تنتشر في بادية "دير الزور" العديد من الآبار الرومانية، وتعتبر منطقة البشري من أغنى مناطق الآبار الرومانية والعربية منذ ألفي عام وحتى الآن، إذ تمَّ حفرها بمواقع تعترض مجرى سيول الأمطار وبأماكن مختلفة، وذلك بحسب كمية المياه المتوقع الحصول عليها في كل موقع وحسب طبيعة التربة في المنطقة المراد الحفر فيها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 26/3/2013 المهندس الزراعي "محمد خضر" والمهتم بالتراث الفراتي" والذي قال عن الآبار: «تعتبر منطقة "البشري" من أغنى مناطق الآبار الرومانية وتعتبر آبار "الدفينة" من أكثر المناطق التي تحوي آباراً رومانية وعربية، حيث سميت آبار "الدفينة" لأن هذه الآبار كانت مدفونة ونتيجة السيول تم كشفها وتأهيلها من الأهالي واستثمارها منذ أكثر من مئة عام، وتتميز بكثرة المجاري المائية والوديان، وهذا مؤشر لتجمع المياه في المناطق المنخفضة، مثل قرية أم نخلة، موقع الدفينة حيث يوجد هذا الموقع بوادي تتجاوز مساحته 2 هكتار وفيه أكثر من أربعين بئراً منها 9 آبار مؤهلة من قبل مديرية البادية والأهالي والكثير منها مردوم بحاجة لإعادة تأهيل».

تقع هذه الآبار في نهاية المنحدرات المائية القصيرة وعلى أطراف الفيض منها، وأسفل سفوح الجبال وذلك لضمان استقبالها لمياه الأمطار وتخزينها لفترات طويلة نسبياً ما جعل منها وسائل مهمة لعمليات الاحتفاظ بالثروة المائية ذات الجريان السطحي لاستخدامها من قبل سكان البادية الأمر الذي يضمن لهم تأمين مستلزمات الحياة والطمأنينة والاستقرار والعزوف عن حياة التنقل والهجرة

وأضاف: «على طريق الرقة الجزيرة 65 كم عن دير الزور يوجد بئر يسمى بئر "فلسطين" وهو بئر قديم روماني معروف منذ عام 1935 م مكسوّ بالحجر الأسود القديم مع سلم حديد، وفي قرية "أبو خشب" هناك بئر روماني قديم عائد لعائلة "الدوش" والمسؤول عنه السيد "اسماعيل الدوش"، وعلى طريق "الفيضة" في البادية باتجاه الشامية الأول على الطريق العام يبعد 70 كم شرق محافظة "دير الزور" ويسمى بئر "سعدون" يبعد 25 م عن الطريق العام، وهو قديم معروف منذ مئة عام يوجد فيه ماء ومكسوّ من الداخل بأحجار قديمة وبداخله تجاويف وبشكل مخروطي من الداخل، وعمق البئر بحدود 36 م وعمق الماء 29م ، وعلى بعد 5كم من الطرف الثاني من الطريق يوجد بئر قديم معروف باسم بئر "البوسيد" مخروطي الشكل محمي بصبة بيتونية».

البئر الروماني في كباجب

وتحدَّث عن مواقع تلك الآبار: «تقع هذه الآبار في نهاية المنحدرات المائية القصيرة وعلى أطراف الفيض منها، وأسفل سفوح الجبال وذلك لضمان استقبالها لمياه الأمطار وتخزينها لفترات طويلة نسبياً ما جعل منها وسائل مهمة لعمليات الاحتفاظ بالثروة المائية ذات الجريان السطحي لاستخدامها من قبل سكان البادية الأمر الذي يضمن لهم تأمين مستلزمات الحياة والطمأنينة والاستقرار والعزوف عن حياة التنقل والهجرة».

ويشير الباحث المرحوم "عبد القادر عياش" في مجلة "صوت الفرات" عن أسماء الآبار في البادية الفراتية بالقول: «في كل من بادية الجزيرة والشامية عشرات الآبار منها القديمة ومنها الحديثة منها المهجور ومنها المستعمل، وتختلف من حيث مذاقها فهي إما مالحة أو عذبة، ولها أسماء كثيرة لدى العشائر الفراتية منها "القليب" وهي البئر العادية القديمة، و"الجب" وهي البئر الكثيرة المياه البعيدة القعر، و"الظنون" البئر التي لا يدرى أفيها ماء أم لا، و"الرس" و"العليم" وهي البئر الكثيرة الماء، و"المكول" وهي القليلة الماء، و"المنوح" الذي يُسقى منها مداً باليدين، وهناك "العِدُّ" هو البئر التي لا تنضب رغم كثرة الورّاد وقلة الأمطار».

أثناء عملية التأهيل

ويضيف "عياش" بالقول: «يواجه أهل البادية مشقة تأمين مياه الشرب لهم ولحيواناتهم فهم يركزون على عدة أنواع لتأمينها منها "الخبرة" جمعها خباري وخبرات وهي أحواض منخفضة مسدودة، ينفصل بعضها عن بعض بمرتفعات صخرية تتجمع مياه الأودية والسيول فيها عقيب الأمطار وهي أشبه بالبحيرات أو البرك، يرقد ماؤها على الطين وتعكره أرجل الغنم والإبل، وهناك "الغدير" جمعه غدران أصغر من الخبرة تتألف من مسايل الأودية القليلة الانحدار ويشرب منها السكان والحيوانات، و"التغب" وهي أصغر من الغدران و"الحسو" جمعها حسيان وهي الآبار التي ماؤها تابع لسقوط الأمطار وتكون في أرض منخفضة ويكون ماؤها قليلاً وقريباً من سطح الأرض ومياهها عذبة في الأكثر، و"المالحة" أرض ذات ماء مالح، و"العيون" وهي الينابيع الظاهرة على الأرض وهي قليلة مثل عين علي وعين عيسى، والآبار لها أهميتها في حياة سكان البادية».

أمَّا الآثاري "عمار كمور" فبين بالقول: «تمثل الآبار قديماً شريان الحياة وسبباً لبقاء الكثير من سكان البادية الفراتية، كما أن الآبار في بادية "دير الزور" تعود إلى الفترة الكلاسيكية البيزنطية والرومانية حوالي القرن الثالث الميلادي إضافة لملاحظة وجود الأقنية التي كان الهدف من حفرها جلب المياه من مناطق بعيدة ضمن شبكة تشبه إلى حد كبير شبكات المياه الحالية، فالآبار تعتبر رومانية إذا زاد حجمها عن 100 متر مكعب فيما تعد غير ذلك إذا قل حجمها عن هذا المقدار».

وأضاف: «تاريخ حفر الآبار قديم موغل في القدم لا يعلم أحد تاريخ حفرها ومقياس عمق الآبار عند البدو هو الباع ((امتداد الذراعين))، وأكثرها للآراميين ثم للرومان ومن بعدهم للعهد الإسلامي، وكان القدماء يرون في أعماق الآبار والينابيع قوى خفية مؤثرة تمنح مياه تلك المواضع قدسية خاصة، وتتميز بجدرانها الكتيمة لكونها مطلية بمادة الكلس الممزوج بالفخار وقد تكون أحيانا مبنية بحجارة كلسية أو بازلتية حسب توافرها في المنطقة بالإضافة إلى جرن حجري لسقاية المواشي».

  • الصورة الرئيسية في منطقة الدفينة.