قطعت المرأة في بلادنا أشواطاً كبيرة على مستويات عدة، في التعليم والثقافة والسياسة، واحتلت مواقع عديدة لصنع القرار، بدءاً من المدرسة وانتهاء بالسفارة والوزارة وأعلى مؤسسة حزبية قيادية، وأخيراً وصلت إلى موقع نائبة لرئيس الجمهورية.‏

ولعل من بين أبرز الأسماء التي أعطت ولمعت من الوجوه النسائية في محافظة الحسكة، الدكتورة هيام ضويحي، التي غابت مثلما تغيب الشمس وراء الأفق في نهاية يوم ربيعي ماطر، غابت... بعد أن حملت حقيبة السفر الأبدي، وفيها كل أسماء المحبين ومفردات عشق الوطن وعصافير الخابور. لم تكن هيام ضويحي إلا تعبيراً عن قرار الأنثى الجريئة في اقتحام أسوار المجتمع، وقطع الأسلاك الشائكة التي تحاصرها، لتعلن حضوراً يتجاوز جغرافياً مدينتها الوادعة، لتصبح بعد عراك مع الواقع المثقل بالتخلف والعجز، إسماً على كل لسان على امتداد ساحة المحافظة المترامية الأطراف، ثم لتنطلق بعد ذلك اسماً يحمل الكثير من الوعد على امتداد وطننا الحبيب سورية.

اليوم وكل يوم، نذكر الراحلة هيام ضويحي، وهي محطة وفاء والتزام بالواجب أن نستذكر هيام ضويحي، التي كانت قدوة لبنات جيلها اللواتي أعجبن بجرأتها وتخطيها للحواجز، فتكونت حولها أصوات وسارت على خطواتها فتيات، واثقات أن المرأة ليست ضلعاً قاصراً، وإنما هي قوة روح وفكر ورصيد للوطن، كما أضافت مع بنات جيلها إضافات مهمة في حقل الإبداع والثقافة، إضافة إلى دورها كقيادية في نطاق الحركة النسائية العربية السورية، مما يعني أن المرأة في محافظة الحسكة تجاوزت الإطار التقليدي الذي يحاصرها ويهمشها، إلى الفعل الاجتماعي والثقافي بكل ثقة واقتدار.

رحلت... لكنها حاضرة

لقد أعطت الراحلة هيام ضويحي من فكرها وأدبها الكثير، وعلى مدى سنوات عمرها، وحتى اللحظات الأخيرة من حياتها، التي حملت عبرها أعباء السنين بطموح يحتاج إلى عمر جديد.‏

كما ركزت الراحلة ضويحي اهتمامها في الكتابات التي نشرتها على الوطن، وثمة مقالات عديدة أبرزت القيم والمعاني والمنجزات، التي عبّرت عن مسيرة القائد الخالد حافظ الأسد، كما أعدت الراحلة دراسات متنوعة، منها بحث لم يستكمل حول نضال المرأة العربية السورية، وآخر حول إشراك المرأة السورية في مواقع القرار وتأهيلها إدارياً.‏

أضافت الراحلة مع بنات جيلها المبدعات، ومع الجيل اللاحق إضافات مهمة في حقل الإبداع و الثقافة، وتخطت بعضهن المحلية إلى العاصمة دمشق، فكان ما قامت به الراحلة ومن شاركنها في العطاء الفكري والإبداعي، تجسيداً لمرحلة تاريخية من عمر الوطن، مكنت المرأة من أخذ دورها الفاعل في الحراك الاجتماعي والثقافي، للإسهام في معركة البناء والتحرير.‏

أعدت ضويحي دراسات متنوعة، منها بحث لم يستكمل حول نضال المرأة العربية السورية، وآخر حول إشراك المرأة السورية في مواقع القرار وتأهيلها إدارياً، وهي كانت من الرائدات من أبناء جيلها في المشاركة في الشأن العام، ويعود ذلك أولاً إلى النشأة الأسرية التي يشتغل معظم أفرادها في حقل السياسة والوظائف العامة، كل ذلك، إضافة إلى مشاركتها في قيادة مؤسسات ومنظمات شعبية «الشبيبة والطلبة والاتحاد النسائي..».. أتاح لها حضوراً في الحياة الوطنية على مستوى محافظة الحسكة، ومكنها من الوصول إلى عضوية المؤتمر القطري السابع لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث انتخبت كعضو في اللجنة المركزية للحزب، ونائبة لرئيس مكتب الأمانة القطري.

درست الراحلة في مدارس الحسكة، وحصلت على شهادة أهلية التعليم الابتدائي، وعملت معلمة في الأرياف وفي مدارس مدينة الحسكة، ولم يتوقف طموحها عند هذا الحد، فواصلت دراستها الجامعية حتى حصلت على الإجازة الجامعية باللغة العربية والماجستير، ثم تابعت الدراسة حتى حصلت على شهادة الدكتوراة من أكاديمية العلوم الروسية بدرجة امتياز، عن بحث أعدته بعنوان: «الرواية السورية في سورية».. وقد لقي هذا البحث عند نشره أصداء طيبة من النقاد العرب.