لم تكن مسيرتها اعتياديةً مع الموسيقا، بل تميَّزت مذ صغر سنِّها بالعزف على آلة "الكمان"، منطلقةً من عائلةٍ محبَّةٍ إلى جانب الموسيقا للعلم أيضاً، وجعلت من نغمات آلتها شريكةً لأفراح الناس، مشكِّلةً ظاهرةً فنِّيةً خاصةً بها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 نشرين الأول 2019؛ مع "جلنار جرجس" المهندسة وعازفة "الكمان" المحترفة، لتعرَّفنا عن ظروف نشأتها ودراستها ودور الموسيقا فيها فقالت: «قد يكون للقدر مشيئة في تحديد مسار حياتي حتى هذه اللحظة، إن كان من ناحية التحصيل العلمي ودراستي للهندسة المدنية التي نلت شهادة البكالوريوس فيها عام 2017 من جامعة "البعث"، سائرة على درب والدي المهندس، بالإضافة لكونه عازفاً محترفاً على آلة العود، والرِّق، وبما أنَّ والدتي هي أيضاً محِبَّة للموسيقا ومدرِّسة لها، جاءت كلُّ تلك العوامل سبباً فيما أنا عليه الآن من حالٍ، وخاصةً مع رفيقتي الدائمة آلة "الكمان"».

أهم ما يميزها هو مثابرتها الدؤوبة على تطوير نفسها موسيقياً من خلال التدرُّب المستمر وبشكلٍ يوميٍ إلى جانب الدراسة الأكاديمية، لديها مخزونٌ وفيرٌ من الموروث الموسيقي الشرقي الذي تحبُّه كثيراً مذ صغرها، جعلها متمكنةً على آلتها في جميع الفرق الموسيقية التي عملت معها، وحتى عملها الجديد كعازفةٍ منفردةٍ في حفلات الأفراح قد برعت به؛ نتيجة تطويرها المستمر لذاتها، وإصرارها على النجاح فيه

وأضافت: «الموسيقا كانت حاضرةً في بيت عائلتي الصغيرة بكلِّ الأوقات، وهذا ما جعل والدي مصِّراً على تعليمنا إياها بأسلوبٍ شبه أكاديمي، والبداية كانت مع آلة "الأورغ"، وكنت حينها في سن الخامسة من عمري، واستمر تعلُّمي عليها مترافقاً مع أصول السلم الموسيقي حتى سن العاشرة، حينها كان توجُّهي بالإضافة لرغبة والدي نحو آلة الكمان، هنا بدأت رحلتي معها بالتعلم على يدي الموسيقي "محمد طيبة" الذي كان صاحب الفضل الأكبر فيما وصلت إليه حالياً، ومع التدرُّب المتواصل والمشاركة في الأنشطة المختلفة وصلت بعد عامين لإحراز الريادة على مستوى القطر في مسابقات الرواد، وهذا ما مكنني لاحقاً من تمثيل "سورية" مع ثلاثةٍ من رفاقي الروّاد في مؤتمر "الأطفال العرب" الذي أقيم في "الأردن" عام 2004. كانت لحظات لن أنساها حيث قدَّمنا معزوفاتنا أمام أهم الشخصيات من أمثال الملكة "نور"، والممثلة العالمية "أنجيلينا جولي" وغيرهم، بعدها استمرت الموسيقا في حياتي كهوايةٍ فقط، لأنَّ التركيز على التحصيل العلمي كان الهاجس الأكبر، وخلال دراستي الجامعية بدأت بالظهور العلني على المسارح من خلال الفرق الموسيقية التي شاركت معها».

من مشاركتها في إحدى الحفلات مع شقيقتها ميس

وعن بدايات هذا الظهور والعزف الاحترافي على آلة "الكمان" تابعت تقول: «بدأت رحلتي ضمن كورال المغنية "ليندا بيطار" حيث كانت لي مشاركات عدَّة في أمسيات غنائية على مسارح عدَّة، اكتسبت فيها خبرة التواجد أمام جمهور المسرح، بعدها انضممت لفرقة "موزاييك" الموسيقية، وشاركت معهم في مهرجاناتٍ موسيقية ذات حضورٍ جماهيريٍ كبيرٍ، وفي مناسباتٍ متعددة، أذكر منها مهرجان "عيش سورية" الذي أقيم في مدينة "اللاذقية"، لكن المشاركة الأبرز لي مع الفرقة كانت ضمن مهرجان "SIBIU" الذي جرى في "رومانيا" سنة 2017، كذلك كان لي حضور مع فرقة "ماندريك" التي يقودها الفنان "ماهر رومية" في بعض الحفلات الموسيقية، وفرقة "أرابيسك" هي الأخرى من الفرق الموسيقية المتميزة في مدينة "حمص" كان لي تواجد معها في حفلٍ هو الأغلى في ذاكرتي، حيث كان مخصَّصاً لتكريم الموسيقار "طاهر مامللي"، ولن أنسى بالطبع مشاركتي مع كورال "جوقة الفرح" صاحب الشهرة العالمية».

