لم تتوقف موهبتهُ عند تخوم الشعر الغنائي فحسب؛ بل أبْحرَ بين أمواج فنون الخط العربي والتشكيلي كما احتضن آلة العود ليُلحّنَ ما كتبه عن الوطن والعروبة، شارك في العديد من المهرجانات الشعرية واستحق أن يشار إليه بالبنان... إنه "إياد السعد" صاحب المواهب المتعددة.

موقع eSyria التقى "السعد" ليجيبنا عن بعض ما يتعلق بعلاقته مع الشعر والفن بشكل عام، يقول: «لم تكن بدايتي مع الشعر منذ الصغر مثل أغلب الشعراء؛ بل بدأتُ بموهبةِ مغايرة تماماً وهي الرسم والخط، ومع مرور الأيام تخليتُ عن الرسم لقناعتي بأن هذا الفن يحتاج إلى حرفية وتخصّص؛ إلا أنني طوّرتُ موهبتي في الخط وأصبحتْ فيما بعد مهنتي، أما بالنسبة للشعر فكانت البداية مع الشعر الغنائي وذلك عام /1983/م من خلال قصيدة ملتزمة بعنوان (إنا باقون) والتي غنّتها فرقة الشبيبة بـ"البوكمال" في الكثير من المهرجانات القطرية؛ ثم خضتُ تجربة الوقوف على منبر الشعر وأمام جمهوره، فشاركت في العديد من المهرجانات على مستوى المحافظة والقطر، ونلتُ جوائز ومراتب متقدمة في مجال الشعر الشعبي؛ بعدها اتجهت إلى آلة العود، وقمت بتلحين تلك القصائد التي كنت أكتبها، وكانت تقارب نحو مئة أغنية غناها العديد من المطربين الشعبيين في المحافظة».

يعجبني تعدد المواهب لديه وطريقة التوافق بينها، يملك حساً فنياً رفيعاً لذلك نجده يجمع بين المواهب التي تشترك فيما بينها بقاسم مشترك وهو الإحساس

  • في البداية كانت موهبتك فنية أكثر منها أدبية؛ لكنك بالنهاية توجّهتَ إلى كتابة الشعر؛ فما سبب هذا التوجه المفاجئ؟
  • من إحدى مشاركاته فترة التسعينيات

    **«إن قضية الموهبة مهما كان نوعها فهي مسألةٌ تنبع مع الإنسان وتسري في عروقه؛ لكن لا أحد يستطيع أن يحدد متى ستنفجر، أعتقد أن كتابة الشعر مثلاً تبدأ مع نضوج الفرد وذلك بعد فهمه واستيعابه للواقع الذي يعيش فيه والذي يلوّن أفكاره وأحاسيسه بتداعياتٍ وهواجس مختلفة تُجبرهُ على البحث عن فسحة تنفس يتلفظ من خلالها كل ترسّبات الدهر التي جثمت على صدره. فلذلك نستطيع القول بأن الشعر حالة يعيشها الفرد مع ذاته في لحظةٍ من اللحظات ليعبر عما بداخله من مشاعر، لكن قد يتوقف البعض عند مفترق الطريق والبعض الآخر ربما يتابع دربه الذي سلكه؛ وهنا بالتأكيد سيحتاج إلى بحثٍ متواصل عن الأفضل دائماً ومحاولة تجديد مستمرة لبلوغ مستويات عالية من التألق».

  • اللغة العربية الفصحى تبقى دائماً الهوية الأصلية للإنسان العربي؛ ألا تظن بأن الشعراء الشعبيين بشِعرِهم هذا يتسبّبون في طمس هذه الهوية؟
  • خلال مشاركته في إحدى الأمسيات الشعرية في "البوكمال"

    ** «يجوز أن نطلق على الشعر الشعبي بأنه شعر البيئة، أما الفصيح فيعتبر اللغة الأم ومن خلالها تدرّج الشعر الشعبي وولِدت ألفاظه ومفرداته، لكن الكلام اليومي المُتداول بين الناس في بيئتهم المحلية تحتم على الشاعر الكتابة وفق ما يروق لهذا الجمهور، إضافةٌ لاحتوائه على كلمات مألوفة لهم مثل كلمة (التنور؛ الرغيف؛ والجمرة) فإذا لاحظنا الحشد الجماهيري المتواجد خلال إحدى الأمسيات الشعرية لوجدنا بأن الأغلبية ليسوا على مستوى اللغة الفصحى ولديهم ضعف واضح بمفرداتها؛ وهذا الأمر يدفع بالكثير من الشعراء إلى كتابة ما هو قريبٌ لاهتمام ذلك الجمهور، لأنه الحكم الذي يحكم على القصيدة إما بالقبول أو الرفض. ومع كل هذا فقد خضتُ تجربة الكتابة باللغة الفصحى وأظن أنها نالت إعجاب الكثيرين».

