العمل بالنسبة للمدرّس "صهيب الأسود" وسيلة للتغيير الإيجابي والتعبير عن ثقافة وفكر الفرد، ولهذا دأب منذ بداياته على ترسيخ ثقافة التطوع والتعاون، متطوعاً بمنظمات أهلية ومدارس تعليمية، متبعاً أسلوب التعلّم النشط واستراتيجيات حديثة، فاستحق جائزة "أفضل معلّم في مصر" لغير المصريين.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 14 كانون الأول 2018، مع المعلّم "صهيب الأسود" ليحدثنا عن بداياته، فقال: «نشأت ضمن عائلة متوسطة، والداي مدرّسان، وكان لهما الفضل الأكبر في تدريسي بالمراحل الأساسية، فهما قدوتي ومنحاني بذور الحب لمهنة التعليم، في الحقيقة لم أكن مميزاً في المواد النظرية التي طالما كنت أحاول عبثاً استيعابها، بعكس الرياضيات والمواد الأخرى التي تفوقت بها؛ وهو ما أتاح لي المشاركة بفاعلية في الدروس. اكتسبت مهاراتي الحقيقية على يد مدرّسي القدير "عبد الكافي الرحال" وبفضله أحببت الرياضيات، واتبعت أسلوبه وبقيت محتفظاً بكل ما كتبه لنا حتى بعد تخرّجي في الجامعة».

التعليم ليس مجرد مهنة، هو إعداد جيل، وإعمار وطن. وأقول إن العلم من دون إنسانية لا معنى له؛ فعندما يزور المعلم تلميذه المريض ليشرح له ما فاته من دروس، أو يكوّن مجموعات تقوية مجانية للطلبة ممن لديهم ظروف منعتهم من الحضور، عندها سنكون قدوة لهم

وعن مسيرته الجامعية التي امتهن التدريس خلالها، قال: «التحقت بقسم الرياضيات في جامعة "البعث"، ولم أكن من الملتزمين بالدوام لوجود مشكلة في السمع؛ وهو ما أعطاني الوقت للعمل في مجال التعليم، وخلال مسيرتي الجامعية كنت ألمس مهاراتي في التعليم، فالعديد من زملائي الطلبة الجامعيين وغيرهم كانوا يلجؤون إليّ لمساعدتهم في فهم مادة الرياضيات، وفي السنة الرابعة أصبحت أدرّس في ثلاث مدارس، وكان ذلك إنجازاً كبيراً لطالب ومدرّس حديث التخرّج. عدت إلى الجامعة من جديد عام 2012 لدراسة دبلوم التأهيل التربوي في كلية التربية، ولم أكمل بسبب ظروف السفر إلى "مصر" ليبدأ مشوار جديد لي مع التدريس».

من مشاركاته بإحدى المنظمات الإنسانية

لأن التعليم رسالة وشغف استطاع أن ينشر فكره في مجال التعليم بأكثر من طريقة، وعن ذلك قال: «بدأت تطوير ذاتي عبر شبكة الإنترنت عام 2009، كما كنت أنشر في معهد التعليم السوري، وبدأ اسمي يُعرف بين مُدرّسي "سورية" المميزين؛ وهو ما أتاح لي التعرّف إلى موجهي مادة الرياضيات الذين وجهوا لي دعوات رسمية للقائهم على الرغم من حداثة تخرّجي؛ وهذا زادني ثقة بنفسي ودفعني إلى الأمام. بعد سفري عام 2013 كنت أسمع دائماً عبارات مثل: "ما سرّ اهتمامك بالمنهاج السوري للرياضيات رغم سفرك"؟ كنت أجيب أن لديّ رسالة في التعليم وأودّ إيصالها إلى جميع الزملاء والطلبة في "سورية"، وهي فكرة التطوع والتعاون؛ وصل عددنا في مجموعة مدرّسي الرياضيات السورية على "الفيسيوك" إلى 45000 مشترك من المهتمين بالتعليم، وكان التفاعل على أشده في ظل تغير المناهج ووجود زملاء حديثي التخرّج، وعلى التوازي بدأت مسيرتي التعليمية في "مصر"، فاخترت العمل التطوعي والعمل مع المنظمات الإنسانية. بدأت إعطاء الدروس المجانية لأكثر من سنتين كمتطوع، وللكثير من الجنسيات؛ كتدريس في المدارس السورية والسودانية والأريترية والليبية، مستخدماً الوسائل التكنولوجية المتاحة في التعليم، ونقلت خبرتي إلى زملائي، وقمت بإدخال أسلوب اللعب في التعليم كحفظ جدول الضرب مستفيداً من فكرة برنامج "من سيربح المليون"، وهذا ما جعل الأطفال متحمسين دائماً لدروسي، ثم قمت بتأسيس مركز تعليمي مخصص للطلبة السوريين "الأمل التعليمي"، ومنه انطلقت مبادراتي التعليمية سواء على وسائل التواصل أو من خلال الأنشطة الموجهة لإعداد جيل مثقف واعٍ متوازن، فانتقلت من متطوع في التدريس إلى مسؤول عن التعليم، حيث قمت بإدارة العديد من المبادرات التعليمية والمراكز التعليمية، وفي النهاية نجحت بنشر فكر التطوع ووصلت إلى هدفي الأساسي، وهو مجانية التعليم على الرغم من كل الظروف لأنه من أهم حقوق الطفل».

