فضاء مدينة "حماة" في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين هو فضاء المجتمع والتاريخ الذي عاشته بلاد الشام في أواخر العهد العثماني ويشكل اسم "أحمد الصابوني" علاقة بارزة إن لم تكن الأبرز في تاريخ مدينة "حماة" ضمن هذا الفضاء.

فهو العالم الفقيه والمصلح الاجتماعي والسياسي والعالم في اللغة والبيان والدارس المبحر في عباب المنطق والأخلاق، إضافة إلى كونه شاعراً وباحثاً تاريخياً فهو أول من كتب تاريخ "حماة"، وقد اعُتمد كتابه "تاريخ حماة" من قبل كلّ المؤرّخين كمرجع لا سبيل عنه في توثيق تاريخ المدينة.

لقد كان "الصابوني" من أركان النهضة الحديثة ومن دعاة الإصلاح الديني والقومي والاجتماعي في مطلع القرن العشرين ومن الإنصاف للتاريخ أن نضعه في زمرة كبار العلماء المصلحين أمثال "محمد عبده" و"الكواكبي" و"رشيد رضا"

ولد الشيخ العالم "أحمد بن الحاج إبراهيم القاوقجي" المشهور "الصابوني" عام /1875/ م في حي "باب الجسر" و توفي عام /1916/ م.

كان والده عطاراً في سوق المنصورية الذي بات يعرف اليوم "الطويل" وقد عني بتربية ابنه "أحمد" فأرسله لتعلم القرآن على يد الشيخ "علي الدرويش" في حيّ "بين الحيرين" ومبادئ الكتابة على يد الشيخ "أحمد الحداد" في حيّ "الحوارنة"، ثم التفت إلى العمل وعمل اسكافياً وحذق في المهنة حتى قارب سن الثامنة عشر من عمره ليلتحق بطلاب العلم في حلقة الشيخ "محمد علي المراد" الذي درّسه اللغة والفقه مع آخرين كان لهم اسم لامع في فضاء المدينة كالشيخ "سعيد الجابي" والشيخ "حسن الرزق" العالم والمصلح الاجتماعي وصاحب مجلة "الإنسانية" في "حماة" عام /1910/.

وحين قدم إلى "حماة" الشيخ "سليم النجاري" ذائع الصيت في "دمشق" وأحد رجالاتها المستنيرين، اتصل به "الصابوني" ورفاقه وكثرت زيارة "الصابوني" إلى "دمشق" فتعرّف على قادة الرأي فيها وأدبائها وعلمائها لينغمس في لجنة الإصلاح ليُخرج البلاد السورية هو ومن معه من الطبقة المستنيرة المثقفة من الجهل والأميّة والعبودية الاجتماعية والسياسية فتعرّف على الدكتور "صالح قنباز" والدكتور "توفيق الشيشكلي" في "حماة" و"عبد الحميد الزهراوي" في "حمص" وغيرهم من أعلام النهضة واتصل بالصحافة في "بيروت ودمشق" لينشر مقالاته وأفكاره في شتّى وجوه الإصلاح والدين والسياسة والاجتماع ومحاربة البدع.

ظهر اسم "الصابوني" ساطعاً رغم مقاومة الشيوخ الجامدين له رغم اتفاقهم مع الاتحاديين في "تركيا" ومحاولتهم إسكاته بنشر الأكاذيب حوله فعيّن عضواً في لجنة معارف اللواء وعضواً في لجنة الأوقاف ثم مدرّساً عاماً في "حماة".

وبعد إعلان الدستور أصدر جريدته "لسان الشرق" بعد إعلان الدستور العثماني عام /1908/ وهي أول جريدة تصدر في "حماة" فكانت مسرحاً لشتى المثقفين وقادة الإصلاح في "حماة" وسورية لطرح آرائهم ومقالاتهم في سبيل الحرية والإصلاح.

وقد مدح هذه الجريدة وما تصبو إليه الشاعر الحمصي "خالد الفصيح" بقوله:

بنو الشرق فلتهنوا بخير صحيفة/ بدت فرأيناها لساناً إلى الشرق/ تجول بأرجاء الحمى كل ليلةٍ/ وفي طيّها تجلى الحقائق للخلق.

ساهم "الصابوني" في تنوير الشباب الحموي خاصة والسوري عامّة من خلال مقالاته وكتبه وشعره اللاذع في هدم مراميك الجهل والبدع.

كتب "الصابوني" الشعر، وفي شعر الصابوني نزعة لاستنهاض الهمم والحاجات الوجدانية وعاطفة الخوف على وطنه.

يقول في إحدى قصائده:

بلاد عليها مهجتي تنفطر/ ودمع الأسى في مقلتي يتحدّر/ بلاد عليها الجهل مدّ رواقه/ فباتت بليل الفقر تمشي وتعثر.

يقول عنه الأستاذ المربي المرحوم "عثمان الحوراني":

«لقد كان "الصابوني" من أركان النهضة الحديثة ومن دعاة الإصلاح الديني والقومي والاجتماعي في مطلع القرن العشرين ومن الإنصاف للتاريخ أن نضعه في زمرة كبار العلماء المصلحين أمثال "محمد عبده" و"الكواكبي" و"رشيد رضا"».

و يقول عنه الأستاذ المرحوم "أحمد سامي السرّاج":

«لقد استوفى الصابوني من فلسفة الحياة كراهية الركود وقد تشبّع بالعلم والأدب والقرآن والشعر والمعرفة الواسعة وعلى أكتاف هؤلاء تنهض الأمم ولا سيما عندما كانت البلاد السورية ترزح تحت نير شر جيل من الإمبراطورية العثمانية المتداعية والمحتضرة».

كما يقول عنه الأستاذ المرحوم "عبد الرحمن خليل":

«لقد كانت هذه الدولة أقرب إلى الموت وكم لقي الأحرار في تلك الحقبة من الزمن من أذى الأتراك فقد طورد "الصابوني" سنة 1321هجرية بسبب مقالة نشرها في جريدة الإقبال البيروتية مما أدى إلى تعطيل الجريدة واختفائه زمناً متوارياً عن أنظار الأتراك».

عانى الصابوني كثيراً من جهل المجتمع والأمة ورغم ذلك كان لا يتوارى عن الافصاح عن رأيه بطلاقة وعنفوان ليكون أحد قادة الرأي والعلم في مدينته والحواضر السورية.

بقي أن نعرف أن حياة "الصابوني" لم تدم طويلاً فعاش أربعين سنة ونيف وتوفي يوم الجمعة العاشر من شهر صفر 1334 هـ الموافق لعام 1916 م، على أثر حمى انتابته ولم تمهله أكثر من أربعة أيام حيث وارته المدينة بأكملها التراب في مقبرة "شرفة باب الجسر" في "حماة".

للعالم الصابوني مؤلفات كثيرة منها:

*تاريخ حماة.

*رسالة في علم المنطق.

*رسالة في علم البيان.

*ماضي الشرق وحاضره.

*أحسن الأسباب في شرح قواعد الإعراب.

*ديوان شعر.

فضلاً عن كتب ومقالات كثيرة.

المراجع:

*تاريخ حماة-أحمد الصابوني- الطبعة الثانية-المطبعة الأهلية بحماة.

*حماة تاريخ وحضارة-راشد الكيلاني- مطبعة اليمامة- حمص-2002.