تخلّت عن نعيم الشباب، ولم تذق طعمه؛ فقد فرضت الظروف عليها تربية أسرتين وهي في مقتبل العمر، وسطرت مواقف رائعة في إدارة منزلها وتفوّق أسرتها، فكانت نموذجاً متميزاً للمجتمع كلّه.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 3 أيلول 2017، التقت "خديجة جيجو" في مدينة "القامشلي"، التي قالت عن رحلتها منذ البداية: «عمري لم يكن يتجاوز العام الواحد، عندما انتقلت من مدينة "حلب" إلى مدينة "الحسكة" بحكم عمل الوالد، كنتُ أحب التعليم، لذلك حافظت على البقاء بين المراكز الأولى من الصف الأول حتّى التاسع، إضافة إلى ذلك شاركتُ ضمن منتخبات المدارس بلعبة الشطرنج، وأكثر من مرّة كان نصيبي بين الأوائل على مستوى المحافظة، لكن بعد نيل شهادة التعليم الأساسي توقف طموح العلم وانتهى نعيم الشباب، فقد دخلتُ القفص الذهبي، وزوجي كان متزوجاً من أخرى، ولديه 8 أطفال، تحملت بنفسي تعليمهم بمختلف مراحل الدراسة، ونتيجة جهدي الكبير حقق أغلبهم مراكز متقدمة على مستوى مدينة "حلب" بحكم زواجي فيها، ولقد تحقق لهم ذلك التفوّق لأنني وضعتُ لهم برنامجاً تعليمياً يومياً، لا يقل عن ست ساعات. وبعد مرور السنين أنجبتُ أيضاَ 8 أطفال، بات مجموع الذين أقوم بتعليمهم 16 شخصاً في منزل واحد، مع الحرص على تألقهم في ميادين التعليم، وباتوا حديث الناس في المدينة، وأشاد الأهالي بجهدي في تعليمهم المثالي».

زارت المشروع قبل عدة سنوات، لأنها ترعى الأطفال الأيتام عندها، وفية ومخلصة بكل ما تقدمه، سواء لأسرتها، أو في مكان العمل الذي قمنا بتأمينه لها، هدفها الاعتماد على نفسها، وإثبات قدرة المرأة على إدارة الأسرة، فالمركز الذي تشرف على نظافته وترتيبه يعدّ أفضل مركز من بين 22 مركزاً على مستوى منطقة "القامشلي" وريفها، وهناك إشادة يومية بعملها الراقي، علماً أنها في بحث يومي من أجل كسب أي دعم معنوي لأطفالها الأيتام، وحريصة جداً عليهم وعلى بقائهم ضمن المجتمع بالصورة المثلى

مرحلة جديدة ذاقتها "خديجة" بعد العودة مجدداً إلى محافظة "الحسكة"، عن ذلك تحدّثت: «خلال سنوات الأزمة، وتحديداً بعد وصولها إلى مدينة "حلب" تشتّتت أسرتنا، وفقدنا الزوج، وبقيت وحيدة في المدينة مع أطفالي، شاهدت كل أشكال القهر والخوف في أيام عديدة، حتّى خرجت منها بقدرة عجيبة، وضحيتُ بالكثير من أجل إخراج أطفالي من نقاط الاشتباك المسلح، فوصلتُ إلى مدينة "القامشلي" وأنا لا أملك أي شيء، لكنني تسلحت بالعزيمة والإرادة، فالهدف الحفاظ على الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصالحة، بدأتُ البحث عن عمل أستطيع إعانة نفسي وأسرتي، ووفقت في ذلك، فبعد الدوام في مركز تابع لإحدى الجمعيات الخيرية منذ الصباح حتى العصر، تكون العودة إلى المنزل لتعليم الأطفال وتجهيز الطعام وترتيب المنزل، بعدها أبدأ صناعة المؤونة لأسر تطلب مني ذلك، وأتحمل جهداً كبيراً في هذا العمل أيضاً، لكنني مضطرة إلى فعل ذلك، حتّى أقدم لأسرتي أدنى متطلبات الحياة. إضافة إلى ما ذكر قمتُ بتعليم اثنتين من بناتي مهنة الحلاقة النسائية، وأصبحتا متميزتين فيها، هذا الحال منذ ثلاث سنوات، وسأستمر حتى يصل أبنائي إلى أبعد مراحل التعليم».

لا تعرف الراحة من أجل أبنائها

بدوره "رضوان سيد علي" مشرف على مشروع الأيتام في مدينة "القامشلي"، تحدّث عن "خديجة" بالقول: «زارت المشروع قبل عدة سنوات، لأنها ترعى الأطفال الأيتام عندها، وفية ومخلصة بكل ما تقدمه، سواء لأسرتها، أو في مكان العمل الذي قمنا بتأمينه لها، هدفها الاعتماد على نفسها، وإثبات قدرة المرأة على إدارة الأسرة، فالمركز الذي تشرف على نظافته وترتيبه يعدّ أفضل مركز من بين 22 مركزاً على مستوى منطقة "القامشلي" وريفها، وهناك إشادة يومية بعملها الراقي، علماً أنها في بحث يومي من أجل كسب أي دعم معنوي لأطفالها الأيتام، وحريصة جداً عليهم وعلى بقائهم ضمن المجتمع بالصورة المثلى».

يذكر أن "خديجة جيجو" من مواليد "إعزاز" في محافظة "حلب"، عام 1980.