تركت "دورا أوروبوس" آثاراً واضحة على الصعيد التجاري والثقافي والعسكري في منطقة "الفرات"، من خلال مكتشفات مميزة يبلغ عمر بعضها نحو 1880 عاماً مازالت محفوظة في جامعة "يال" الأميركية...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 أيار 2014 الآثاري "عمار كمور"، وعن آثار "دورا أوروبوس" أو ما تعرف بـ"صالحية البوكمال" يقول: «إن من يدرس ويشاهد تلك الآثار يتعرف على جملة من المعالم التي ظلت على مرّ الزمن شواهد تستوجب التوقف عندها، معالم لم تجعل من "دورا أوروبوس" مكاناً لمرور القوافل والمبادلات التجارية من "سورية" إلى أوروبا والعالم فقط، بل ملتقى للأفكار والمبتكرات والمعتقدات والتمازج الثقافي، تتميز بوجود حقول خضراء تجاورها البيوت الطينية، فترسم الطبيعة لوحة فنية تبناها الإنسان بوفاء».

تدعى الآن "صالحية البوكمال"، وتقع على الحافة اليمنى من نهر "الفرات" إلى الجنوب من "دير الزور"، وكل آثارها موجودة في متحف "دمشق"، وجامعة "يال" الأميركية التي أخذت حقوق التنقيب فيها وأصدرت حولها أكثر من 12 مجلداً تضمنت كل عمليات التنقيب التي أجرتها على مدى سنوات طويلة، وللأسف الشديد لم تترجم هذه المجلدات وبقيت باللغة الإنكليزية

وعن مراحل اكتشافها يقول "كمور": «في آذار عام 1920م، وأثناء حفر الجنود الإنكليز خنادق في الصحراء، سقط أحدهم في فراغ تكشفت جدرانه عن لوحات تحمل مشاهد حياتية ودينية لأشخاص يرتدون أثواباً طويلة وقبعات مخروطية، مما استدعى طلب الباحث الأميركي "جيمس هنري بريستد" لفحصها، فتشكلت بعثة ترأسها الباحث البلجيكي "فرانس كومان"، عملت في الموقع من عام 1922 إلى 1924، وتمكنت في نهايتها من الإعلان بأن الموقع هو مدينة "دورا أوروبوس" التي بحث عنها علماء الآثار على الضفة الشرقية لنهر "الفرات" دون جدوى، بعد ذلك أُهمل الموقع حتى عام 1928، وهو تاريخ تشكيل البعثة الفرنسية - الأميركية التي اشترك فيها باحثون من جامعة "يال" ونفذت عشرة مواسم، امتد كل منها على ستة أشهر، نقبت خلالها قرابة ثلث مساحة المدينة، وترأسها الباحث الأميركي "ميخائيل روستوفتزف"، وفي نهاية عام 1937 توقفت أعمال التنقيب مع إرهاصات الحرب العالمية الثانية لتُترك المدينة للنسيان حتى عام 1986، حيث عادت أعمال التنقيب والترميم إلى الموقع على يد بعثة مشتركة سورية - فرنسية من المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الخارجية الفرنسية، قامت بدراسة التحصينات وإجراء الترميم على أجزاء مهمة منها، كالقصر الكبير الذي شهد أعمال توسيع في بداية القرن الثاني قبل الميلاد، وقد تم العثور على فخاريات من العصر الآشوري، تثبت أن الموقع كان آهلاً وعامراً بشكل واسع قبل الفتح المقدوني، ولم يقتصر على حصن بسيط كما كان يظن بعض الأشخاص».

حذاء محفوظ في جامعة يال الأميركية.

أما الباحث الآثاري "تيسر خلف" فيتحدث عن مكتشفات "دورا أوروبوس" الأثرية، ويقول: «اكتشف فيها حذاء من الجلد محفوظ بحالة جيدة، موجود حالياً في متحف جامعة "يال" الأميركية، يعود إلى طفل سوري من مدينة "دورا أوروبوس"، التي كانت ميناء مدينة "تدمر" على نهر "الفرات"، وبيّن تحليل الكربون أنه صنع بين العامين 200م و254م، وأثار صموده كل هذا الوقت رغم أنه مصنوع من مادة عضوية استغراب العلماء، ولكن يبدو أنه كان معالجاً بمواد شمعية حافظت عليه من التحلل، إضافة إلى طبيعة المناخ الجاف الذي يميز المنطقة، كما كُشف عن تفصيل قماشي يمثل زهرة يعتقد أنها شقائق النعمان، وقطعة القماش الصوفية هذه ما تزال تحتفظ بألوانها رغم مرور 1880 عاماً على نسجها، فهي منسوجة عام 140 ميلادي تقريباً*، وفق الكربون المشع».

ويشير الآثاري "مقداد شعيب" إلى أن "دورا" اسمها الآرامي و"أوروبوس" الاسم اليوناني المضاف إليها بعد تأسيسها الثاني من قبل "سلوقس نيكاتور" نسبة إلى المدينة التي ولد فيها في "مقدونيا" وهي "أوروبوس"، ويقول: «تدعى الآن "صالحية البوكمال"، وتقع على الحافة اليمنى من نهر "الفرات" إلى الجنوب من "دير الزور"، وكل آثارها موجودة في متحف "دمشق"، وجامعة "يال" الأميركية التي أخذت حقوق التنقيب فيها وأصدرت حولها أكثر من 12 مجلداً تضمنت كل عمليات التنقيب التي أجرتها على مدى سنوات طويلة، وللأسف الشديد لم تترجم هذه المجلدات وبقيت باللغة الإنكليزية».

الباحث الآثاري عمار كمور

يذكر أن، موقع "دورا أوروبوس" يبعد عن "دير الزور" 60كم باتجاه الشرق، حيث أعيد بناؤها من قبل السلوقيين عام 300 ق.م، وسموها "أوروبوس"، ومن ثم ضمها الرومان إلى دولتهم عام 165م وقاموا بتحصينها، قبل أن يحتلها الساسانيون ويدمروها عام 256م.

  • (هامش الخطأ هنا حوالي خمسين سنة).