذٍ لا بأس به، فأنا من عشاق اللغة العربية منذ الصغر.

إنّ أشعاره معتّقةٌ، كجوهرة رصّعت بأحجار "يمانية"، تعرف أنّها حديثة السّبك، لكنّها تعبق بالأصالة

ولم أتوقف منذ ذلك الحين عن الكتابة الشّعرية، مع تطوير مستمر ودائم لقدراتي اللغوية والشّعرية».

الشاعر محمود نصيرات

ويتابع الشّاعر "الضمَّاد" حديثه بالقول: «معظم أشعاري من النوع الموزون والمقفّى، لكنّني أحياناً أخرج عن المألوف إلى أوزانٍ أبتكرها حسب الحاجة النفسية، مع الحفاظ على الإيقاع والموسيقا الشّعرية.

كما أكتب أحياناً بعض الأبيات من شعر التفعيلة، بحسب الشّعور السائد لدي، ومع أنّني لا أكتب الشّعر النبطي، إلا أنّني متذوق جيد له، وأتحسّسُ معانيه العميقة.

الشاعر الضماد مع الطبيعة

أكتب الشّعر بكافة أغراضه وألوانه؛ الغزلي، والوطني، والوصف، والرثاء، والهجاء، والمعاناة، وحتى الفلسفي، كما أنظُمُ بعض الأحاجي والألغاز الشّعرية.

وأغلب الأحيان تأتي القصيدة عندي بأسلوب عفوي ومن دون تكلّف، مع تأثري الكبير بالحدث والمناسبة الاجتماعية والوطنية، لكنّني أحياناً أقف مطولاً عند بيت من القصيدة، وذلك تبعاً لتأثري وللحالة النفسية المرافقة».

وعن كتابة القصيدة، يقول: «لا أجد صعوبة في نظم القصائد من حيث اللغة أو الوزن، فأنا متمكّن لغوياً، ولي باعٌ طويلٌ في علم العروض، وسابحٌ ماهرٌ في بحور الشّعر، لكن تأخذ القصيدة معي أحياناً بعض الوقت لإتمامها، بسبب الانقطاع المتكرر عن الكتابة تبعاً لظروف الحياة اليومية. وأنا أميل أغلب الأحيان إلى استخدام البحر الطويل في أشعاري؛ لما له من نفَسٍ واسعٍ وتحمله للهموم والمعاناة. كما ألجأ أيضاً إلى استخدام بحور أخرى، كالكامل والخفيف والرَّجز، ومتوسط القصيدة عندي 25 بيتاً، ومنها ما يصل إلى 60 بيتاً».

أغلب الأحيان المناسبة تدفعهُ إلى قرض الشّعر؛ وهو ما أكده "الضمَّاد" بالقول: «أنا أمتلك القدرة على نظم الشّعر بكل حالاته؛ الفرح، الحزن، المعاناة... إلى آخره، كما أتوسّم دائماً التبسيط في قصائدي، كي يفهمها معظم النّاس، لكنّها في الوقت نفسه لا تخلو من الذائقة الفنية العالية، حيث تناسب الأمزجة المختلفة، وحتى الراقية والخبيرة. وأنا لا ألجأ إلى التقليد في أشعاري، فلي خطي الخاص والواضح، مع التزامي الصارم بقواعد اللغة الفصيحة.

وتشغل المرأة حيزاً مهماً في أشعاري، من خلال المعاني الصّريحة والمبطنة، فالمرأة تعني لي الأرض والوطن، وأنا أراها بثياب مختلفة كل حين.

كما ألجأ إلى الخيال المجنّح لآفاق تروقني، فالشّعر عندي معظمه خلقٌ فكريٌ خياليٌ، لكنّه يتماشى مع الواقع الذي نحياه، ويبقى جنوحه بحسب درجة تمكن القارئ من اصطياد الفكرة، مع حرصي الدائم على التمسّك بالضوابط الشّرعية والاجتماعية في كتاباتي الشّعرية».

وعن مطالعاته الدائمة، يقول: «أحرص دوماً على المطالعة المستمرة، سواء الأدبية منها أو التاريخية وحتى الفلسفية لإغناء جعبتي الثقافية، وأهتم كثيراً بمتابعة الأخبار السياسية والاجتماعية.

كما تعجبني كثيراً أشعار "المتنبي" الذي أعدّه أعظم الشّعراء، فقد ملأ الدنيا وشغل النّاس بأشعاره. وكذلك أحبّ أشعار كل من "ابن الرومي"، و"النّابغة الذبياني"، و"حسان بن ثابت"، و"زهير بن أبي سلمى". ومن المعاصرين تروقني أشعار "نزار قباني"، و"محمود درويش"، و"بدر شاكر السّياب"».

