اسمه "علي بن عطية بن الحسن بن محمد الحدّاد الهيتي الحموي الشافعي الحسيني"، وأستاذ الأولياء العارفين علم من أعلام القرن العاشر الهجري، كان واحداً ممن تحدث عنه الناس وشغلهم سنين طويلة بعد مماته فهو شخصية فذة ومجددة...

ربطت العلم بالعمل، جددت أمر الدين، ويعرف لدى الجميع بالشيخ "علوان"، وذريته في مدينة "حماة" تسمى عائلة العلواني.

من عباد الله إذا قال للسراج اتقد من غير زيت ولا دهن يتقد

ولد الشيخ "علوان" في مدينة "حماة" في محلة "باب الجسر" تحت ظل سلطة المماليك /873 هـ الموافق 1468/م وامتدت حياته حتى عام /936هـ الموافق 1530 م/ إبان الحكم العثماني وتحت حكم السلطان "سليم الأول"، وقد نزح جده الثالث إلى "حماة" من "هيت" في العراق بعد أن اجتاح المغول حاضرة الخلافة الإسلامية طلباً للأمن والاستقرار، حيث يؤكد "النجم الغزي" و"ابن الحنبل" هذا الانتقال للكثير من العائلات، وله ذرية كثيرة انتشرت في مدينة "حماة" المكان الرئيسي لتواجد العائلة ومحافظات أخرى في سورية ومناطق متعددة من الوطن العربي والعالم حيث عمل أبناؤه على نشر علوم الدين في المناطق المختلفة ومنهم علماء فضلاء وأحفاد عملوا على نشر الدين في بقاع مختلفة سوف نذكرهم لاحقاً.

زاوية الشيخ علوان

ولعلّ أفضل المراجع التي حصلنا عليها أثناء بحثنا في حياة "الشيخ علوان" هي دراسة قدمتها الباحثة "نشوة العلواني" ونشرتها في العدد /26/ من مجلة البصائر لعام /1994/ وهي مجلة تصدر من فرنسا، حيث استعرضت الباحثة وهي حفيدته، حياة الشيخ وركزت على الفكر الإصلاحي والاجتماعي ورصد حالة التصوف في القرن العاشر الهجري.

كانت ولادة "علوان" في محلة "باب الجسر" الذي كان يسمى سابقاً "باب الهوى" حيث نشأ وظل فيها حتى صار واعظاً، مصلحاً ومحدثاً، ولقي معاداة أهل الجسر لأنه تصدى لأخطائهم وفسادهم، ثم أصبح في أحد الأيام فرأى مسجده مهدماً، فرحل إلى محلة "العليليات" وقضى فيها بقية حياته. ويظهر أن أهل باب الجسر قد تجاوزوا الحدّ في أذاهم للشيخ، وأغرى سفهاء الحي صبيانهم به، فاتهموه بالجنون فقال فيهم أبياتاً من الشعر منها:

كرامة للشيخ علوان نقشت على عمود في الجامع الكبير

«يا فارج الهم فرج ما بليت به/ مالي سواك لها الهم فراج

إلهي أدعوك بالأبدال كن وزراً/ وكهف حفظ لهذا الخائف اللاجي».

السيد أحمد العلواني

وقد أصاب أهل "باب الجسر" فيضان غطى كل منطقهم، وأهل الجسر إلى الآن يرجعون أي مصيبة إليه فيقولون: «إنها دعوة الشيخ "علوان" أصابتنا».

إلا أن رجاحة عقل "الشيخ علوان" وقدره سرعان ما ظهر بين أهل المدينة، حتى أصبح ملجأ القوم ومعقد رجائهم، وقد نقش على أحد الأعمدة في الجامع الكبير اسم "الشيخ علوان" ما جاء فيه الشيخ الصالح الزاهد المبارك "علاء الدين الشهير بعلوان"».

وقد نقل "علوان" في أحد كتبه (تحفة الحبيب) أن رجلاً شكى إليه أنه لا يرزق ولداً، فدعا له الشيخ فرزق عدداً من الذكور.

