كان تحدياً كبيراً بالنسبة لها أن تتابع دراستها الثانوية، فكيف إذا كانت ستدخل الثانوية الصناعية وهي سابقة لم تقم بها أي أنثى في مجتمعها الذي تسيره ثقافة العيب والتي تحولت لسكين يوضع على رقاب النساء خصوصاً؟ هذا ما فعلته المدرّسة "كفاح رويلي" مع اثنتين من زميلاتها ليكنّ بذلك أول إناث دخلن الثانوية الصناعية في "دير الزور" ثم يكنّ أول إناث يتخرجن في المعهد الصناعي كذلك.

eSyria قابل هذه المعلمة الرائدة في منزلها وكان لنا معها هذا الحديث: «أنا من مواليد 1965 وكنت أحب العلم منذ طفولتي، وبقيت متفوقة طوال سنوات الدراسة، وفي الصف التاسع كان مجموعي يؤهلني لدخول التعليم الصناعي، ما سبب لي مشكلة اجتماعية هو أنني أول امرأة في "دير الزور" تدخل التعليم الفني فاصطدمت بثقافة العيب التي لا ضوابط لها، إذ إن بعض الأقارب والجوار يعتبرون أن المرأة مصيرها الزواج والبيت ولا داعي لأن تدرس بعد الصف الثالث الإعدادي، ومع ذلك شجعني والدي على التعلم وشجعتني والدتي على وجه الخصوص في هذا وكنت أنا و"نهلة" و"خولة إسماعيل" أول فتيات في "دير الزور" يدرسن التعليم الصناعي، وقد دخلنا المعهد الصناعي معاً وتخرجنا كذلك معاً، وكان تخرجنا سنة 1986، ثم بدأت أنا وزميلتي "خولة" بالتدريس في الثانوية الصناعية الأولى في مدينة "دير الزور"، إذ كان التعليم الصناعي حينها فقط في مركز المدينة، وكان التدريس أيضاً تجربة صعبة بالنسبة لنا، فقد كان لا يدخله إلا ذوو المجاميع المنخفضة ومن الصنف المشاكس، وكان صعباً على المدرسين تدريس الطلاب الذكور فكيف المعلمات، ولكن التجربة أثبتت العكس فقد كان هؤلاء الطلبة يحترمون المعلمة بشكل خاص ويخجلون منها، ما كوّن لي علاقات كانت مثالاً يحتذى به في العلاقة بين المدرسين والطلبة، بل إنني كنت ألعب دوراً توفيقياً بين الطلاب والمدرسين.

إنسانة معطاءة ذكية قادرة على التعامل مع طلابها وزملائها بنجاح، كما أنها مدرّسة ناجحة، وهي بذلك استطاعت أن تكون معلمة نموذجية

وقد حصل تحسن في نوعية وعدد الطلبة الدارسين للتعليم الصناعي، بعد أن انتشرت الثانويات الصناعية حتى في القرى، وأصبحت مجاميع الدخول للتعليم الصناعي مرتفعة، كما تحسن التعليم الصناعي بسبب دخول التكنولوجيا، كما أن علاقتنا الإيجابية بالطلبة جعلتنا نساعدهم حتى في الحياة الاجتماعية خارج صفوف الدراسة ما جعل دورنا التربوي يمتد خارج حدود المدرسة.

في المعهد الصناعي

ونجاحنا كمدرسات اختصاص كهرباء كان محط رهان في محافظة مثل "دير الزور"، بحيث سبب ذلك أكثر في دور المدرّسة في العملية التعليمية، وثقة في دخول زميلاتنا هذا الميدان، وكان للمرحوم "عبد الله شهاب" الدور الأساسي في دخول البنات للثانويات الصناعية، في "دير الزور"، فأثناء زيارته إلى إحدى الثانويات الصناعية في "دمشق" شاهد البنات إلى جانب الفتيان فحاول نقل هذه التجربة إلى"دير الزور" فرفع طلباً للوزارة، وتمت الموافقة على دخول الطالبات للثانوية الصناعية.

وبالنسبة للفكرة السائدة أن طبيعة المرأة لا تتناسب مع دخول التعليم الصناعي، ردت عليها "الرويلي" بالقول: «أنا لا أجد تعارضاً في تدريس العلم الصناعي وطبيعة المرأة، بالعكس أثبت العلم أن المرأة أكثر كفاءة من الرجل في الأعمال التي تتطلب دقة في العمل، كما أن توزع الدروس خلال الأسبوع ووجود أيام تفريغ ساعدني أكثر من زميلاتي في التعليم العام».

أثناء العمل

وما تتمناه "الرويلي" في مجال تطوير التعليم الصناعي هو: «أتمنى لو تم إحداث حرف أخرى وخصوصاً التي لها علاقة بالتراث، مثل مهنة الطرق على النحاس، فبعد أن فتحوها قاموا بإغلاقها، كما يجب إحداث قسم للنجارة العربية.

كما يجب أن يكون هناك تشجيع لدخول الإناث التعليم الصناعي وذلك من خلال تعيين الخريجات في الثانويات الصناعية بالإضافة إلى حملات التوعية لإزالة القناعات الخاطئة التي تخص تعلم المرأة لهذا العلم».

ومن الوسط الاجتماعي للمعلمة "كفاح رويلي" التقينا زوجها السيد "خالد شخيلان" الذي تحدث عنها بالقول: «في بداية زواجي كنت متخوفاً أن تكون أفكار كفاح غير أفكاري لكون حقل عملها صناعياً وأنا اعمل في مجال الفن، ولكن اتضح لي العكس فهي كانت تحب الموسيقا كهواية، وأنا أحب الإلكترون أيضاً، وقد أمنت لي كامل الجو المريح كفنان، وهي لا تعارض أي فكرة أطرحها سواء بالمجال الفني أو غيره».

ومن المدرّسات التقينا في العمل "رابعة الحموي" وهي مدرّسة إلكترون في المعهد الصناعي الثاني "بدير الزور" فقالت: «عرفت "كفاح" طالبة مجدة رغم أنني لم ادرسها لكن تفوقها معروف بالنسبة لنا ككادر تدريسي في المعهد، كذلك نجحت كمدرّسة في الثانوية نجاحاً باهراً على الصعيد العلمي والإنساني بحكم تمتعها بعلاقة ممتازة مع زملائها وطلابها».

ومن زملائها في التدريس التقينا الأستاذ "غسان العلي" أستاذ في حرفة الكهرباء وصفها بالقول: «إنسانة معطاءة ذكية قادرة على التعامل مع طلابها وزملائها بنجاح، كما أنها مدرّسة ناجحة، وهي بذلك استطاعت أن تكون معلمة نموذجية».