قبل سنين طويلة وعند قبائل البدو الرحل، كان بيت الشعر هو الذي يعلن الزفاف، ويعلن بذلك الدعوة لحضور الأفراح، ضمن رموز وإشارات يفهمها البدوي من مسافة بعيدة جداً. غير أن طقوس هذه العادة رحلت، وبقيت ذكراها وأحاديث ناسها.

مدوّنة وطن "eSyria"، وبتاريخ 5 كانون الأول 2017، تناولت طقوس نصب بيت الشعر، للإعلان عن أهم خطوة في حياة الشاب، التي لا يعلمها إلا كبار السن، ومنهم المعمر "نور الدين خليل سليمان" من أهالي ريف "اليعربية"، الذي بيّن عن حضوره لحفلة زفاف بتلك الطريقة، وقال: «في الماضي البعيد، لم تكن هناك بطاقات دعوة لحضور الزفاف، وكانت العادة عند البدو الرحل، أثناء رغبتهم بزواج شاب من شبابهم، أن يقوموا بنصب خيمة صغيرة في منطقة بعيدة عن خيمهم، حيث تكون ظاهرة للناس، والأهم أن تكون لافتة للنظر، فمجرد مشاهدة الخيمة من قبل شخص واحد، فحكماً مهمة دعوة كامل أفراد قريته تقع على عاتقه، وهناك رجال يتجهون إلى أهل صاحب الزفاف، ليقدموا خدمات الدعم والتعاون، وكان شخص يقطع عدة كيلو مترات سيراً على الأقدام في سبيل مساعدة أهل العريس. أمّا بالنسبة لي، فقد حضرت حفلة زفاف قبل ستين عاماً في قرية بريف "اليعربية"، فعندما كنتُ ماراً من المنطقة، رصدتُ خيمة، وعرفت أنها مخصصة لزواج شاب، فاستفسرت منهم عن المكان والزمان بدقة، وأخبرت أهل قريتي، وشاركت مع المحتفلين في تلك الحفلة، وذكرى ذلك اليوم باقية في العقل، نقلتها إلى أجيال كثيرة».

كان هناك جهد كبير للنسوة، لأن احتفال العرس يستمر لسبعة أيام، وطوال تلك الأيام هناك وجبات ثلاث من الأكل تجهز للضيوف، خاصة وجبة الغداء، فكانت الولائم تتطلب استعداداً منذ الصباح الباكر، إلى جانب الاهتمام بالعروس من خلال الغناء لها، لتكون سعيدة في تلك الأيام الأهم بحياتها، كل النساء والفتيات ملتزمات بالتعاون والمساعدة، ومن غير المقبول نهائياً أن يتحمل العبء أهل العريس أو المقربون منه، فالجميع كانوا ملتزمين بالتعاون والمساعدة والفرح

أمّا المعمرة "خولة خلف الناصر"، فقالت عن جانب من مشاركات النسوة في تلك الاحتفالات: «كان هناك جهد كبير للنسوة، لأن احتفال العرس يستمر لسبعة أيام، وطوال تلك الأيام هناك وجبات ثلاث من الأكل تجهز للضيوف، خاصة وجبة الغداء، فكانت الولائم تتطلب استعداداً منذ الصباح الباكر، إلى جانب الاهتمام بالعروس من خلال الغناء لها، لتكون سعيدة في تلك الأيام الأهم بحياتها، كل النساء والفتيات ملتزمات بالتعاون والمساعدة، ومن غير المقبول نهائياً أن يتحمل العبء أهل العريس أو المقربون منه، فالجميع كانوا ملتزمين بالتعاون والمساعدة والفرح».

علي السباح

بدوره الباحث في تاريخ البدو "علي السباح" تحدّث عن تفاصيل أخرى تتعلق بالزفاف، من خلال نصب بيت الشعر، حيث قال: «تعدّ من أهم عادات البدو المجتمعية، ولدت معهم قبل عشرات السنين، واستمرت حتى خمسينات القرن الماضي تقريباً، فقبل أن تهب عليهم نسمات المدنية والحضارة، وعندما يريد أحد الزواج، يقوم أهله بنصب بيت شعر صغير يسمى بلهجة البدو "كطبة"، وهو عبارة عن بيت شعر صغير بعمود واحد قرب بيت الشعر الكبير، لتتم مراسم الزفاف فيه، وقضاء أسبوع العرس، ويسمى أيضاً "الحجلة"، ويصغرونها أحياناً بكلمة "حجيلة"، وعند نصبها تغني النساء القريبات من العريس أغنية بدوية شعبية خاصة، ومن بعض كلماتها: (يا حجيلة الفضة.. وطنابها الشذري..منهو يناله /فلان/ خذينا له...والناس ما تدر). إضافة إلى ما ذكر، فقد كان البدو قديماً شديدي التكتم في موضوع الخطبة والزواج، أحياناً كثيرة يستفيق الجيران ليجدوا "حجلة" منصوبة لأحد أبناء جيرانهم، حيث يتم كل شيء تحت جنح الظلام، من نصب حجلة وزفاف، وتبقى هذه الحجلة منصوبة أسبوعاً كاملاً، حيث يتوافد كل يوم ليلاً الأهل والجيران والأقارب للاحتفال بالعريسين بالطقوس الشعبية المتعارفة في مثل هذه المناسبات السعيدة».