ربما يُشعركَ مشهدها الخلاب بالدفء والطمأنينة عندما تُحدّقُ بها من قمة الجبل المطلِّ عليها، وقد تُجبرك تلك اللحظات الجميلة وأنت تستمتع بالمنظر الرائع إلى العودة بالذاكرة للوراء لاستحضار ما ضاع من أيام. تلك هي بلدة "الباغوز" التي ترقد كعروسٍ في ليلة زفافها بجوار ذلك الجبل الشامخ الذي لا يزال يحرسها من عواقب الدهر بكل تفان وإخلاص.

ووحده "الفرات" يبقى أخلص الحراس لمن يجاور ضفتيه، فعلى بُعد /2/ كم من مدينة "البوكمال" تُلوّح هذه البلدة بحقول نخيلها للقادمين دون موعد وتفتح أحضانها لكل ضيفٍ آتٍ من بعيد.

تل "الباغوز" هو عبارة عن مجموعة من المدافن البرجية التي تعود للفترة الكلاسيكية؛ وتقوم على تلٍ مطل على مدينة القائم العراقية، أجريت فيه أسبار اختباريه من قِبل البعثة الأثرية العاملة في موقع "دورا أوروبوس" أو "الصالحية"

فهناك صفاتٌ مشتركة يتميز بها أبناء "الفرات" وتتجلى في بعض الأمور الموروثة عن طيب أهلها ونسبهم وأصالتهم المعروفة إلى جانب النخوة والكرم والأخلاق الحميدة؛ فالحياة الاجتماعية في بلدة "الباغوز" تتسم بروابط عميقة من نسب ومصاهرة ما جعل سبل حياتهم تستمر دائماً نحو الأفضل، وعن هذه الناحية تحدث السيد "هواش عيسى" مختار البلدة قائلاً: «هناك عدة عشائر تسكن في البلدة ويجمعها الود والإخاء وهي: "المراسمة؛ العقيدات (دندل الحسون)؛ الجبور (الشيخ حمد)؛ المراشدة؛ الراويين؛ الدليج؛ الرحبيين؛ المشاهدة؛ الطي (السفافنة)". ولكل عشيرة وجهاء يتكلمون باسمها وباسم أبنائها في السراء والضراء، وتحتضن البلدة أسماء الكثير من المثقفين الذين تخرّجوا في مختلف الجامعات السورية ويفوق عددهم مئة شخص أغلبهم حقوقيون ومهندسون وأطباء، ولا ننسى شخصية الشيخ "مجحم الدندل" الذي مثّل البلدة في مجلس الشعب خلال سنواتٍ خلت».

التعرجات الصخرية الواضحة أسفل الجبل المطل على البلدة

تشتهر معظم التجمعات السكانية المحاذية لنهر "الفرات" باتساع مساحات أراضيها المزروعة وتنوع محاصيلها السنوية، وبخصوص الواقع الزراعي تحدّث إلينا السيد "هواش الشهاب" رئيس الجمعية الفلاحية بالبلدة قائلاً: «تبلغ المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية نحو /7000/ دونم؛ أما الفعلية فهي /2500/ دونم منها صيفي ومنها الآخر شتوي، وأهم المحاصيل الزراعية (القمح، الشعير، القطن، الذرة الصفراء وبساتين الرمان) وبشكل عام الإنتاج جيد؛ لكن بسبب الإصابات والآفات المتكررة لهذه المحاصيل انخفض إنتاجها بشكلٍ ملحوظ فمثلاً محصول القمح والشعير أصبح ينتج وسطياً /150/ كيلوغراما للدونم الواحد؛ والقطن ينتج وسطياً /100/ كيلو للدونم الواحد، ولا ننسى أيضاً أن لارتفاع أسعار المازوت والأسمدة والبذار أثرا سلبيا أدى إلى تراجع اهتمام الفلاحين بالزراعة».