وعن ظهورها كعازفةٍ منفردةٍ خلال المناسبات الخاصة وكيفية تعاملها معه قالت: «بعد تخرُّجي من الجامعة عرض عليَّ الصديق "يزن جبور" - وهو من العازفين المميزين على آلة "البزق"- المشاركة معه في حفلات الأفراح، وتقديم وصلات موسيقية تناسب الحدث، لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، حيث استوجب ذلك مني التدرُّبَ على مقطوعاتٍ موسيقيةٍ ذات طابعٍ كلاسيكي مناسبة للحفلات، بالإضافة لاستماعي للجديد مما يفضّله الحضور ويلائم الجو السائد، وهذا استدعى مني تبديل ما يعرف بالدوزان في الموسيقا من القالب الشرقي إلى الغربي، هنا كان داعمي الأكبر والمشرف عليَّ الفنان "صفوان العويل"؛ وهو من العازفين المتمكنين على آلة "الكمان"، وصاحب خبرةٍ واسعةٍ وطويلةٍ من السنوات، حيث قدَّم لي التشجيع اللازم للسير في هذا الطريق الجديد كلِّياً، وأيضاً وجب عليَّ التمرُّن على اختيار طريقة العرض المناسبة والتعامل مع انفعالات الحاضرين.

الموسيقي سليمان مامو قائد فرقة أرابيسك

النجاح الذي حققه ظهوري كعازفةٍ وحيدةٍ بعد عدَّة حفلاتٍ قدَّمتها، فتح لي باب التواجد في أكثر من مناسبةٍ وفي مدنٍ مختلفة، السعادة التي أشارك بإيصالها للناس من خلال عملي هذا، تحمِّلني مسؤوليةً أكبر في كلِّ مناسبةٍ قادمة، والتصفيق الحار لمعزوفاتي يشعرني بالرضا والتشجيع على تقديم الأفضل لهم دوماً، فالعازف الموسيقي على أيَّة آلةٍ همُّه الأوحد والأهم هو الوصول بموسيقاه إلى قلوب المستمعين لها، ويدرك قيمة الأثر الذي يتركه في عقولهم».

"سليمان مامو" عازف "عود" محترف ومؤسس وقائد فرقة "آرابيسك" عنها يقول: «أهم صفةٍ يجب على أيِّ موسيقيٍ التحلي بها إلى جانب موهبته هي الحسُّ العالي تجاه الموسيقا وبها، وهذا بالذات ما تمتلكه "جلنار جرجس"؛ بالإضافة لأدائها الجميل والمميز على آلة "الكمان"، كذلك استيعابها السريع لأيَّة نوتةٍ موسيقيةٍ والتعامل معها بتركيزٍ عالٍ مما يسهِّل العمل بين أعضاء الفرقة، والذي يتطلَّب تناغماً وتركيزاً عاليين، والأهم هو الابتعاد عن الأنانية والغرور، والرغبة بالظهور بشكلٍ منفرد، هذا كلُّه جعل منها إحدى العازفات المميزات أثناء تواجدها في صفوف الفرقة. لديها رغبةً دائمة بتطوير ذاتها ورفع مستواها المهني، وما تؤديه مؤخراً من تجربةٍ جديدةٍ على صعيد العزف المنفرد ضروريٌ لها من أجل اكتساب الخبرة الأوسع لتتمكن من إعطاء الأفضل للجمهور دوماً».

عازف البزق يزن جبور

عازف البزق "يزن جبور" المقيم في "اللاذقية" قال في شهادته: «شاهدتها لأول مرةٍ خلال حفلٍ موسيقيٍ أقيم في المركز الثقافي بمدينة "محردة"، حيث كانت مشاركةً مع مجموعة من العازفين في أداء إحدى مسرحيات "فيروز" الغنائية، خصوصية أدائها ومهارتها أثارا انتباهي، والحاجة لعازفين متميزين على آلة "الكمان" جعلتني أتواصل معها بعد فترة لا بأس بها، لنبدأ العمل سويةً في تقديم وصلاتٍ موسيقيةٍ في حفلات الأفراح كشكلٍ جديدٍ على الجمهور الحاضر فيها. الملفت فيها هو مقدرتها العالية على تقديم أيَّةِ مقطوعةٍ موسيقيةٍ بالشكل المميز لها، إضافةً لجرعة الإحساس العالية التي توصلها للمتلقي؛ من خلال إحساسها الذاتي بالموسيقا أولاً وبطرق التعبير الجسدي إن كان من خلال ابتسامتها الدائمة، وأناقة الظهور على المسرح، وهذا ما جعلها تنال إعجاب الحاضرين وتفاعلهم معها فيما تقدِّمه من موسيقا وأداءٍ تعبيري مرافق».

شقيقتها "ميس جرجس" عازفة على آلة "القانون"، ومغنِّية، عنها قالت: «أهم ما يميزها هو مثابرتها الدؤوبة على تطوير نفسها موسيقياً من خلال التدرُّب المستمر وبشكلٍ يوميٍ إلى جانب الدراسة الأكاديمية، لديها مخزونٌ وفيرٌ من الموروث الموسيقي الشرقي الذي تحبُّه كثيراً مذ صغرها، جعلها متمكنةً على آلتها في جميع الفرق الموسيقية التي عملت معها، وحتى عملها الجديد كعازفةٍ منفردةٍ في حفلات الأفراح قد برعت به؛ نتيجة تطويرها المستمر لذاتها، وإصرارها على النجاح فيه».

يذكر أنَّ "جلنار جرجس" من مواليد قرية "البيضة" التابعة لريف محافظة "حماه" عام 1992، ولديها أخٌ وأختٌ وهما موسيقيان ومهندسان أيضاً.