بوعي ثاقب وإدراك كبير لأهمية العمل الخيري برفد عجلة التطور في أي بلد، وجد الدكتور "أحمد الدرزي" نفسه في تحدٍّ مع بعض المعوقات البنيوية والتنظيمية التي لم تضعف عزيمته على العمل الإنساني، وإنما زادته رغبة بمواجهتها.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الدكتور "أحمد الدرزي" بتاريخ 3 آب 2017، فتحدث عن رحلته مع العمل الخيري قائلاً: «أظنّ أن منشأ الإنسان وتربيته والفطرة الوراثية تلعب دوراً أساسياً في حياته، وكان لوالدي المهندس الزراعي "محمد رجب" أيادٍ بيضاء باتجاه تحسين العمل العام في منطقة "مصياف" و"الغاب"؛ لذا كان لا يعود من عمله حتى الساعة السادسة مساء، وقد وجدت نفسي في هذا الجو المندفع للعمل والعطاء، أحمل في داخلي بيئة محبة وودودة وخيرة، فكان الدافع قوياً بقدر ما كان التفاعل الإيجابي مع المحتاجين والرغبة بمساعدتهم حافزاً على تحسين أوضاعهم، وكانت البداية أن اتفقت مع مجموعة من الأطباء على تكوين حلقة مساعدة، فكنا نتعاون على معالجة من نعرفه من المحتاجين مجاناً كلٌّ حسب اختصاصه، إضافة إلى تقديم الأدوية وإجراء التحاليل المخبرية والأشعة، ثم بتنا نُجري العمليات الجراحية بالتعاون مع المستشفيات الخاصة، وكان هذا بحق واجهة لعمل مجتمعي متكاتف يتضمن نحو خمسة وعشرين طبيباً قدموا جهودهم وعلمهم لخدمة مجتمع "مصياف" بكل طاقاتهم، وأظنّ أن العمل الإنساني يجب أن يكون ضمن مبادرات شخصية ومجتمعية، فابتسامتك في وجه أخيك الإنسان صدقة، فكيف بك وأنت تمدّ يد العون له بكل احترام الذي هو جوهر العلاقة الإنسانية، فتعطيه من روحك وتعبك ومالك بكل أمانة ورغبة».

توسع عمل الجمعية وأعطاها أبعاداً جمة انعكست آثارها بوضوح على الريف، وخاصة بعد العمل مع منظمة "اليونيسيف"، وهو صاحب آفاق واسعة وأفكار خلاقة وعلاقات منفتحة، ويمتلك رغبة حقيقية بإحداث تغيير في بنية المجتمع، وهو متابع لحيثيات العمل في المحيط الطبي، وله تجربة ممتازة في العمل ضمن المناطق الريفية ومساعدة المحتاجين والفقراء

أما عن العمل الخيري اليوم، فقال: «العمل الخيري مرتبط حالياً بوجه أساسي بجمعية "مصياف" الخيرية التي أسّست منذ عام 1954، وهذا العمل متشعب ومتعدد وليس بطابع أُحادي الجانب، فالجمعية قديمة وعريقة، لكن بعد الأزمة؛ أي منذ 2012 أخذنا خطوات واسعة لتعزيز عملها ضمن المجتمع المحلي، حيث ساعدت أكثر من 700 عائلة مهجرة من "حلب" وتم تقديم الطبابة والأدوية والألبسة وبدلات مالية للإيجارات وحليب الأطفال والأغذية والمعونات العينية، ثم بدأ العمل مع المنظمات الدولية منذ نهاية 2013، فاستطعنا أن نوسع عمل الجمعية لخدمة أهلنا في "مصياف" و"حوض الغاب" ومساعدة مختلف شرائح المجتمع، وقد توسّع عمل الجمعية 100 ضعف، وشمل ذلك مناطق أخرى في "سلحب، وطارحين، وساحل" وغيرها، بحكم وجود ظروف خاصة لكل المناطق».

برنامج الصحة الإنجابية

أما عن خدمات الجمعية، فقال: «قدمت الجمعية حتى تاريخه أكثر من 35000 خدمة صحية تتضمن الدواء والأشعة والتحاليل الطبية والعمليات الجراحية، إضافة إلى خدمات أخرى تعتمد الرعاية الصحية الإنجابية والتوعية الصحية، ولدينا فريقان طبيان يتجولان على القرى، يتكون كل فريق من طبيب نسائية وقابلة وممرضة ومرشدة نفسية، يتم تزويد الفريق المتجول بجهاز إيكو ومجموعة أدوية وبروشورات طبية، حيث يقوم بجولات على القرى مرة كل 20 يوماً يتابع فيها الوضع الصحي للنساء الحوامل ويخدم الأطفال وحتى كبار السن ضمن طاقته، وهذا الفريق المتجول بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، حيث يُقدم الخدمات الطبية الضرورية وفق الإمكانات المتاحة، ونحن بانتظار تجديد التمويل المتوقف منذ 7 أشهر، لكننا لم ننقطع عن العمل مع أننا نعمل من دون تمويل، ولدينا 3 مراكز صحية في "وادي العيون، ومصياف، والمحروسة"، وسيتم نقل مركز "وادي العيون" إلى "سلحب" في الأيام القادمة».

