طموحها العلمي لم يتوقف عند حدودٍ معينة، وتفوقها في مجال الهندسة حولته إلى إبداعٍ تمثَّل في بحثٍ علمي لابتكار منظومات المياه الذكية، التي طبقت في تأمين مياه الشرب لمستحقيها في القارة الأفريقية.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 شباط 2019 تواصلت مع "لين صائب" المهندسة في اختصاص المياه، وبدايةً سألتها عن نشأتها ومراحل دراستها، فأجابت: «رسم لي القدر أن أولد وأترعرع في بلاد الغربة، حيث كانت إقامة عائلتي في دولة "الكويت"؛ نظراً إلى ظروف عملها هناك، وفي سن الخامسة عشرة عدت إلى وطني الأصلي "سورية" وأكمات دراستي فيه، ونلت الشهادة الثانوية عام 2005، وأسرتي كان لها الأثر الأكبر في تخصصي بدراسة الهندسة المدنية، لكون والداي من أهل الاختصاص بها، وهما أصحاب الفضل عليَّ، حيث كان لهما الدور الأهم في تشجيعي ومساعدتي لإكمال ذلك الطريق الشاق في دراستي الجامعية، وحتى بعد تخرجي في جامعة "دمشق"، اختصاص هندسة المياه عام 2011، استمرت متابعتهم لي لتحصيل المزيد من العلم، وفعلاً أكملت دراساتي العليا وحصلت على شهادة الماجستير الأولى في اختصاص تقانة المعلومات من ذات الجامعة، عام 2012».

يصعب على الأب أن يمتدح تميز ابنته، لكن كلمة حقٍّ تقال إنها كانت متفوقة منذ طفولتها في جميع مراحل دراستها، وكانت بارعة في إبراز مواهبها وهواياتها، وكان يطيب لي دوماً ولا يزال مناداتها بلقب أحبته "البرنسيسة"، وقد أثبتت ذلك على الدوام، وأرى فيها نموذجاً لجيلها من شباب المستقبل الجميل المتجاوز لحاضرنا، وجاء ترشيحها لمركز متميز في مجال العمل الهندسي في "أوروبا" ليؤكدَّ ذلك، بعد أن أثبتت ذات التميز خلال عملها في وطنها "سورية"، وأنا فخورٌ جداً بما حققته من نجاحٍ وتميز

تتابع "لين صائب" الحديث عن دخولها مضمار الهندسة المائية العملي، وتقول: «تقدَّمت لرسالة الماجستير الثانية، وكانت عن حوض "بردى" المائي ومستوى التلوث القائم فيه، وكان ذلك بالتعاون مع مديرية الموارد المائية في "دمشق" وريفها، واستمريت في الدراسة والاستقصاء حتى عام 2014، وبعد ذلك توقفت بسبب عدم إمكانية الوصول إلى مصادر المعلومات في ظلِّ الأوضاع التي كانت سائدة آنذاك، لكن شغفي بإكمال ما بدأته جعلني أتقدم لمراسلة عدة جامعات عالمية، إلى أن حصلت على منحة خاصة من مؤسسة "رضا سعيد"، التي تعنى بدعم طلاب الدراسات العليا من أجل مواصلة تحصيلهم العلمي، وهنا حطَّ بي الرحال في جامعة "EXETER" البريطانية وحصلت على شهادة الماجستير منها عام 2016 بعد الدراسة لعام واحد».

شهادة الماجستير من جامعة EXETER

وعن بحثها العلمي الرائد وكيفية تطبيقه والهدف منه تضيف "لين صائب" قائلةًّ: «قبل مجيئي إلى "المملكة المتحدة"، عملت لمدة من الزمن مع منظمة "أوكسفام" في "سورية" كقائد للفريق الهندسي لديها في تنفيذ عدة مشاريع تختص بشبكات المياه وطرائق معالجتها بمناطق مختلفة، كل هذا -إضافة إلى دراستي الأكاديمية- أكسبني الخبرة العملية اللازمة لتطوير ذاتي، ومنها انطلقت لإعداد مشروع تخرجي الخاص برسالة الماجستير، وكان لدي تعامل عملي مع منظمة "ewater pay" صاحبة مشروع منظومات المياه الذكية في دولة "غامبيا" الأفريقية، وبعد قيامي بالأبحاث القياسية اللازمة ضمن المختبرات إضافة إلى الدراسة المجتمعية في ذلك البلد، تم البدء في تنفيذ هذا المشروع في أربع قرى ليمتد بعدها ويغطي كامل المساحة الجغرافية فيه، إضافة إلى انتقال تنفيذه في دولة "تنزانيا" نظراً إلى نجاح تطبيقه، وباختصار هذا المشروع يعتمد دمج تقنيات الذكاء الصنعي في تخطيط وتنفيذ شبكات المياه، من خلال وجود حساسات رقمية موصولة مع شاشات مراقبة مركزية، قادرة على معرفة حاجيات كل أسرة من المياه، ويتم الحصول على حصتها عبر بطاقات إلكترونية معبئة بقيمة من الليترات، وأيضاً يمكن معرفة أماكن الهدر في أي نقطة عند حدوث عطل ما وإيقاف ضخ المياه ذاتياً، كل ذلك الهدف منه تحقيق العدالة في التوزيع، ومساعدة السكان من عدم السير لمسافات طويلة من أجل بعض الليترات من المياه وخاصة النساء والأطفال، ومن هنا تتحقق الفائدة الإنسانية من هذا المشروع».

