شاعر ومخترع وفنان سوري، يكتب القصيدة النثرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، بسلاسة وروح عذبة وشفافة، قصيدته دائما مفتوحة على الأفق الواسع.

إنه المخترع والكاتب والباحث وقبل كل شيء العامل، "صباح قاسم" الذي زارته eHasakeh في مدينة "عامودا" القابعة في شمال محافظة "الحسكة" بتاريخ 1/9/2008. والتقته في محله الصغير لتسمع ضجيج المكنات وصوت المطرقة على السندان، فهو بالأساس "حداد".

الحدادة شعر وفن بالنسبة إلي، ومن خلال الحدادة استطعت الدخول إلى عالم الآثار، كونها تعتمد على الإحساس بعد إعطائها شيئاً من داخلي لتصبح هذه القطعة الباردة ذات إحساس وجمال

يجيب "صباح قاسم" عن كيفية التوفيق بين الحدادة والفن: «الحدادة شعر وفن بالنسبة إلي، ومن خلال الحدادة استطعت الدخول إلى عالم الآثار، كونها تعتمد على الإحساس بعد إعطائها شيئاً من داخلي لتصبح هذه القطعة الباردة ذات إحساس وجمال».

ولأنه ابن "عامودا" الشرعي، وبيوتها الطينية وشاهد محرقة سينما "عامودا"، عاش غياب طفولة مدينته لعقد من الزمن، عمل سنوات عدة مع فرقة "اوركيش" في تل "موزان" الأثري، واشبع عينيه من النظر في أرجائها، وشرب من صفاء ينابيعها الزلال ومن نواعيرها، وسامر جنونها الجميل. وسار على سكتها الحديدية شرقاً وغرباً، وغطس في غديرها مرات ومرات، هذا ما يؤكده ويقول بأعلى صوته: «نحن أحياء التاريخ، لا تقلق.. ولا تكن مندهشا، فالمكان "عامودا" امرأة المودة، الزمان تشرين المطر، التاريخ تسعمئة وستون بعد الألف، الشاهد.. أسماؤنا، وتواريخ ولادتنا، منقوشة على شواهد المقابر، نحن بقايا صور.. في كتاب الزمن»

كما أن "صباح قاسم" واحد من الأصوات الشعرية التي أفرزتها فترة الثمانينيات حضوراً وإنتاجاً في المشهد الثقافي والأدبي في الجزيرة السورية. ليحدث eHasakeh عن إبداعاته.

*ماذا عن حياتك الفنية؟

**«لم استطع إكمال دراستي بسبب الوضع المعيشي والمادي الصعب والظروف التي أحاطت بأهلي يومها، لذلك تركت المدرسة واضطررت للعمل على الرغم من تفوقي الدراسي ولم استطع الحصول إلا على أهلية التعليم الابتدائي. ولكني لم انقطع عن القراءة والمطالعة، ما كون لدي الكثير من المعارف. واستطعت أن أصدر مجموعتين شعريتين الأولى بعنوان "أمسيات في الذاكرة" والثانية "يوميات صنعت كار أفندي" بالإضافة إلى عدد من المخطوطات الشعرية والدراسات التاريخية. وعدة مقالات حول مملكة "أوركيش" والآن بصدد طباعة كتاب "ماردين عبر العصور" ومجموعة شعرية بعنوان "هي التي كانت تقول"، كما أقوم بإعداد كتاب أكاديمي يتحدث عن كيفية تعلم ترميم الآثار».

*كيف استطعت الدخول بمجال الآثار؟ وما هي اختراعاتك!...

**«في البداية كنت أقوم بالمساعدة "كحداد" ولكني استطعت تطوير نفسي بعد فترة، وتعرفت على الكثير من الخبراء العاملين بالآثار، ومن خلال ممارستي للمهنة قمت باختراع "قطار يعمل بالدفع الذاتي" يقوم بمهمة نقل الأتربة من الأسفل إلى الأعلى ويعمل بمعدل كل /2/ دقيقة بنقل ما يقارب /1/ طن من التراب. والذي أحدث ضجة كبيرة وهائلة في المجال الأثري، ونلت عليه براءة اختراع من "جامعة كاليفورنيا" في "لوس انجلوس".

كما قمت بتصنيع "مثقب" يعمل بدرجة (180) درجة أفقي و (180) درجة عمودي، مهمته تثبيت الجدران الأثرية المتشققة من الردم. كما اخترعت جهازاً لتجفيف الحقل الأثري المتعرض للمياه فترة الأمطار بطريقة غاز "الميتان"، يعمل بمعدل كل /2/ ساعة بتجفيف ما يقدر بـ/40/ دونماً. وكنت أول من أدخل "ليف الحمام" في مجال الترميم كمادة داعمة، وأول من استعمل عود البلوط في الجدران المتشققة لتثبيتها.

كما استدعيت للمشاركة بترميم مدينة "قطنا" الأثرية والتي تحوي على تفسخات كبيرة في الجبل والحفاظ على الجبل من الانهيار».

*ما هي مشاركاتك الفنية المحلية والعالمية؟

**«أقمت معرضاً ضخما للتراث شمل على أكثر من /200/ مجسم في محافظة "السويداء" وتتحدث هذه المجسمات عن الأدوات القديمة المستخدمة في الجزيرة. ومعرض للاتحاد النسائي بـ"القامشلي" ومعرضاً بمدينة "عامودا"».

حضر "صباح قاسم" الكثير من المؤتمرات العالمية منها: "صم باز يون"- ومؤتمر "ماردين ثالث أقدم مدينة بالعالم".

وكتب البروفسور "جورجيو جيو بو جيلاتي" عالم الآثار في "أوركيش" في مقدمة كتاب "يوميات صنعت كار أفندي": «سمعت الكثير من الأصوات الجديدة مفعمة بمعنى حيوي لم ألقنه ولكنني رضيت به وأذعنت له، استطعت التجول بين المنازل والمساجد والكنائس لا من أجل الوقوف على الأطلال، بل لاكتشاف تلك المقدرة والإبداع والمواكبة لتشكل المواد الخام وقد قدر لي الإصغاء إلى الأصوات المسموعة ومقروءة أيضاً وكان "صباح قاسم" هو الصوت الأسمى والأكثر رفعة بين هذه الأصوات».

ويقول الفنان والنحات "سعيد محمد درويش": « "صباح قاسم" هو أحد الجنود المجهولين على الساحة الفنية والأدبية، هو الشاعر والحداد يطلعنا على هذه المحاورة الجميلة الصادقة بينه وبين مهنته ألا وهي الحدادة هذه المهنة القاسية ربما من وجهة نظر البعض لكن تختلف الرؤية والإحساس عند "صباح قاسم" إذ يرى فيها قمة الإبداع والشعرية في تعامله معها حتى يغازلها في أحاديث كثيرة».