بعد مرور أكثر من /35/ عاماً على وفاته؛ لا تزال أعمال الفنان السوري "محمود جلال" شاهدةً على إبداعه ليس في فن الرسم فحسب؛ وإنما في النحت أيضاً؛ فالتماثيل المنصوبة في الكثير من المدن السورية والتي أبدعتها عبقرية "جلال" ما زالت تختزل المسيرة الفنية لأحد أهم رواد النحت في "سورية".

«بقي "جلال" معتمداً على الأصول المدرسية التي تمكّن منها في "روما" ومع أنه قام بمحاولات للخروج عن الأصول الواقعية؛ إلا أنه بقي مُتحمساً ومُدافعاً عنها بحرارة». هذا من بعض ما كتبه "غازي الخالدي" عن الفنان "محمود جلال" في جريدة "البعث" عام /1970/م؛ ويضيف: «لقد استطاع أن يبرز في النحت كما في الرسم؛ وتمثاله "ابن رشد" المحفوظ في متحف "دمشق" شاهدٌ على مهارته وقوته».

إن مذهبي الفني واقعي لأنني أرغب أن أكون دائماً ضمن إطار الحياة لا خارجها

كتب "محمود حماد" عميد كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" سنة /1993/م في كتاب "أعلام الفن التشكيلي" ما يلي: «إن الفترة التي أعقبت إقامة "جلال" في "دير الزور" كانت من أخصب فترات إنتاجه؛ واكتشفنا آنذاك أولى أعماله النحتية؛ ابتداءً من اللوحة التذكارية بمناسبة العيد الألفي لـ "أبي العلاء" عام /1943/ الموجودة في المجمع العلمي العربي والتي اتبعها بتمثال "ابن رشد" في المتحف الوطني بـ"دمشق" وبعددٍ كبير من الرؤوس لأبطال ومفكري العرب».

تمثال "أبن رشد" الموجود في المتحف الوطني بـ"دمشق"

أما فيما يخص نشأة الفنان الراحل "محمود جلال" فقد جاء في كتاب "أعلام الفن التشكيلي" للمؤلف "ممدوح قشلان" والمطبوع عام /1993/م ما يلي: «ولد "محمود جلال" عام /1911/م متنقلاً من مدينةٍ سوريّة إلى أخرى بسبب طبيعة عمل والده في القضاء (قاض في المحكمة) استقر أولاً في "دمشق" ثم انتقل إلى "قطنا" ثم "السويداء" فـ"درعا" وأخيراً إلى "دير الزور" وبقي فيها فترةً طويلة».

ويقول الكتاب: «حين أنهى "محمود" الدراسة الثانوية انتسب لفترةٍ قصيرة إلى المعهد الهندسي في "حلب" وفي أحد الامتحانات العملية في الرسم كان المطلوب رسم دائرة بمقياسٍ مُعيّن، فرسمها "محمود" دون استخدام الفرجار وتشاحن مع المُدرسين الذين لم يقتنعوا بما أنجزه أمامهم واعطوه درجة الصفر؛ ما أغضبه الأمر ودفعه إلى الخروج إثرها من المعهد وترك الدراسة».

تمثال (رجل الحمام) الموجود في متحف التقاليد الشعبية - قصر العظم

«سافر "محمود" إلى "إيطاليا" عام /1935/م وفي عاصمتها "روما" استقر وانتسب إلى أكاديمية الفنون الجميلة قسم التصوير وكان يشرف عليه رسام العائلة المالكة "سوفييرو". في "إيطاليا" بين عامي (1935 – 1939) ومع القروش المحدودة جداً التي تُرسل من أهله؛ لم يتمكن من خلق حياة اجتماعية صاخبة؛ لأن وقته كان موزعاً بين الأكاديمية صباحاً ومطعم "ماريوتي" ظهراً ومعهد البلدية مساءً. كان يتابع المعارض وزيارات المتاحف والكنائس والمناطق الأثرية وبعض الرحلات الجامعية القصيرة».

حصل على الإجازة بتفوق عام /1939/م وعاد مُسرعاً إلى الوطن، وعندما تأسّست كلية الفنون الجميلة؛ وبعد فترة من عملها؛ أصبح "محمود جلال" وكيلاً للكلية؛ ووافته المنية في 21 أيلول عام /1975/م.

وزير الثقافة ممثل رئيس مجلس الوزراء يُقلد "جلال" وسام الاستحقاق عام 1972م

يقول المؤلف "ممدوح قشلان" في ذات الكتاب: «عرفتُ "جلال" من خلال أعماله في فنّي التصوير والنحت؛ فهو مصور مُتمكّن من فنه وأسلوبه؛ نحاتٌ خبير بأسس التقنية؛ إنه الفنان الذي كُتب عليه التواجد في ظرفٍ لا يُحسد عليه، عاد إلى الوطن بعد أن أتمّ دراسته في حلول الأربعينيات وعانى قسوة الحياة وشدة العمل في غير الاختصاص، وقد خرجت معاناته في المعارض الرسمية الأولى مطلع الخمسينيات وهي لوحة (المعلم؛ المضافة؛ صانعة السجاد؛ الراعي؛ انتظار) وكلها صور إنسان الأرض العربية؛ أحاسيس إنسانية مُتفجّرة في صورٍ إبداعية تخرج بحرارة اللون وصدق العاطفة ودقة التكوين».

ويضيف: «أما "جلال" النحات فكان أول من مارس هذا المجال في "سورية" وبرز أول تمثالٍ له "ابن رشد" الموجود في متحف "دمشق" الوطني، ثم تمثال "أطفال عامودا" الذي خلد فيه حريق سينما "عامودا"؛ ثم تمثال "الأمومة" ثم "الاتحاد" و"عباس بن فرناس" ثم "الفدائي القنبلة" وكلها تتدفق حيوية وحركة وانفعالاً عنيفاً؛ إضافةً إلى الملامس الخشنة الصلبة التي تنسجم مع الموضوع».

أخيراً ومن بين العبارات التي كان يرددها "محمود جلال" قبل وفاته هي: «من يسقط أول مرة ثم ينهض مستفيداً من التجربة؛ فيمكنه أن يشق طريقه إلى النجاح». كذلك قال: «إن مذهبي الفني واقعي لأنني أرغب أن أكون دائماً ضمن إطار الحياة لا خارجها».

** أبرز الجوائز والوظائف التي شغلها "جلال":

  • فاز بالجائزة الأولى في الرسم والنحت معاً عام /1951/م في معرض المتحف الوطني بـ"دمشق".

  • منح براءة تقدير من وزارة الثقافة عام /1960/م.

  • عمل استاذاً للنحت في كلية الفنون الجميلة عام /1961/م.

  • أصبح وكيلاً للكلية حتى عام /1970/م.

  • منح بموجب المرسوم /1609/ وسام الاستحقاق العربي السوري من الدرجة الأولى عام /1972/م.

  • صدر له كتاب (الرسم الأبجدي) عام /1953/م.

  • شارك في الكثير من المعارض الرسمية التي رعتها الدولة.

  • يحتفظ المتحف الوطني بدمشق ووزارة الخارجية والثقافة والتربية بالكثير من أعماله.