سكنته ريح الفن التي هبّت تلفح مشاعره وتدغدغ أحاسيسه، وبفضل موهبته وعطاءه اللا محدود؛ تعلّم وعلّم العزف على أكثر من آلة موسيقية، متفوقاً على الأكاديميين بهذا المجال، واستطاع أن يخرّج موسيقيين ارتقوا سلّم الفن، كما التفت بجديّة إلى العمل الخيري الذي مدّه بالطاقة الإيجابية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 30 أيار 2019، مع المحامي الفنان "يونس ناصيف"، الذي تحدث عن شغف الفن وبدايات تعلّقه به، وقال: «عشقت الفن بسنّ مبكرة، والموهبة التي أثّرت بي التمثيل على خشبة المسرح، فسعيت لأكون أحد أهم الناشطين في هذا المجال، وقد شهدت مثل تلك النّشاطات أواخر الستينات بالأسود والأبيض، وكان الممثّلون يتبادلون الميكرفون الوحيد على خشبة المسرح. الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وعدم وجود ثقافة فن في مجتمع القرية سوى الفن التقليدي الموروث، حدّ من طموحي، وجعل من تعليم الإنسان في المدارس وسيلة للعيش فقط، وطريقاً للوظيفة حصراً، لذلك انصرفت إلى الرسم، حيث تلقيت الدعم من المدرّسين ووالديّ، والتعليم كان بأرقى مستوياته حينئذٍ».

بدأت تطوير مواهبي بسن متأخرة نوعاً ما، فقد شغلتني الحياة العملية، فطورت من موهبة الرسم، ورسمت الشخصيات، علماً أنني لم أتلقَّ في حياتي درس رسم بالمطلق غير الدروس النمطية في المدرسة، لكنني أعدّ فناني مدينة "حماة" أساتذتي، وفي مقدمتهم الفنان " نزار قطرميز". بدأت تعلّم العزف (سماعي) على آلة "العود"، وبمساعدة عدد من الأصدقاء تعلّمت أصول هذا الفن من قراءة نوتة وغيرها، فعزفت على آلتي العود والكمان، وأتيحت لي فرصة مرافقة بعض المطربين الشعبيين في أحياء "دمشق" الشعبية كعازف، ومنهم الفنان "فؤاد غازي"

وخلال حديثه عن تطور مواهبه، قال: «بدأت تطوير مواهبي بسن متأخرة نوعاً ما، فقد شغلتني الحياة العملية، فطورت من موهبة الرسم، ورسمت الشخصيات، علماً أنني لم أتلقَّ في حياتي درس رسم بالمطلق غير الدروس النمطية في المدرسة، لكنني أعدّ فناني مدينة "حماة" أساتذتي، وفي مقدمتهم الفنان " نزار قطرميز". بدأت تعلّم العزف (سماعي) على آلة "العود"، وبمساعدة عدد من الأصدقاء تعلّمت أصول هذا الفن من قراءة نوتة وغيرها، فعزفت على آلتي العود والكمان، وأتيحت لي فرصة مرافقة بعض المطربين الشعبيين في أحياء "دمشق" الشعبية كعازف، ومنهم الفنان "فؤاد غازي"».

مع رفيقه الروحي العود

وتابع: «اصطدمت بالحياة المدنية من جديد ومسؤولياتها، ومجتمع يغيب فيه التّجانس، وعلاقته بالفن أوهى من خيط العنكبوت، وبانتقالي مع أفراد أسرتي وأهلي إلى منطقة "مصياف" بدأت أشقّ الكفن، وأخرج عن المألوف بإحياء حفلات خاصة مع عدد من زملائي، منهم ضارب الإيقاع "موفق شحادة"، وعازف الكمان "عماد داؤود"، وعازف الناي "معروف الخضر"، وعازف الكمان "يحيى زينو"، وتلك كانت فرقتنا الصغيرة كتخت شرقي من "مصياف"، إضافة إلى أنني وعلى الرغم من الظروف المعيشية القاهرة، كنت أحيي يومياً في فصل الربيع حفلاً شعبياً، في ساحة صغيرة أمام بيتي، حيث كان يجتمع العديد من شباب وصبايا الحي، ويبدأ الغناء والرقص وعزفي على آلة "الجمبش" التركية ذات الصوت القوي، إلى أن كوّنّا فرقة "مصياف" الموسيقيّة لإحياء التراث بقيادة الفنان "عدنان بيطار"، وبمغادرته الحياة تسلّمها الدكتور الموسيقي "أحمد شحادة"، هذا إضافة إلى علاقتي ونشاطي الخاص مع موسيقيين وذوّاقة من كبار السن من مدينتي، الذين استفدت منهم الكثير في صقل موهبتي، وخاصة الموسيقا الشرقية».