  • هل يكمن خوفٌ بداخلك من كلمة شاعر؟
  • الشاعر الشعبي "يوسف الخالد"

    ** «بالتأكيد كلمة أو لقب شاعر ليس بالأمر الهيّن، وأتمنى في يوم من الأيام أن أحصل على هذا اللقب وألبس هذه العباءة على أن تكون بمقاسي؛ فمهما تطوّر المرء في المجال الإبداعي الذي يعمل فيه يبقى دائماً بحاجةٍ إلى المزيد».

  • وكيف ترى جمهور الشعر في "البوكمال"؟ وما مدى تجاوبه مع النشاطات الأدبية؟
  • ** «يتميز جمهور "البوكمال" ببعض الخصوصية نتيجة خضوعه لقيودٍ اجتماعية صارمة بعض الشيء؛ وتكون سبباً في غيابه عن الندوات والمحاضرات الفكرية والأدبية، لكن في الوقت نفسه لا ننسى أن هناك جمهوراً حيوياً وذواقاً يستطيع الولوج في سجالٍ مُعمّق مع الشاعر أثناء وجوده على منصة الإلقاء، أظن أن الشعر ما يزال مطلباً حقيقياً لدى الكثيرين من عشاقه في "البوكمال"».

  • في معظم كتاباتك توحي للقارئ بأنك شاعرٌ ملتزم بالخطاب السياسي، لكن أين مكان المرأة في إبداعاتك؟
  • ** «أشعر بالفخر والاعتزاز إذا صنّفني القارئ ضمن خانة الشعراء الملتزمين بقضايا سياسية، لكن في حقيقة الأمر أتميز أكثر في مجال الشعر العاطفي والذي يحمل طابعاً اجتماعياً، فَلَديّ سلسلة من القصائد التي تناولتُ فيها المرأة من جوانب عدة، ولم أتناول المرأة على أنها جهة العشق والغرام؛ بل تحدثت عن قضاياها كعنصرٍ اجتماعي فعال، فمثلاً كتبتُ عن تلك المرأة التي تمنع زوجها من الزواج بأخرى؛ وعن التي تجادل زوجها في قضايا مصيرية؛ كما كتبتُ عن نقاط الضعف عند المرأة والرجل معاً».

    وقد كان لبعض أدباء المنطقة رأيٌ في الشاعر "إياد السعد" فالشاعر "قيس صقر" قال فيه: «إنه إنسانٌ طموح ولديه من الموهبة ما يكفيه ليطأ قدمه في المكان المناسب، يتميز أيضاً بموهبةٍ لافتة في مجال التلحين، أتمنى منه الاعتناء بما لديه من مواهب متعددة».

    الشاعر الشعبي "يوسف الخالد" قال: «ربما من الخطأ أن نطلق عليه اسم شاعر فقط، فإضافةً لقدرته على كتابة الشعر لديه مواهب فنية أيضاً ليست أقل مستوى من الشعر مثل التلحين والرسم والخط، وأتمنى أن يستمر في التلحين دون انقطاع فله الكثير من الألحان الجميلة التي غناها عدد من المطربين».

    كما كان للفنانين والموسيقيين رأي، إذ قال عنه الفنان "أمير حاج هاشم": «"إياد" عازف وملحن ماهر قبل أن يكون شاعراً؛ لكن حتى أشعاره ليست بأقل من ألحانه، فالأغنية لديه هي صناعة ذاتية، فهو يكتب كلمات الأغنية ثم يقوم بتلحينها لتصبح جاهزة للغناء».

    عازف العود "أحمد مراد" قال فيه: «يعجبني تعدد المواهب لديه وطريقة التوافق بينها، يملك حساً فنياً رفيعاً لذلك نجده يجمع بين المواهب التي تشترك فيما بينها بقاسم مشترك وهو الإحساس».

    ومن بين قصائده اخترنا هذا المقطع:

    عَلِمْتُمْ من أكون أنا؟/ أنا الجرحُ الذي ما تابَ جارحُهُ/ أنا البركان/ نارُ الثأرِ في حممي.. أنا الإعصار.. والأمطار.. والأشجار.. أنا الرعدُ المدوي.. يمتطي قممي/ أنا الجبلُ المحصنُ في حجـــــــارتِهِ... أنا العلمُ المخضبُ في غَمـــــــــــامتِهِ... أنا الفجرُ الذي أضفى على النُجُمِ.. أنا التاريخُ يعزفُني.. أنا الأجيال تعرفُني.. أنا اسمي وطنٌ عربي.

    جدير بالذكر أن الشاعر "إياد السعد" من مواليد مدينة "البوكمال" عام /1968/.. موظفٌ في وحدة المياه بـ"البوكمال" وعدا عن هذا وذاك فهو يعمل في ورشة حدادة إذ يلخص كل إبداعاته بضرباتٍ قوية على الحديد الأصم ليَخْلق منها أشكالاً ونماذج فريدة.