رغم اهتمامه الشديد بالسياسة وولعه فيها، إلا أن علوم التربية كان لها أثر كبير في عمله وانجازاته، وقد شكلت حجر الزاوية والأساس في معظم كتبه ومقالاته ومحاضراته.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الدكتور "أكرم محمود الشلي" بتاريخ 10 آب 2017، ليحدثنا عن تأثير بيئته في تكوين شخصيته، حيث قال: «كان لوالدي الفضل الأكبر في تكوين شخصيتي وإظهار رغبتي بالتفوق والتميز، حيث كان يرتجل الشعر الديني والشعبي، وبحكم أنه وجه اجتماعي بارز في المنطقة؛ كان يُطلب إليه حل العديد من المشكلات بين أبناء القرية، ومثّلت "المضافة" بجلساتها وأشعارها وقصصها ورواياتها مفتاح الوعي في طفولتي، فكل إنسان مهما علت ثقافته أو برز شأنه، ابن بيئته الأولى ويتشرب منها بالفكر والسلوك والصور الخيالية كل آرائه الفكرية الثابتة، ثم تأتي مؤسسات التنشئة الأخرى من الأسرة والأقران والرفاق والمؤسسات الإعلامية والجامعات، وغيرها، وهذه المؤسسات تترك بصمة على الإنسان كلٌ حسب ذكائه وثقافته ودقة ملاحظته، وقد ترك أخي الكبير "عزت" بصمته القوية في شخصيتي، حيث كنت وما زلت أنظر إليه بعين الإعجاب والرغبة بموازاته فكرياً واجتماعياً، حيث كان يعمل أستاذاً، وكانت لديه نشاطات متنوعة من إحياء الحفلات في المناسبات الوطنية أو ضمن الأفراح، وإلقاء بعض الأشعار على المجتمعين، وأعدّ هذه المرحلة من حياتي شغفاً حقيقياً يجمع بين الأصالة التي ينضح بها الريف والرغبة بالتميز والبروز في المجتمع».

يتمتع بانتماء قوي لجذوره وتربيته ووطنه، وكانت القضايا الكبرى للأزمات التي يمر بها الوطن محور اهتمامه، فاندفع صوب تحديد مؤشر بوصلته لبواطن الصراعات والأزمات وطرائق إدارتها، وتمتاز كتاباته بالحرفية والدقة، كما يتمتع بالجرأة فيما يقوله، ولا يخشى في الله لومة لائم، وينتقد ذاته قبل الجميع، ويدقق ويصوب أي خطأ يراه، وله العديد من الكتب والدراسات السياسية والتربوية

وأضاف: «مثّلت كتابات "توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، والمنفلوطي، وحنا مينا، وميخائيل نعيمة، وحسام الدين خضور" بوابة ذاكرتي الأدبية، وعلى الرغم من شغفي الكبير بالسياسة، إلا أن قراءاتي الأساسية كانت في الأدب الروسي السوفييتي، حيث خضت في تفاصيل المجتمع الروسي من خلال أدبائه، وتعرفت عاداته وتقاليده وخصوصيته من خلال بعض الكتاب كـ"شولوخوف، وغوركي، وتولستوي، وديستوفسكي، وميخائيل ليرمنتوف"، وبعدها توجهت إلى قراءة أدب "أميركا اللاتينية" كـ"ماركيز"، ولفت نظري قدرتهم المميزة في وصف المجتمعات الفقيرة والظروف الصعبة والطبقات الاجتماعية المختلفة، وكنت أنظر إليها بعين المراقب المتأمل لمراحل صراعها مع الإمبريالية، وقدرتها على دفع شعوبها باتجاه التطور والاشتراكية، ثم بدأت أقرأ كل ما يقع تحت يدي حتى كان أول ما كتبته بالسياسة: "إدارة الأزمات"، في عام 2000».