وأصبح له بعد ذلك عدد كبير من المريدين يعلمهم طريق السلوك، ويظهر تصوفه في إحدى الروايات حيث انطفئ السراج عندما فرغ من الزيت فقال: «من عباد الله إذا قال للسراج اتقد من غير زيت ولا دهن يتقد»، فاتقد السراج ولم ينطفئ حتى صباح اليوم التالي حيث أطفأه الشيخ بنفسه.

اتسم عصر الشيخ "علوان" بعدم الاستقرار السياسي والاضطراب الاجتماعي فقد شهد آخر أيام دولة المماليك وأوائل أيام الاحتلال العثماني وتعد هذه الفترة من أحلك الفترات التي مرت على العالم العربي الإسلامي حيث شهدت أوضاعاً اقتصادية واجتماعية سيئة فقد عم الغلاء وانحدرت الأوضاع الاجتماعية إلى أحط الدرجات فظهر الفساد الاجتماعي والإداري وابتعد الناس عن الدين وارتكبت المخالفات بأنواعها المختلفة وأصبح القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار. وكانت هذه الفترة بحاجة إلى رجل مؤمن قوي الإيمان متسلح بالعلم والمعرفة والشجاعة حتى يستطيع أن يجلو الظلمة التي صبغت كل شيء بالقتامة فسخر الله لها هذا الإنسان الذي جمع صفات العالم والمصلح والمجدد باعتراف المؤرخين أنفسهم.

وتنقسم حياة الشيخ "علوان" الفكرية إلى:

1-الفترة التي قضاها في الدراسة والتعلم عن الشيوخ والعلماء ورحلاته التي قام بها طلبا للعلم، حاله في ذلك حال العلماء الذين يسافرون لتلقي العلم والحديث، أو للحصول على إجازة من شيخ قد اشتهر أمره وفاض ذكره، وقد انصب اهتمام الشيخ "علوان" على تعلم العلوم الدينية فقام بحفظ القرآن الكريم وتعلم الحديث الشريف والرواية وأسسها وقواعدها والأصول والفقه وغيرها من العلوم فقد سمع الشيخ "علوان" عن الشيخ "البازلي" كثيرا من البخاري وقرأ عليه أيضا من بعض كتاب "مسلم" كما قرأ الحديث عن "زين الدين بن الشماع" وأخذ "ابن الشماع" طريقته في التصوف وكذلك أخذ من "عثمان بن محمد الديمي" المصري القاهري الأزهري الشافعي وكان شيخ الحديث في زمانه و"ابن الناسخ الطرابلسي" قاضي المالكية في الشام والقاضي "القطب الخيضري" العالم بالتراجم والأنساب والحديث و"الشمس السلام" فقيه "حلب" وقرأ على "محمود بن حسن البزوري" الحموي ثم الدمشقي الشافعي بعض البخاري ومن مشايخه أيضا "عائشة بنت عبد الهادي" وهي حنبلية المذهب كانت في منطقة "الصالحية" في "دمشق".

وكان الولي "محمد بن عراق" من أصحاب الشيخ "علوان" وكما زاره المحدث الشهير "ابن الشماع" وأدخله الشيخ "علوان" خلوته واجتمع بالمحدث "برهان الدين الناجي" و"ابن العصباتي".

2- أما الفترة الثانية فهي فترة التربية الروحية والسلوكية ونقصد بها السلوك الصوفي فقد تعرف فيها الشيخ "علوان" على الشيخ "علي بن ميمون المغربي الصوفي الشاذلي الحسيني" وقد أثرت في منهج حياته وسلوكه الصوفي القويم قال "الشيخ علي بن ميمون" عن الشيخ "علوان": «إنما أنا رجل علمت بوجود كنز في بلد فأردت أن يتم الانتفاع به فجئت إليه فاستخرجت ما فيه ثم دللت الناس عليه ومضيت في سبيلي». وبعد فترة توجه الشيخ "علوان" إلى الأناضول لزيارة شيخه "علي بن ميمون" فأوكل إليه بتربية الفقراء.

