برز اسمه كواحدٍ من الشخصيات المثقفة التي أنجبتها مدينة "البوكمال" خلال ثلاثينيات القرن الماضي والتي قضتْ جل حياتها بعيدةً عن أزقتها لنيل المزيد من العلم والمعرفة ثم نَشْره بين الأجيال اللاحقة؛ كانت محطته الأولى في ربوع الفيحاء "دمشق" ثم بين أحضان جامع الأزهر وبعد العودة إلى موطئ قدمه؛ دخل ميدان السياسة ليكون نائباً في البرلمان السوري؛ وتَوَّج مشواره في سلك التعليم بتأسيس أول إعدادية في "البوكمال" لتصبح فيما بعد رافداً حقيقياً لتخريج المُثقفين.

الأستاذ "عبد الحليم الدبس" لم ينشأ في أسرةٍ فقيرة كما هي العادة عند أغلب الشخصيات التي تؤرخهم الكتب؛ بل ولِدَ وسط عائلةٍ غنية جداً تملك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والعقارات السكنية. وبفضل الوضع المادي الجيد لعائلته تمكن من السفر وإكمال تعليمه؛ فيقول شقيقه الأصغر الحاج "عبد الرحيم الدبس":

نشأ "عبد الحليم" في عائلةٍ تتألف من /10/ ذكور و/4/ إناث؛ ترتيبه الرابع في الأسرة؛ تزوج ابنة عمه وأنجب منها ثلاث بنات؛ توفيت واحدة وترملت الاثنتان الباقيتان وترك هذا الأمر حزناً كبيراً في قلبه

«نشأ "عبد الحليم" في عائلةٍ تتألف من /10/ ذكور و/4/ إناث؛ ترتيبه الرابع في الأسرة؛ تزوج ابنة عمه وأنجب منها ثلاث بنات؛ توفيت واحدة وترملت الاثنتان الباقيتان وترك هذا الأمر حزناً كبيراً في قلبه».

الحاج "عبد الرحمن الدبس" شقيق "عبد الحليم" الأصغر

ويضيف: «عندما عاد من "مصر" حاملاً معه شهادة أصول الدين واللغة العربية؛ لم يكن هناك إعدادية في المدينة فقرر افتتاحها على نفقته الخاصة؛ واستقطب مُدرسين من خارج المحافظة في سبيل نشر العلم بين شباب مدينته وسمى هذه الإعدادية باسم (المعهد الثقافي العربي) وخلال مشواره في سلك التعليم درّسَ في العديد من المدارس منها "فايز منصور" بـ"البوكمال" كما درّس في محافظة "دير الزور" و"الحسكة" بعدها تم رفده إلى "الجزائر" كإعارة لتدريس اللغة العربية لمدة /4/ سنوات، وبعد انقضاء المدة انتقل للتدريس في مدارس "الزبداني" و"بلودان" وبقي هناك حتى وفاته عام /1989/م».

في تلك المدرسة البسيطة تخرّج الكثير من الكوادر العلمية الذين لم ينسوا ذكرياتها الجميلة؛ ومن بينهم الأستاذ المتقاعد "عبد الحميد الخليل" /73/ سنة مُدرّس فلسفة والذي يقول:

الأساتذة المتقاعدون: من اليمين عبد الحميد الخليل يليه في الوسط جاسم السراج ومن اليسار ناظم الدخيل

«كانت المدرسة مؤلفة من ثلاثة غرف مبنية من الطين ولم يكن عدد الطلاب يومها يتجاوز /20/ طالباً؛ كلهم من المدينة وأغلبهم أكملوا فيما بعد دراستهم الجامعية بفضل هذه المدرسة التي ساعدتهم على إتمام تعليمهم».

كما تحدث الأستاذ المتقاعد "ناظم الدخيل" /65/ سنة مُدرس جغرافيا؛ قائلاً:

الأستاذ "عبد الحليم الدبس" أثناء وجوده تحت قبة البرلمان السوري عام /1953/م

«في تلك الفترة كان من الصعب على الطالب إكمال تعليمه بسبب عدم وجود مدارس للمرحلتين الإعدادية والثانوية، ولم يكن بمقدوره السفر للمحافظات الأخرى لغرض العلم لأن الوضع المادي لم يكن يسمح لأغلب العوائل بإرسال أولادهم إلى أماكن بعيدة؛ فجاءت هذه المدرسة في وقتها لتحل مشكلة الطلبة».

أما الأستاذ المتقاعد "جاسم السراج" /67/ سنة وهو خريج كلية الحقوق وأحد الطلبة الذين دَرَسوا في الإعدادية التي أسّسها "عبد الحليم الدبس" فيتحدث عن تلك الفترة قائلاً:

«كان الأستاذ "عبد الحليم" منارة حقيقية لنشر العلم بين أبناء مدينته؛ فبعد مجيئه من "مصر" تأثر كثيراً بوضع الطلبة الذين يتركون الدراسة بعد الابتدائية؛ لذلك أسس الإعدادية على نفقته الخاصة مقابل أجر زهيد يدفعه الطالب للالتحاق بها؛ وكل الجامعيين الأوائل في المدينة هم من خريجي هذه الإعدادية».

بدورهِ تحدث الأستاذ المحامي "أديب الدبس" عن أبرز محطات حياة ابن عمه؛ قائلاً: «ولد "عبد الحليم" عام /1926/م في مدينة "البوكمال" أتمّ دراسته الابتدائية في مدارسها عام /1938/م؛ ثم التحق بالكلية الشرعية في "دمشق" وحصل على شهادة تعليمها المتوسط عام /1948/م وقبل ذلك كان قد حصل على شهادة في العلوم العامة، بعدها توجّه إلى "مصر" لإكمال دراسته في "الأزهر" حيث تخرج فيه عام /1951/م وفي عام /1952/م حصل على شهادة في التربية والتعليم؛ اُنتخِبَ نائباً عن "البوكمال" عام /1953/م. وفي تلك الفترة لم يكن التعليم في المدينة منتشراًً سوى ضمن المرحلة الابتدائية فقط؛ لذلك افتتح "عبد الحليم" إعدادية على نفقته الشخصية حرصاً على المستقبل التعليمي لأبناء مدينته، لقد عاش بعيداً عن المدينة فترة ثلاثين عاماً وتوفي وهو بعيدٌ عنها».