أمّا عن مشاركاته الشّعرية، فيضيف: «شاركت بأشعاري في مناسبات اجتماعية كثيرة في بلدتي. وأنا ناقدٌ أدبيٌ في مجال الشّعر، ومشاركٌ من خلال العديد من مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، مثل موقع "الواحة الفكرية الأدبية" التي يشارك فيه الكثيرون من الشّعراء.

كما أقمتُ أمسيات شعرية في الخارج، منها ما كان في السّفارة السورية في دولة "الكويت"، حيث ألقيت هناك عدّة قصائد، وحصلتُ على تكريمات وهدايا عدّة لمشاركاتي الشّعرية، منها شهادة تقديرٍ من مكتب "الشّهيد" في "الكويت" على قصيدة بعنوان: "وطني". نشرت بعض أشعاري في مجلة "آفاق الجامعية" في دولة "الكويت" بعنوان: "نفثاتٌ وجدانية"، ودخلت هناك أيضاً بعض المسابقات الشّعرية بقصائد كثيرة، منها قصيدةٌ بعنوان: "المسجد الأقصى يعاتب قومه"».

وعن رؤيته للواقع الشّعري في "درعا"، يقول: «هناك خامات شعرية جيدة في المحافظة، وأنا حريصٌ على الاحتكاك بالزملاء منهم ومتابعتهم ما أمكن، وأذكر منهم الشّعراء: "أحمد أبو نبّوت"، و"أبو تمّام"، و"برهم نصر الله"، و"إبراهيم الحريري"، و"عبد الكريم الحمصي"، وغيرهم، إضافة إلى شعراء بلدتي، مثل "محمود النّصيرات".

كما أنني لا أبخل على المبتدئين من الشّعراء بالنصيحة والتصويب للأخطاء والهفوات التي يقعون بها، ودائماً ما أحثهم على السعي ما أمكن لامتلاك ناصية اللغة العربية، في نحوها وصرفها وعروضها، فلا يمكن أن يكون الشّعر جميلاً ما لم يكتب بلغة راقية؛ وهو ما يتطلب كثرة المطالعة والقراءة والاسترشاد بالمعلمين الأوائل».

ومن أشعاره قصيدة "القلم المكسور" التي نظمها بعد حادثة تتلخص بقيام فتاة بكسر قلمها حزناً على والدها المتوفّى، لتعود وتقبل بالقلم نفسه بعد إصلاحه من قبل شاعرنا، وهي ترمز إلى واقعنا ومعاناتنا، وتركّز على تمسك الإنسان بوطنه مهما يكن:

تلك الحياةُ فكم بنتْ أملاً بها وتهدَّما

تباً لعيشٍ لم يَدَع غيرَ الشّقاوة مغَنَما

هصرتْ فؤادي كفّها من حَيرةٍ فتحطَّما

أرجوكَ أرجعني إلى وطني ولو مستسلما

قلتُ له مخدِّراً: لو عُدْتَ يقتلُكَ الظّمى

فجهنَّم في كفّها وحذارِ من أن تُضرَما

فقالَ مني ساخراً إني أُحبُّ جهنَّما

الشّاعر "محمود النُّصيرات" يقول: «يعدّ الشاعر "عبد الوالي الضمَّاد" من أوائل الشّعراء في "درعا"، وهو إنسانٌ متواضعٌ خلوقٌ، وذو سيرة حميدة بين النّاس، ومن يجلس معه ويستمع إلى حديثه يستأنس به، ولا يحب مفارقته. تميز بالوضوح والفصاحة، ويجيد استخدام فنون البلاغة. ولعل ذلك يعود إلى إلمامه باللغة العربية وصنوف الأدب، فهو أستاذ ضليع في اختصاصه، ولا يشق له غبارٌ،غنيٌ عن التّعريف في محيطه، وتجربته الشعرية تعطيه مركز الريادة الأدبية، فهو مرجعٌ حقيقيٌ في هذا المجال».

كما يقول "مروان العياش" العاشق لشعر "عبد الوالي": «إنّ أشعاره معتّقةٌ، كجوهرة رصّعت بأحجار "يمانية"، تعرف أنّها حديثة السّبك، لكنّها تعبق بالأصالة».

بقي أن نذكر، أنَّ الشّاعر "عبد الوالي الضمَّاد" من مواليد بلدة "إبطع" عام 1944، يحمل إجازة في الآداب، قسم اللغة العربية من جامعة "دمشق"، وهو مدرّس لغة عربية متقاعد.

وأيضاً نورد أبياتاً من قصيدة "شموخٌ وكبرياء":

وأنا ما أتيتُ أجترُّ عذراً طالَ عهدُ الخضوعِ والانحناءِ

إن تكوني سَكَنتِ بُرجاً منيفاً فمقامي على رُبا الجَوزاءِ