أينما وجِدت المراعي وتوافرت المياه فلا بد أن يكون هناك من ثروة حيوانية تُكمل طبيعة الحياة الريفية الجميلة، وعن هذا الجانب تحدّث السيد "حميد نعمة الحسن" رئيس الجمعية البقّارية في البلدة قائلاً: «تبلغ أعداد الثروة الحيوانية في "الباغوز" نحو /7/ آلاف رأس من الأغنام؛ ومن الماعز نحو /250/ رأسا أما الأبقار فيبلغ تعدادها نحو /3200/ رأس منها /600/ رأس عجولا، وهناك الكثير من الصعوبات التي يعاني منها المربون مثل نقص المواد العلفية وعدم توافرها بشكلٍ دائم إلى جانب قلة حصة الرأس الواحد، إضافةً إلى انعدام أمكنة مخصصة لتلقيحها وتحسين السلالات».

السيد "عارف محمود الحميد" رئيس مجلس بلدة "الباغوز"

بدوره تحدث السيد "عارف محمود الحميد" رئيس مجلس البلدة عن هذه البلدة قائلاً: «تقع بلدة "الباغوز" في الجنوب الشرقي لـلجمهورية العربية السورية على الضفة اليسرى لنهر "الفرات" تبعد عن مركز محافظة "دير الزور" نحو /125/كم وعن مدينة "البوكمال" /2/كم؛ يحدها من الشرق الحدود العراقية ومن الجنوب "البوكمال" ومن الغرب نهر "الفرات" ومن الشمال بلدة "السوسة"، تنقسم إدارياً إلى ثلاثة أقسام وهي "باغوز" التحتاني و"باغوز" الفوقاني ثم مزرعة "السفافنة" تبلغ مساحتها الكلية /4500/ هكتار أما مساحة المخطط التنظيمي فهي /950/ هكتارا ويبلغ عدد سكانها /22000/ نسمة يعمل معظمهم في الزراعة وتربية الماشية؛ سميت بهذا الاسم نسبةً إلى الكلمة التركية "الباغوز" والتي تعني "المضيق". يوجد في البلدة مركز صحي عدد /2/ ومركز للهاتف الآلي يغطي /70/% كذلك محطة لمياه الشرب تغطي أيضاً /70/% إضافة إلى /10/ مدارس ما بين تعليم أساسي وثانوي، كما يوجد فيها جمعية فلاحية وأخرى بقارية؛ وكل بيوت البلدة تتمتع بنعمة الإنارة بنسبة 100%».

وتابع "الحميد" حديثه حول المشاريع المُنفذة وغير المنفذة في البلدة بالقول: «هناك الكثير من المشاريع المُنجزة وهي تحت الخدمة مثل مشروع تسوية وتعبيد ضمن المخطط التوسعي مرحلة أولى وثانية وضمن المخطط التنظيمي أيضاً، ومشروع توسيع الطريق العام وتسوية وتعبيد الطريق الرئيسي وبعض الطرق الفرعية؛ كما تم تسوية وتعبيد طريق المقبرة وطريق المحلق ضمن المخطط التوسعي وتعبيد طريق الجرف.

مرصد أثري في أعلى جبل "الباغوز"

أما فيما يتعلق بالمشاريع قيد الإعلان فهاك مشروع مد مجبول زفتي لبعض الطرق ومشروع تعبيد في المخطط التوسعي. لكن مع كل ذلك هناك الكثير من الأمور التي تحتاجها البلدة كالحاجة إلى إعدادية عدد /2/ ومدرسة للتعليم الأساسي أيضاً /2/ وشبكة الاتصالات بحاجة إلى توسعة كذلك محطة المياه بزيادة عدد المضخات والخزانات؛ والكهرباء بحاجة إلى زيادة عدد المحولات للتخلص من ضعف التيار كذلك من الضروري الاهتمام بآثار البلدة».

ما يُعرف عن هذه البلدة هو احتضانها لتلٍ أثري جعل منها مكاناً تاريخياً، فقد جاء في كتاب (تاريخ محافظة دير الزور) للمؤلف "مازن الشاهين" ما يلي: «تل "الباغوز" هو عبارة عن مجموعة من المدافن البرجية التي تعود للفترة الكلاسيكية؛ وتقوم على تلٍ مطل على مدينة القائم العراقية، أجريت فيه أسبار اختباريه من قِبل البعثة الأثرية العاملة في موقع "دورا أوروبوس" أو "الصالحية"».