تتميز الحياة الاجتماعية في قرى سهل الغاب بالكثير من المزايا، بعضها ناتج عن صغر الحيازات الزراعية، وبعضها الآخر يعود إلى صفات نفسية منحتها الطبيعة، فترى المحتاج إلى أي شيء هو الأغنى به.

المزراع "محمد الحسن" يقول في هذا الشأن مضيفاً إلى كلام "الموعي": «قد يصل الأمر بأحدهم أن يعطي جزءاً من أرضه لجاره أو قريبه مجاناً ليزرعها لمدة عام أو أكثر، ويستفيد من خيراتها إن كان لا يملك أرضاً، وذلك إحساساً منه بمسؤوليته الاجتماعية والإنسانية تجاه الآخر، ويندرج هذا السلوك تحت عنوان -ما يعرف اصطلاحاً- التكافل الاجتماعي، وهو قيمة تشترك فيها معظم المجتمعات الريفية دونما إعلان عن اسمها، أو وضع أسس وقوانين لها، لكن نسبتها تختلف بين مجتمع وآخر تبعاً لمستوى الإنتاج وطبيعته فيها».

قد يصل الأمر بأحدهم أن يعطي جزءاً من أرضه لجاره أو قريبه مجاناً ليزرعها لمدة عام أو أكثر، ويستفيد من خيراتها إن كان لا يملك أرضاً، وذلك إحساساً منه بمسؤوليته الاجتماعية والإنسانية تجاه الآخر، ويندرج هذا السلوك تحت عنوان -ما يعرف اصطلاحاً- التكافل الاجتماعي، وهو قيمة تشترك فيها معظم المجتمعات الريفية دونما إعلان عن اسمها، أو وضع أسس وقوانين لها، لكن نسبتها تختلف بين مجتمع وآخر تبعاً لمستوى الإنتاج وطبيعته فيها

مشرف لجان التنمية في قرى سهل الغاب؛ "أكرم العفيف"، التقته مدونة وطن أيضاً للاستفاضة في الحديث عن هذا الشأن، فقال تعقيباً: «لا أستطيع -تبعاً لعملي التنموي- أن أفصل بين التنمية وما نتحدث عنه، وحين أرى الموضوع من تلك الزاوية، أذهب في الحال إلى فكرة تعزيز ثقافة الإنتاج، وهي فكرة تنموية بحتة، فالمنتج كريم، لا لسبب إلا لأنه منتج، حتى إن كان فقيراً، يشعر بأن من واجبه أن يذكر جاره ببضعة كيلوغرامات من إنتاج أرضه إن كان جاره لا يملك أرضاً، ولكي ندرك المعنى الحقيقي للموضوع؛ لنفترض أن جارك طرق بابك صباحاً وأعطاك 50 ليرة سورية دونما سبب، فإنك حتماً ستعدّ التصرف إهانة لك، وقد يصل بك الأمر إلى نزاع معه، لأن كرامتك لا تسمح لك بقبول صدقة مصدرها الشفقة بهذا الأسلوب.

أكرم العفيف في حوار مع الفريق الاستكشافي

لكن إن أعطاك بيضتين من قنّ الدجاج الخاص به، "وثمنهما فعلياً اليوم 50 ليرة سورية"، قائلاً إنه أحب أن يشاركك إنتاجه اليومي لتستخدمه في إعداد إفطارك، لأن منزلك مدني "طابق" لا يسمح لك بتربية الدجاج مثلاً؛ في هذه الحالة ستشكره وتقدر عالياً ما قام به، وستسعى لتقديم الخدمات التي تتقنها له حين تستدعي الحاجة، هذا هو الفارق بين عطاء المنتج وعطاء المتصدِّق.

ويوجد في المجتمع الريفي قاعدة موحدة تقول: "إن الكرْم أكرم من أصحابه"، لذا نجد تطبيق هذه القاعدة على الأرض يتمثل في توزيع جزء من الإنتاج على من لا يملك مصدره.

محمد الحسن

اجتماعياً؛ ينعكس هذا الموضوع على سلم القيم العام، لأن إعادة المبادرة للإنتاج هي إعادة المبادرة للقيم -هكذا أراها- فالقاعدة أعلاه تحرض على الكرم، وتكرس الإحساس بالآخر، وهذا أمر متبادل، ولا فضل فيه لأحد على الآخر، ولا أدعي أن مجتمع الريف مثالي أخلاقياً، لكنه على الأقل يسبق المجتمع الاستهلاكي بأشواط، وما يحدث فيه عامةً من سلوكيات مشابهة يعدّ لبِنة في صرح المحبة والإخاء والحياة الاجتماعية السليمة».

شفيق الموعي