كثيرة هي الطقوس الفنية والاجتماعية التي شهدتها أعراس الماضي في ربوع الجزيرة السورية، بعضها اندثرت، ولم يبقَ منها إلا ذكريات كبار السن، كتلك المراسيم التي كانت تتوّج العريس حاكماً لمدة من الزمن.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 16 تشرين الأوّل 2018، تواصلت مع الباحث "عمر إسماعيل" للحديث عن أهم طقوس الأعراس في الماضي البعيد، خلدها الباحثون وكبار السن، فقال: «كانت تلك الأجواء الرائعة تنفذ بحق جميع العرسان في تلك السنوات البعيدة، رصدت الكثير منها في منطقتي "عين ديوار" التابعة لمنطقة "المالكية"، كنّا نسمي العرس في ذلك اليوم "حكومة العريس"، تبدأ تلك التفاصيل، بمجرد انتهاء العريس من حلاقة شعره، ويتجه برفقة الشباب والنساء والكبار والفتيات إلى بستان القرية، ضمن البستان كان هناك مسبح، يساعد الشباب العريس بالاستحمام وارتداء لباس الزفاف، والفتيات والنسوة في مكان آخر من البستان ينشدن الأغاني ويقمن حلقات الرقص والدبكة، ريثما ينتهي العريس من تفاصيل تجهيز نفسه، بعدها يتجه العريس برفقة من معه إلى المضافة (بيت القرية الكبير للمختار أو كبير القرية)، وتسير النساء وهنّ يغنين الأغاني الفلكلورية والتراثية، إضافة إلى ما ذكر، ففي المضافة تكون مراسيم تتويج العريس».

هذه العادة انتهت منذ مدة طويلة، ولم يبقَ لها أي وجود، كانت تلك الأعراس حافلة بالسعادة والمرح، كانت تشبه حلقات من مسلسل كوميدي، كل من كان في القرية أو من زوار العرس، كان يستمتع بتلك التفاصيل، وربما يشارك بها، لم يكن عرساً تقليدياً بالمطلق، بل كان يتميز بأحداث وتفاصيل فنية واجتماعية كثيرة، الأهم أن الطفل كان يشارك الكبير، والشاب مع الصغير، والرجال مع النساء في رسم بهجة على تلك الأعراس. كثيرة هي المرات التي شاركتُ فيها بتلك المناسبات الطيبة، أحياناً كثيرة كنت أتفق مع عدد من رجال قريتي والقرى المجاورة للتوجه إلى منطقة ما، وقد تكون بعيدة، في سبيل المشاركة بتتويج عريس، ولم نكن ننتظر دعوة للمشاركة بفرحة عريس، ولو كان في قرية بعيدة عن قريتنا

يتابع الباحث "عمر" عن أحداث تجري ضمن المضافة: «يقوم العريس بمساعدة عدد من كبار القرية، بتعيين عدد من الشباب بصفة مرافقة وحرس ومستشارين للعريس، وهي تشبه حكومة له، وهنا تبدأ مقالب كوميدية، كأن يستطيع شخص الحصول على قطعة من ملابس العريس، ويمنحها للعروس، ليحصل على هدية، أو العكس، ربما ينال أحدهم حذاء أو قطعة من العروس ويمنحها للعريس، وتكون جميع التفاصيل بقالب فرح وسعادة، بعد فواصل ترفيهية، يتجه العريس مع من توّج معه بالمرافقة إلى ساحة الرقص، ليشاركوا الرقص والدبكة والغناء، أثناء تتويج العريس حاكماً يحق له فرض بعض الشروط على أبناء القرية، وهو يختار من يشاء، بأسلوب الفكاهة، ويطلب منهم بعض الهدايا والأشياء المعيّنة، وقد يطلب أبناء القرية أيضاً من العريس بعض الأمور الرمزية التي تدخل في صنف الهدايا، ولا بدّ من الإشارة إلى أن أكثر المستفيدين من الهدايا كانوا الأطفال الصغار، فقد كانوا ذوي جرأة كبيرة بالنيل من العريس أو العروس بالحصول على قطعة معينة، والوصول بها إلى الطرف الآخر، والطرفان كانا يرغبان بتكريم الأطفال».

من أعراس الماضي

الحاج "نوري معصوم مصطفى" من كبار السنّ في ريف منطقة "المالكية" التي تبعد عن مدينة "القامشلي" 100كم، تحدّث عن جزء من تفاصيل تلك الأعراس، وقال: «هذه العادة انتهت منذ مدة طويلة، ولم يبقَ لها أي وجود، كانت تلك الأعراس حافلة بالسعادة والمرح، كانت تشبه حلقات من مسلسل كوميدي، كل من كان في القرية أو من زوار العرس، كان يستمتع بتلك التفاصيل، وربما يشارك بها، لم يكن عرساً تقليدياً بالمطلق، بل كان يتميز بأحداث وتفاصيل فنية واجتماعية كثيرة، الأهم أن الطفل كان يشارك الكبير، والشاب مع الصغير، والرجال مع النساء في رسم بهجة على تلك الأعراس. كثيرة هي المرات التي شاركتُ فيها بتلك المناسبات الطيبة، أحياناً كثيرة كنت أتفق مع عدد من رجال قريتي والقرى المجاورة للتوجه إلى منطقة ما، وقد تكون بعيدة، في سبيل المشاركة بتتويج عريس، ولم نكن ننتظر دعوة للمشاركة بفرحة عريس، ولو كان في قرية بعيدة عن قريتنا».

تتويج العريس حاكماً