أما عن شغفه بالسياسة، فقال: «إن العالم اليوم قرية صغيرة يستطيع أي شخص أن يتعاطى بالسياسة مع دولة تبعد آلاف الكيلومترات، ويقرأ الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والأهداف من أي حدث سياسي مهما صغر شأنه، فهناك عناوين واضحة تمكّن المتابع من قراءة الأحداث، وبدأ اهتمامي بالسياسة من دراستي الاجتماعية والسياسية وواقع الحياة في الشرق الأوسط، وتناوب الاستعمار القديم والحديث على المنطقة، ووضع كل صراع دوره في تكوين وعي الشعوب، وتقاطع الخطط وتنوع الأعداء والأسباب حول أهداف الحروب التي تدفع تلك الدول إلى التوجه لاحتلال دول أخرى، ثم بدأت أجمع عدداً كبيراً من المقالات في المجالات العسكرية والدوريات العربية، وهذا جعلني أكوّن حالة سياسية ثقافية للمنطقة، مكنتني من صياغة رؤية واضحة للصراعات وأهدافها والتحدث عنها في بعض كتبي التي نشرتها بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في "دمشق"».

أما عن الشقّ التربوي ووجهة نظره بتغيير المجتمع، فقال: «تحتاج بنية المجتمع السوري إلى تطوير استراتيجية واضحة للتربية والعمل على ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، حيث لا يستقيم السهم والرأس أعوج؛ لذا لا يكفي أن نردد الشعارات الرنانة من دون أن نطرق باب التنفيذ والتفنيد والتحديد لكل فئات الشعب، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود، فعندما يتم تعيين أشخاص في مواقع قرار وسلطة يحتاجون إلى تربية، فسيحدث شرخ بين المواطن والحكومة، ومن هنا يجب أن يشمل الإعداد والتدريب تربية المسؤول على القيادة، فكيف للفاسدين تربوياً وإدارياً أن يعطوا الشعب؟ ونحن بأمس الحاجة إلى القضاء على عملية "الواسطة" من رأس الهرم الوظيفي حتى يقوم كل شخص بواجبه المهني على أكمل وجه؛ فالوظيفة مسؤولية، وليست امتيازاً».

وأضاف: «يجمع المجتمع السوري بتكوينه كل أطياف العالم، ويحمل المواطن السوري تناقضات الدنيا في داخله؛ فلديه حسّ وطني عالٍ وحرص على حرية بلده ومقدساته وقوته، ولديه رغبة قوية بالهرب واللجوء وربما النأي بالنفس عند الشدائد، وهنا نلاحظ ضعف إعداد المدرسين وتأثيرهم في وعي الأفراد لضعف مقدراتهم وأسلوبهم وبعض تحصيلهم المعرفي في الجانب التربوي والقيادي، وعلى الحكومة السعي إلى اجتثاث هذه المشكلة من الجذور، فاستعمار البلدان يبدأ من السيطرة على عقول أجيالها وزعزعة هويتها الوطنية وإفسادها وشرذمتها، فلا يكفي أن يكون المدرّس أو المعلم خريج إحدى الجامعات، وإنما عليه أن يمتلك القدرة وبعد النظر على تنشئة جيل جديد من العقول الشابة».

كما تواصلت المدونة مع دكتور الأدب العربي المختص في الإعلام والدعاية، وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب "جابر سلمان"، فقال عن تجربة الدكتور "أكرم": «يتمتع بانتماء قوي لجذوره وتربيته ووطنه، وكانت القضايا الكبرى للأزمات التي يمر بها الوطن محور اهتمامه، فاندفع صوب تحديد مؤشر بوصلته لبواطن الصراعات والأزمات وطرائق إدارتها، وتمتاز كتاباته بالحرفية والدقة، كما يتمتع بالجرأة فيما يقوله، ولا يخشى في الله لومة لائم، وينتقد ذاته قبل الجميع، ويدقق ويصوب أي خطأ يراه، وله العديد من الكتب والدراسات السياسية والتربوية».

بقي أن نذكر، أن الدكتور "أكرم الشلي" من مواليد منطقة "عين الكروم" في محافظة "حماة"، عام 1958، وكان من أوائل خريجي قسم علم الاجتماع عام 1979، وحاصل على دكتوراة في العمل السياسي الدعائي من "ألمانيا الديمقراطية"، ودكتوراة في العمل السياسي والتربوي من "روسيا الاتحادية"، ويعمل محاضراً في الجامعات السورية واللبنانية، وهو عضو اتحاد الكتاب العرب.