وعن مرحلة ما بعد إنجاز بحثها العلمي، تضيف "لين صائب" وتقول: «بعد نجاح تطبيق بحثي العلمي، تمَّ اعتماده من قبل قسم هندسة المياه في جامعة "EXETER" كركيزة أساسية يمكن الاعتماد عليها لتنفيذ رسالة الدكتوراه، وتمّ نشره من قبل مجلة "إدارة وحماية المياه" التابعة للجامعة ضمن أبحاث العلماء كبحثٍ علمي قابل للتدريس في الجامعات، كما أنَّ الشركة التي أعمل بها وبناءً على هذا البحث المتميز قد رشَّحتني لنيل جائزة "أفضل نساء أوروبا" في الهندسة والإنشاءات لعام 2019، وتمّ ذلك في شهر كانون الثاني الماضي، وهذا أول ترشيح لمهندسة سورية لهذه الجائزة المهمة على مستوى "أوروبا"، وطموحي المستقبلي أن أسهم في تأسيس منظومة مياه ذكية تناسب طبيعة المجتمع السوري، ومخزون الثروات المائية الغنية في وطني، تساعد الجميع على الحصول على حقِّهم من المياه كلٌّ حسب حاجته».

طفل مستفيد من مشروع المياه الذكية في غامبيا

"وضاح صائب" مهندس كهرباء ووالد "لين صائب" سألناه عن تميز ابنته وما حققته من نجاحٍ في عملها، فأجاب: «يصعب على الأب أن يمتدح تميز ابنته، لكن كلمة حقٍّ تقال إنها كانت متفوقة منذ طفولتها في جميع مراحل دراستها، وكانت بارعة في إبراز مواهبها وهواياتها، وكان يطيب لي دوماً ولا يزال مناداتها بلقب أحبته "البرنسيسة"، وقد أثبتت ذلك على الدوام، وأرى فيها نموذجاً لجيلها من شباب المستقبل الجميل المتجاوز لحاضرنا، وجاء ترشيحها لمركز متميز في مجال العمل الهندسي في "أوروبا" ليؤكدَّ ذلك، بعد أن أثبتت ذات التميز خلال عملها في وطنها "سورية"، وأنا فخورٌ جداً بما حققته من نجاحٍ وتميز».

"إلياس خضري" الأستاذ الجامعي ومستشار هندسي لدى منظمة "أوكسفام" بيّن رأيه عن "لين صائب" ويقول: «هي مهندسة متميزة جداً من عدة نواحٍ، وتملك من الحس الهندسي ما يجعلها ذات رؤية واضحة لقيادة أي مشروعٍ هندسي تكلف به، وتحديد احتياجاته الفنية، عدا احترامها للتراتبية الإدارية في العمل وفهمها الدقيق لواجباتها وحقوقها، والأهم حسُّها الإنساني الذي يجعلها تحظى باحترام ومحبة جميع من يعمل معها، وهذا يمكنها من جعل فريق عملها متحمساً جداً لأفكارها وينفذها عن طيب خاطر، وكان يشدُّ انتباهي تلك الحيوية والنشاط والمبادرات الخلاقة عندها، وهي من المهندسات المتميزات اللواتي صادفتهن خلال عملي التدريسي في الجامعة، وفي عملنا ضمن المشاريع المائية المختلفة التي أنجزناها مع المنظمة، وما حصدته من تميزٍ ونجاحٍ في عملها الحالي ليس غريباً عنها».

المهندس وضاح صائب

في نهاية حديثنا نذكر، أنَّ "لين صائب" من مواليد "دير الزور" عام 1987، وتعمل حالياً في شركة "Asite Solutions" الهندسية في مدينة "لندن" البريطانية.