تمكن أهالي قرية "رشة" الأثرية من توظيف البيئة المحيطة بمكنوناتها الجغرافية والطبيعية لخدمتهم، وتجلى هذا بعملية جمع مياه الأمطار وتخزينها وفق أسس وقواعد ورثوها من الأجداد، وأطلقوا عليها عملية "حصاد الأمطار".

الأهداف من هذه العملية هي تلبية الحاجات اليومية الأساسية، الزراعية منها والخدمية المنزلية، فالزراعية شملت أيضاً عملية ما بعد رعي المواشي والعودة بها إلى حظائرها، وهنا قال الموظف "أحمد علوش" من أهالي قرية "رشة" في منطقة "سهل الغاب" لفريق مدونة وطن "eSyria" الاستكشافي خلال مهمته الاستكشافية: «من المهم جداً توافر المياه للمواشي التي اعتمد أهالي القرية وأجدادنا على تربيتها، فبعد العودة من عملية الرعي، تحتاج المواشي إلى المياه، خاصة عندما تكون هذه العملية بعيدة عن "رامة رشة" التي استخدمت أيضاً لسقاية المواشي، لذلك خصصت لها بعض الآبار ذات المياه التجميعية من مياه الأمطار ضمن القرية للشرب، كذلك استخدمت ذات الآبار لري المحاصيل الزراعية القريبة منها».

من المهم جداً توافر المياه للمواشي التي اعتمد أهالي القرية وأجدادنا على تربيتها، فبعد العودة من عملية الرعي، تحتاج المواشي إلى المياه، خاصة عندما تكون هذه العملية بعيدة عن "رامة رشة" التي استخدمت أيضاً لسقاية المواشي، لذلك خصصت لها بعض الآبار ذات المياه التجميعية من مياه الأمطار ضمن القرية للشرب، كذلك استخدمت ذات الآبار لري المحاصيل الزراعية القريبة منها

وفي لقاء مع مشرف لجان التنمية في القرى الأشد فقراً في "سهل الغاب" التنموي "أكرم العفيف" قال: «الآبار "الكفرية" وفقاً للمعنى؛ مفردها كفرة تعني المغطاة، وهي بالعموم الآبار المنحوتة بالصخر أو المبنية منه على حد سواء، هي كما وعاء "الحوجلة" المتسعة في قاعدتها والمتضيقة تدريجياً صعوداً نحو الرقبة والرأس أو الأعلى، وأهمية هذا التضيق حتى يمكن تغطيته والمحافظة على نظافة محتواه.

فتحة البئر من الأعلى

والآبار بالعموم في موقع "رشة" الأثري هي آبار "كفرية" مغطاة بالكامل، ولكن بطريقة وأسلوب مميز يختلف عن بقية الآبار الكفرية المعروفة في مختلف المواقع الأثرية، وذلك من حيث طريقة بناء الغطاء، الذي هو عبارة عن سقف مبني من الحجارة المشذبة بطريقة فنية متقنة، وهي ذاتها طريقة بناء العقد الحجري.

كما أن جسم هذه الآبار مبني بطريقة فنية هندسية متقنة من الحجارة المجموعة من الطبيعة البرية المحيطة، وهذه الحجارة شذب كل منها بطريقة تتناسب ومكانه في الجسم العام للبئر، الذي قد يصل ارتفاعها إلى خمسة عشر متراً، وعرضها أو نصف قطرها -لأن شكلها أسطواني- نحو ثلاثة أمتار».

بئر مهدمة سابقاً وهي في طور إعادة الترميم

وفي لقاء مع المدرس "شفيق الموعي" ابن هذه القرية الأثرية، قال: «جميع الآبار الكثيرة بالعموم الموجودة في موقع "رشة" الأثري التي سكناها لعقود طويلة، مدفونة في الأرض وتحت مستوى سطحها تماماً، لأنها تعد بعملية تجميعها لمياه الأمطار كعملية الحصاد في الوقت والزمان والمكان المناسبين.

فتجميع مياه الأمطار يكون في أشهر وأوقات معينة من السنة، وهي في الأغلب ما بعد شهر كانون الثاني، حيث تكون الأجواء والمناخ العام قد نظفته مياه الأمطار جيداً، وهذا لمنع تعفن المياه ضمن الآبار، وحينها يقال عنها إنها صالحة للتخزين».

المدرس شفيق الموعي في المنتصف وإلى يمينه التنموي أكرم العفيف في حديث مع الفريق الاستكشافي

ويتابع مدرس اللغة العربية "الموعي" المطَّلع والمتابع لتاريخ موقع "رشة" والموثق له عبر قصائد شعرية من نظمه، فيقول: «قسمت الآبار في قرية "رشة" إلى قسمين: آبار داخل القرية وهي مخصصة لسقاية المواشي والحاجات الزراعية، وتجمع مياهها من داخل مواقع القرية المتعددة. وآبار خارج القرية وضمن محيطها القريب، مخصصة للمنزل بمختلف متطلباته، ومن أهمها مياه الشرب، وتجمع مياهها من السيول المائية السائرة على الصخور وعبرها، وهذه العملية بمنزلة الفلترة للمياه، وقد استخدم الدلو لرفع المياه من الآبار واستخدامها».

المدرس "شادي شلهوم" قال: «في القرية نحو 200 بئر، أي بمعدل بئر لكل منزل؛ وهو ما يعني أن هذه الآبار كانت حاجة ماسة لاستمرارية الحياة بطقوسها المختلفة، وهو الأمر الذي تحسس له أهالي القرية المغادرين لها منذ عدة عقود، فمع بداية العودة إليها من قبل بعضهم بدؤوا تجهيز الآبار المتوافرة وإعادة الحياة إليها من خلال تنظيفها وإعادة ترميمها، وتجهيز القنوات المخصصة لها لملئها بمياه الأمطار، فأغلب من يحاولون العودة إلى القرية الأثرية التي هي من أملاكهم الخاصة وفق سندات تمليك رسمية، بدؤوا استعمال الآبار بشكلها النظامي وفق نظام عملها القديم، وإعادة تنظيف القنوات الواصلة إليها بغية جر مياه الأمطار إليها وتجميعها فيها».