تعدّ القهوة العربيّة في منطقة الجزيرة السورية تراثاً وإرثاً عظيماً، الحفاظ على طقوسه قائمة منذ القدم حتّى اليوم، بما فيه هزّ الفنجان الذي يحكي قصّة قديمة.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 31 تشرين الأول 2017، تناولت مع كبار السن ووجهاء المنطقة، قصّة هزّ فنجان القهوة العربيّة بعد الانتهاء من شربها، حتّى إنها باتت عرفاً وتقليداً يلتزم به كل شاربيها، لكن أغلبهم يجهلون السبب، فأوضح ذلك أحد أبناء وجهاء المنطقة الدكتور "عمر جدوع العاكوب" من خلال حديثه التالي: «العشيرة عندما كانت تقرر الاجتماع في "الربعة"، حرصها يكمن في عدم نقل مضمون الاجتماع إلى خارج المكان الذي تمّ فيه، خاصة أن جميع القضايا الحساسة والعامة والخاصة كانت تتداول يومياً بين الوجهاء سواء ما يخص القرية أو العشيرة، وربما على مستوى المنطقة، لم يكن أحد يدخل مكان الاجتماع إلا القهوجي الذي يقدم مشروب القهوة العربية للضيوف، فهناك تقاليد لا بدّ من الحفاظ عليها، وهي تقديم تلك الضيافة مهما كانت الأسباب والظروف، فبعد التداول الطويل بين أهل الخبرة والحكمة من الوجهاء، تمّ التوصل إلى قرار الاعتماد على القهوجي بمواصفات معيّنة، حيث يكون أصماً، عندما يدخل مكان الاجتماع لا يسمع ما يقال، ولا يتكلم بما جرى وتحدّثوا، يقوم بتوزيع القهوة، والشارب يقوم بهزّ الفنجان دليلاً على الاكتفاء بما شرب، فقد يشرب الشخص فنجاناً أو أكثر، فعند الهزّ يوحي له بأنه لم يعد راغباً بالشرب، فينجز المهمّة ويغادر الموقع، مع الحفاظ على كامل أسرار المجتمعين».

لدينا حرص نحن كبار السن أن يعلم أبناء مجتمعنا كل التقاليد والأعراف الموروثة، نسبة كبيرة تجهل هزّ الفنجان، بل وأكثر من ذلك، لا تعلم كيفية الهزّ الذي له طريقة معيّنة، فهي عبارة عن نصف هزة دائرية للفنجان لمرتين أو ثلاث مرات، بحركة سريعة بلا ضعف أو خجل، واستطعنا أن ننشر قصة هزّ الفنجان بين عدد كبير من أبناء المنطقة، وهم بدورهم عليهم نشرها

يضيف الدكتور "العاكوب" حول أمور أخرى تخص القهوجي أو هزّ الفنجان: «أحياناً كثيرة كانت العشيرة تستغرق وقتاً طويلاً من أجل الحصول على تلك المواصفات التي يتطلبها القهوجي؛ ألا يسمع ويتكلم، إضافة إلى ذلك، عليه التفنن في تجهيز القهوة العربية، فالشاربون يستطيعون الحكم على جودتها من رائحتها، والنقطة الأخرى التي يرغبونها، إتقان توزيع القهوة للحضور، كل ذلك بمهنية واحترافية، مع المعرفة التامة بتقاليد القهوة العربية، كهزّ الفنجان، فالكثيرون يجهلون مضمونها، بعد الهزّ يتابعون تقديم القهوة، وفي عرف القهوة العربية ذلك يعدّ خطأ لا يجوز الوقوع فيه، وهناك تقيد من قبل بعض العشائر بهذه المواصفات للقهوجي منذ الماضي البعيد حتّى اليوم. أمّا الأغلبية فتركوا مسألة الصم والبكم، ويكتفون بقهوجي يجيد التجهيز ويمتهن الترتيب والأناقة».

هز الفنجان من الشباب

الحاج "محمود سليمان سيد علي" من أبناء ريف "القامشلي"، تحدّث عن قصة هزّ الفنجان التي يجهلها الكثيرون من أبناء المجتمع، خاصة فئة الشباب، وقال: «لدينا حرص نحن كبار السن أن يعلم أبناء مجتمعنا كل التقاليد والأعراف الموروثة، نسبة كبيرة تجهل هزّ الفنجان، بل وأكثر من ذلك، لا تعلم كيفية الهزّ الذي له طريقة معيّنة، فهي عبارة عن نصف هزة دائرية للفنجان لمرتين أو ثلاث مرات، بحركة سريعة بلا ضعف أو خجل، واستطعنا أن ننشر قصة هزّ الفنجان بين عدد كبير من أبناء المنطقة، وهم بدورهم عليهم نشرها».

القهوجي "سليم محمد صبري" بيّن عن مهنته بين الشيوخ والوجهاء والحفاظ على أسرارهم من خلال حديثه التالي: «ليس لدي المزايا التي يريدونها للقهوجي، وهي عدم النطق والسمع، لكنني مؤتمن على جميع الأسرار التي أسمعها في "الربعة" عند توزيع القهوة العربية. حالياً المطلوب هو التركيز على نكهتها، وتقديمها بأفضل طريقة، وترحيب مع الضيافة، هذا ما يريده شيخ العشيرة، وعند شرب القهوة لمرات عدة، فهذا مؤشر على جودتها، وإذا كان كذلك، فحكماً سيكون الهزّ بعد الفنجان الثاني».