علّم الموسيقا، وخرّج مبدعين موهوبين جالوا العالم وتفردوا بموهبتهم، حيث قال: «انتقلت من حقل التعليم إلى تدريس مادة الموسيقا في المدرسة التطبيقيّة للنشاطات الطلائعيّة عام 1983، معتمداً على دراسة العديد من المراجع والخبرات، وطرائق تدريس الآلات الوترية والنحاسية والطرقية والنفخية، وكنت أمام تحدٍّ خاص، ولم أكن أقضي يوم عطلة من دون أن أدرّب وأتدرّب وأتعمّق بالموسيقا أكثر وأكثر، وعلّمت العزف على مختلف الآلات، ووصلت إلى قرى ريف "مصياف" مقابل مبلغ مالي بسيط، وقد أثمرت دوراتي بحب تلاميذي للموسيقا، واعتبارها ركناً أساسياً بحياتهم، ومنهم من اتخذها مهنة، ومنهم العازف "قتيبة ناعم" على آلة البزق، و"طارق عيد" على آلة الكمان، وهما عازفان في فرقة السيمفونية الوطنية، وقد أثمرت جهودي عازفين متميّزين على مستوى القطر، فكوّنّا فرقة أطفال وترية، وأول فرقة نحاسيّة في المحافظة، وآخر فرقة ضمّت العازف العالمي "نزار عمران" على "الكورنيت"، وحصلت الفرقة على المرتبة الثانية على مستوى "سورية"، وشاركت بالاحتفالات والمناسبات الوطنية والمهرجانات في مختلف المحافظات السوريّة، ولغاية عام 1986 كُرّم 28 طفلاً من تلاميذي برحلات خارج القطر على مختلف الآلات الموسيقية، وما زلت مستمراً في تدريس الموسيقا الغربية والشرقية».

الفرق الموسيقية التي قام بتدريبها

الموسيقا غذّت روحه، فالعمل الخيري مدّه بالطاقة الإيجابية، وعنه قال: «كان لي باعٌ طويلٌ في نشر الفن في مختلف أرجاء المحافظة وريفها، ومن عادتي الرقص على الجراح والصراع مع المصاعب، ودور الفنان في الفترات الصعبة أو غيرها ضخ النّسغ في الأغصان الذّابلة على الرغم من الصعاب والمنغّصات، وعملي بالمجال الخيري أو المدني يحتاج إلى موهبة وقدرات وإيمان وجدية كي ينتج ويثمر وينضج، فعلى الرغم من قساوة الظروف وتفسخ المجتمع أسّست جمعية "النور" الخيرية في "مصياف"، وعملت مع زملائي أعضاء مجلس الإدارة بإشادة المشاريع المقررة من مستوصف للفقراء، ودار عجزة، وما إلى ذلك، وخلال الأزمة عانينا بسبب قلة الموارد، إلا أننا لم نتوقف بفضل دعم الخيرين».

الفنان الموسيقى "نزار عمران" الذي جال دول العالم، وعزف مع كبار الفنانين، قال: «علّمنا أن نحب عملنا بفضل طاقة الحب التي كان يمتلكها، وبلا استثناء لكل طلابه، ولمسنا ذلك من تعامله، فقد كان يعطينا ذات الوقت الذي يعطيه لأولاده. بدأت العزف بالصف الثالث نهاية الثمانينات، وبفضل الأب "ناصيف" كما أحب أن أسميه أتقنت قراءة النوتة، وفي الصفوف (الرابع والخامس والسادس) كنت رائداً على مستوى القطر مع عدد كبير من أعضاء فرقتنا، وتم ترشيحنا للسفر خارج القطر، وبفضله سافرت إلى "رومانيا"، حيث أقنع والدي بسفري. من عاصره ورافقه من المحظوظين، فقد نهل من علمه وأخلاقه، فهو شخص معجون بحب الفن، وفنان تشكيلي، ولم يكن يعدّ الفن مهنة، وإنما أسلوب حياة».

من أعماله الفنية

يذكر، أن "يونس ناصيف" من مواليد قرية "كفر عقيد" عام 1952، وهي تابعة لمنطقة "مصياف". عضو مجلس الشعب سابقاً، وعضو المؤتمر الدولي الأول لفنون الأطفال الجميلة عام 1986. كما أنه عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، إضافة إلى أنه عضو المؤتمر التأسيسي الأول لاتحاد الفنّانين التشكيليين لعام 2009، وشغل نائب رئيس مجلس إدارة النادي السينمائي في "مصياف" عام 1981، وحاصل على عدد من الأوسمة، منها: وسام "الشجاعة"، ووسام "ثناء القائد العام للجيش والقوات المسلحة"، ومجموع معارضه الفردية أربعة عشر معرضاً.