وهب نفسه للعلم منذ مراحله الأولى، فأنجز الكثير من المخطوطات والمؤلفات الأدبية، أهمّها شرح ديوان "الجزري" بلغات متعددة، وكان حتى وفاته القاضي العادل بين الناس بكل تواضع. وأكثر ما تأذى منه طوال حياته احتراق كتبه ومخطوطاته.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 22 كانون الثاني 2018، التقت المدرّس "محمد عز الدين" ليتحدث عن حياة الراحل "عبد السلام الجزري" منذ البدايات، فقال: «منذ صغره رافق جدّه؛ أحد أبرز علماء المنطقة، فنال منه خصالاً ومواصفات حميدة، فمع بداية الثلاثينات شنّ "أتاتورك" حملة على العلماء، ففرّ إلى بلدة "عين ديوار" في منطقة "المالكية" بمحافظة "الحسكة". قدم للمنطقة والقرية خدمات جليلة، بعلمه وثقافته، وسخّر جهده لنشر المحبة وإحلال السلام بين شعوب المنطقة، وفرض نفسه عليهم بأخلاقه، وسيرته الطيبة بين الناس، ولم يكن يهتم سوى بالعلم ونشر المحبة، وتأليف الكتب والدواوين الشعرية، وفي مرحلة مبكرة من عمره توجه إلى ذلك، لكنه تحمل وجعاً كبيراً عندما شاهد مخطوطاته ودواوينه تحرق مرتين؛ الأولى في "تركيا"، والثانية في منزله بمنطقة "المالكية" مع بداية الأربعينات، ومع ذلك لم يستسلم، واستمر في الكتابة حتى يومه الأخير في الحياة. وعند حدوث أي خلاف عشائري، كانت كلمته لهم بمنزلة قرار ملزم على الجميع التقيّد به.

أستطيع الجزم بأنه لم يكن يمر يوم في حياته، إلا وله قصة نجاح، لم يكن يملك وقتاً للفراغ، وعند حصول ذلك يقضيه في التأليف والكتابة، وساعات أخرى في تعليم من يزوره، ولديه وقت يخصصه للذهاب إلى الناس والاطلاع على مشكلاتهم وحلّها، وعند سماعه بخلاف بين أسرة أو أكثر يبادر فوراً إلى حلّه، كان الأهالي يتوافدون إليه من شتى المناطق من أجل معنى كلمة أو جملة، حيث ينهي الجدل حولها، وكان يسمى "قاموس المنطقة" و"مرجعية الناس". رحل عن الدنيا وترك إرثاً عظيماً لا يمكن نكرانه

والشيء الذي يحسب له أن علمه لم يذهب سدى، حيث تخرّج على يديه نخبة من العلماء الذين ذاع صيتهم على مستوى المنطقة وأبعد، ومن الأسماء المهمة التي درست عند جدي، والد الراحل "محمد سعيد رمضان البوطي"، وأشار إلى ذلك في أحد كتبه».

من أهم أعماله الأدبية

يتابع "عز الدين" الحديث عن جده بالقول: «حتى وفاته عاش في منازل بالإيجار، وعُرض عليه كثيراً أراض وعقارات قانونية وشرعية، لكنه رفض، وكان يقول هناك من هو أولى مني بها. وحتى بعلوم الفلك والرياضيات، كانت خبرته قائمة، وكثيراً ما تتم الاستعانة به في تلك المواضيع. بالنسبة إلى مؤلفاته، لا بدّ من الإشارة إلى أنها جميعها كانت تخط بحبر الريش؛ لذا كان يجد معاناة كبيرة وصعوبات جمّة حتّى ينجز مخطوطاً أو ديواناً. أمّا أهم إنجازاته الأدبية، فهو شرح ديوان "الجزري" من اللغة الكردية إلى العربية، حيث بدأه منذ عام 1943، واستمر حتّى عام 1952، ولم ينجزه بالكامل».

ويختتم حديثه بالقول: «الجدير بالذكر، أن إتقانه لأربع لغات هو الذي ساعده على شرح الديوان بدرجة كبيرة من التميز، واللغات التي يعرفها هي: "العربية، الإنكليزية، الفارسية"، إضافة إلى لغته الأساسية الكردية؛ لذلك نجد في شرحه للديوان كلمات كردية، وتقابلها كلمات عربية مباشرة، من دون كسر في الكلام، والمحافظة على الوزن الدقيق، وكان قاموساً لجميع أهالي المنطقة عند الاختلاف في معنى كلمة، إضافة إلى تنقيحه لقاموس الأطفال "نو بهار". ومن أعماله الأدبية أيضاً ترجمة كتاب تاريخي تحت عنوان: "شرف نامي" من الفارسية إلى الكردية بدقة لغوية كبيرة، والأهم أنه ومنذ سنواته الأولى، حتى يوم مفارقته الحياة لازم التأليف والكتابة، ومساعدة الناس وحل مشكلاتهم».

أمّا "محمود نصر الدين الخلف" من كبار السن في منطقة "ريف اليعربية"، فتحدث عن معرفته بالراحل "عبد السلام الجزري" بالقول: «أستطيع الجزم بأنه لم يكن يمر يوم في حياته، إلا وله قصة نجاح، لم يكن يملك وقتاً للفراغ، وعند حصول ذلك يقضيه في التأليف والكتابة، وساعات أخرى في تعليم من يزوره، ولديه وقت يخصصه للذهاب إلى الناس والاطلاع على مشكلاتهم وحلّها، وعند سماعه بخلاف بين أسرة أو أكثر يبادر فوراً إلى حلّه، كان الأهالي يتوافدون إليه من شتى المناطق من أجل معنى كلمة أو جملة، حيث ينهي الجدل حولها، وكان يسمى "قاموس المنطقة" و"مرجعية الناس". رحل عن الدنيا وترك إرثاً عظيماً لا يمكن نكرانه».

يذكر أن "عبد السلام الجزري" ولد عام 1878، وتوفيّ عام 1952 في مدينة "القامشلي".