ولدى سؤالنا عن مقومات المعلم الناجح وأهمية أساليب التعليم، أجاب: «المدرّس الناجح لا يعتمد أسلوب المحاضرة والتعليم التقليدي، فاستخدام وسائل التعلّم النشط واستراتيجيات التعلّم الحديثة يجعل الطالب محور العملية التعليمية القائمة على إشراكه في عملية التعلّم، وهي الطريق إلى الإبداع، قمت باستخدام أسلوب التعلّم بالأقران الذي يجعل من الطالب معلّماً لزميله، وذلك وفق خطة مصمّمة ضمن وقت معين، وكثيراً ما أفضّل استخدام أسلوب تبادل الأدوار بطريقة التنمية البشرية، فعندما نطلب من الطالب أن يقوم بتحضير شرح فقرة معينة لزملائه، فهذا ينمّي مهاراته ويحوّله إلى معلّم ومدرّب وقائد، وتبدأ فكرة التعليم التبادلي ونقل الخبرات، وهذه الطريقة ضمنت لي مشاركة الطلاب بفعالية في الدرس، فهم ليسوا متلقين للمعلومات فقط».

مشاركته مع هيئة "تري دوم" التي تهتم بقضايا إنسانية واجتماعية

وعن الجائزة والحصول على المركز الأول لأفضل مدرّس في "مصر" لهذا العام، قال: «الائتلاف المصري للتعليم هو مجموعة من 40 منظمة وجمعية أهلية تهتم بالتعليم؛ تقيم مسابقة أفضل معلّم في "مصر" كل عام، وهي النسخة المصرية من مسابقة "أفضل معلّم في العالم"، التي تعلن نتائجها في منتدى التعليم والمهارات بـ"دبي" من كل عام، وتنال اهتماماً إعلامياً وتربوياً واسع النطاق بدعم وبتمويل مؤسسة "فاركى" العالمية المتخصصة في شؤون التعليم، وتعدّ إحدى المبادرات التطوعية لمنظمات المجتمع المدني للعمل على توثيق وتعزيز المبادرات التربوية والعلمية والثقافية للمعلمين والمعلمات بمختلف مستوياتها، لتشجيعهم على ممارسات تربوية غير تقليدية من شأنها تطوير العملية التعليمية، التي تعاني في الأساس تراجعاً ملحوظاً في أوضاع المعلمين، يشارك في لجنة التحكيم عدد من الخبراء في مجال التعليم والحكومة والتنمية وحقوق الإنسان وفق معايير خاصة، وهذا العام؛ ولأول مرة يتم إضافة لقب أفضل معلّم لغير المصريين في "مصر"، ونلت هذا الشرف».

وعن رسالته لزملائه المعلمين، قال: «التعليم ليس مجرد مهنة، هو إعداد جيل، وإعمار وطن. وأقول إن العلم من دون إنسانية لا معنى له؛ فعندما يزور المعلم تلميذه المريض ليشرح له ما فاته من دروس، أو يكوّن مجموعات تقوية مجانية للطلبة ممن لديهم ظروف منعتهم من الحضور، عندها سنكون قدوة لهم».

أثناء تكريمه بجائزة "أفضل معلم من مصر" لغير المصريين

موجه الرياضيات في "دمشق" "ميكائيل الحمود" عبّر عن رأيه بـ"صهيب"، فقال: «تعرّفت إليه من خلال إدارته عبر شبكة الإنترنت لمجموعتنا التي تهتم بتطوير أداء مدرّسي الرياضيات ورفع مستوياتهم، فكان متابعاً لكل تطورات المنهاج، وكان سنداً لعدد من المدرّسين، حيث أفسح المجال لعدد كبير من الطلاب والمدرّسين والأهالي لإبداء الرأي، كما كان حريصاً على إيصال الإجابة الدقيقة بأسرع وقت، فشجع على طرح الأسئلة والاختبارات، وانضم إليه 45000 مهتم بفضل جديته ومواظبته، وقد ضبط المجموعة بأسلوب تربوي، حيث كان حريصاً على أن لا تطرح أسئلة خارج السياق، وكان يحذف أي عبارة مسيئة بأسلوب مقنع، واستوعب التناقضات والآراء المختلفة، فعدّت المجموعة منبراً تعليمياً تتابع كل تفاصيل المقرر. لم أستغرب حصوله على التقدير والتشجيع في بلاد الاغتراب، فقد ساهم بقلب محب معطاء بنشر بذور العلم بطرائق إبداعية متطوعاً بأكثر من مبادرة ومؤسسة تعليمية، ومازال متابعاً عبر شبكة الإنترنت لعدد من الصفحات التي تهتم بتطوير التعليم في "سورية"».

يذكر، أن "صهيب الأسود" من مواليد "طيبة الإمام" في محافظة "حماة"، عام 1985.