طريقته في التصوف

كانت طريقة الشيخ "علوان" في التصوف من الطرق التي اهتمت بالعمل وهي طريقة تربوية صافية لأن مؤسسها ومريديه سخروا ثقافتهم الواسعة ومعرفتهم العميقة بأسرار الشريعة وأمور الحقيقة في مجالسهم العلمية وفي تربيتهم لأصحابهم وتدعى الطريقة "الميمونية"، وتسمى أيضا بالطريقة "الخواطرية" نسبة إلى "علي بن ميمون الغماري المغربي" /917/ هـ، وقد تميزت بطرق خاصة عن سائر الطرق الصوفية حيث تمسكت بالسنة النبوية الشريفة، إضافة إلى العناية بالعلم والتعلم، وقد ألف الشيخ "علوان" كتبا كثيرة في هذا المضمار وأشعارا وله مؤلفات كثيرة في ذلك.

وقد تميز الشيخ "علوان" في طريقة شيخه "علي بن ميمون" فقد أنكر الشيخ "علوان" من المتصوفة بعض الأمور مثل التقشف طلبا للكرامة لإجابة الدعاء، والطيران في الهواء، والمشي على الماء ويرى ذلك من تلبيس الشيطان.

وقد نقش على أحد الأعمدة في الجامع الكبير في "حماة" اسم الشيخ "علوان" منعوتا بالشيخ الصالح الزاهد المبارك "علاء الدين" الشهير بعلوان وقد ذكر في كتابه (در الحبب) فيشهد أن الشيخ "علوان" (متفرد بما هو عليه من الكمال صحيح الدراية، محقق حافظ، راشد، مرشد... مجاب الدعوة) وذكره صاحب "شذرات الذهب" بالشافعي الصوفي الشاذلي الإمام الفهامة العلامة شيخ الفقهاء والأصوليين وأستاذ الأولياء العارفين.

وقد كانت له كرامات معروفة وقد ذكرته كثير من كتب التاريخ الإسلامي ومن الذين أشادوا بفضله من رجالات حماة "نوري باشا الكيلاني" في قصيدة "القسطنطينية" التي نظمها متشوقا إلى "حماة".

موقفه من المرأة

كان للشيخ "علوان" موقف مناهض لتعسف الرجل بالمرأة، وهذا الموقف يعد تقدمياً في عصره، ذلك أن الشيخ دافع عن المرأة وانتصف لها من الرجل متمثلاً أخلاقية الدين فنهى عن إرهاقها وإلحاق الضرر بها، أو شتمها والنيل من كرامتها، وكان يعد الرجل عاصياً إذا أكره الزوجة على خدمته، ويرى أن جميع ما تقدمه المرأة لرجلها إنما هو محض إحسانها.

موقع eHama زار السيد "أحمد العلواني" أحد أحفاد الشيخ "علوان" والذي يحتفظ بإرثه ولديه يوجد مفتاح الزاوية العلوانية، حيث مقام الشيخ "علوان" بتاريخ 5/11/2008 والذي حدثنا عن مؤلفاته قائلاً: «لم يذكر أحد من المؤرخين مؤلفات الشيخ "علوان"، وإنما وردت متفرقة في كتب التراجم، بلغ المعروف منها أكثر من خمسين كتاباً مخطوطاً تشتمل مباحث مختلفة في العقيدة والفقه والسيرة، ومعظمها ما كان في التصوف والفضائل والآداب الإسلامية، وطبع البعض منها والباقي منتشر في المكتبات العربية والأجنبية تنتظر التحقيق، وقد حقق فيها البعض من الباحثين المختصين وأشاروا إلى أهمية الشيخ "علوان" وهي تنتظر من يخرجها إلى الحياة ليستفيد منها الناس».

ومن مؤلفات الشيخ "علوان" نذكر ما يلي:

-الجوهر المحبوك في نظم السلوك.

  • مجلي الحزن عن المحزون في مناقب ابن ميمون.
  • -منهاج العارفين.

    -بديع المعاني في شرح عقيدة الشيباني.

    -رسالة في عالم التوحيد.

    -مصباح الهداية ومفتاح الولاية.