وأضاف: «لا يكفي أن تشمل الخدمات الإنسانية الجانب المادي أو الطبي أو الإنجابي فقط، وإنما علينا ترك بصمة للتغيير وخلق فرص جديدة للشباب؛ لذا تُقدم هذه المراكز برامج تتعلق بحماية الطفولة واليافعين، وتعطي دروساً في مهارات التواصل والتأهيل النفسي وكيفية التعامل مع الأزمات وبرامج موسيقية وترفيهية ورياضية، ويمكن أن نقيس حجم الإبداع المُختفي في القرى من فتح باب لهذه المواهب البشرية بالصعود والظهور، حيث تستقطب "جب رملة، وسلحب، والبياضة، ومصياف، والفندارة" الأطفال لدعمهم تعليمياً ورياضياً وموسيقياً، وقد تم تأسيس فريق لكرة القدم من مجموعة أطفال يعانون متلازمة داون، وفريق آخر لكرة القدم للفتيات، وقد عدّت منظمة "اليونيسيف" المشاريع المقامة عن طريق مراكزنا من أنجح المشاريع المقامة في القطر، ونسعى إلى دمج قدرات الشباب بدورات إرشاد وتوعية صحية، من خلال مسرح تفاعلي يسمح للشباب بمناقشة ظروفهم وأوضاعهم وبعض المواضيع كحقوق المرأة والطفل والرجل، وقد وجدت أن هذه الأنشطة تستطيع أن تنقل المجتمع إلى مستوى عالٍ من الوعي، فهي ترفد الحركة التعليمية وتثبت الإدراك، وقد كانت بعض القرى كـ"جب رملة، والفندارة، والبياضة" نموذجاً لتقدم كبير، حيث قُدمت عروض مسرحية في مناطق لم تشهد أي عروض مسرحية سابقة، وكان لهذه التجربة تحفيز على التعلم والسؤال عن نماذج ثقافية كبيرة كـ"ممدوح عدوان" و"محمد الماغوط" و"محمود درويش"، حيث كوّن المسرح حالة تعليمية وتثقيفية كبيرة».

من خدمات الفريق الطبي المتجول

أما عن أهدافه المستقبلية لتطوير العمل الخيري، فقال: «أسعى إلى فتح باب للتواصل مع مجموعة من المغتربين لتحويل رؤوس أموال وفتح مشاريع صغيرة وورشات عمل تخدم الواقع السكاني في المنطقة وترفع مستوى المعيشة، حيث يعتمد هذا الجانب المال الوطني الموجود في الخارج، وهناك مباحثات مع أكثر من طرف لتذليل السُبل القانونية للسماح بإمكانية تحويل هذه الأموال مباشرة لخدمة المشاريع التنموية؛ فهناك صعوبة في تحويل الأموال من الخارج إلى الداخل، وأظن أنه إذا تمت الاستعانة بجهود المغتربين الراغبين بدعم الجمعيات الخيرية، يمكن الاستغناء عن عمل ومال المنظمات الإنسانية، وتحتاج هذه العملية إلى ثقة عالية المستوى ودراسة متينة خالية من أي خلل».

كما تواصلت المدونة مع الدكتور في الطاقة الذرية والفيزياء النووية "قاهر أبو الجدايل"، الذي يشغل منصب رئيس بلدية "مصياف"، فقال: «الدكتور "أحمد" شخصية قيادية خاصة طبعت على شعور الناس وأعمالهم وخاصة لدى المحتاجين شيئاً إيجابياً جداً، فهو صاحب مبادرة واهتمام بالغ ورغبة قوية بالعمل الإنساني والخيري، كما أنه يعمل بجدّ ومسؤولية عالية، ويشعر بحاجات الناس ومعاناتهم، وله بصمات واضحة في خدمة المجتمع المحلي ويدرك أن للعمل الخيري تفرعات عديدة من إعادة تكوين شخصية المواطن الإيجابية إلى مساعدته مادياً وطبياً وفكرياً».

برنامج الجمعية للتوعية للعودة إلى المدرسة

كما تواصلت المدونة مع الدكتور "فواز عثمان" الذي حدثنا عن عمل الدكتور "أحمد"، حيث قال: «توسع عمل الجمعية وأعطاها أبعاداً جمة انعكست آثارها بوضوح على الريف، وخاصة بعد العمل مع منظمة "اليونيسيف"، وهو صاحب آفاق واسعة وأفكار خلاقة وعلاقات منفتحة، ويمتلك رغبة حقيقية بإحداث تغيير في بنية المجتمع، وهو متابع لحيثيات العمل في المحيط الطبي، وله تجربة ممتازة في العمل ضمن المناطق الريفية ومساعدة المحتاجين والفقراء».

بقي أن نذكر، أنّ الدكتور "أحمد الدرزي" طبيب بشري تخرّج في جامعة "حلب" عام 1988، ثم تخصص في التشخيص المخبري، ويزاول مهنة الطب حتى الآن، وهو من مواليد "دمشق" عام 1963، ومقيم في "مصياف".