لم تستسلم لسنوات العمر الطويلة، التي نذرتها لخدمة الناس، وللنساء خاصة، واجتهدت في أمور كثيرة، وأتقنتها بجدارة، مثل التداوي بالأعشاب الطبيّة، وامتهانها مهنة "الداية"، وأداء الواجبات الاجتماعية الكثيرة عمل يومي ضمن برنامجها.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 3 تموز 2018، زارت "فاطمة إبراهيم الرومي" في منزلها بمدينة "القامشلي" الذي خصصت جزءاً كبيراً منه لخدمة الناس، وعن تلك العناوين الجميلة في حياتها من أجل أبناء منطقتها، تحدّثت قائلة: «منذ صغري، بحكم كنت أكبر الإخوة، حملتُ على عاتقي أعمال البيت الكثيرة، وتربية الأنعام والخيول والطيور، والعمل في الأرض والحقول. شاهدتُ أمامي والديّ يعملان للمساعدة والخير والمحبة، وسرتُ على نهجهما. في تلك المرحلة المبكرة كانت لي مساهمات يوميّة لمساعدة الجيران وأهل قريتي، حتى القرى المجاورة، المحتاج يلبى طلبه مهما كان، إضافة إلى ذلك، وفي عمر مبكر أيضاً استوعبت قضايا كثيرة، منها معرفتي بعدم وجود نقاط طبية في الريف، فكان قراري امتهان مهنة "الداية"، لم تكن لدينا دايات، لكنني استعنت بخبرة بعض كبيرات السن لكسب المعلومات العامة، وبعد وقت قصير، باشرتُ عملي ضمن أسرتي ونساء قريتي والقرى المجاورة، وكثير من الأحيان اتجهت في وقت متأخر من الليل لأداء الواجب، ومرات كثيرة استقبلتُ نساء يرغبن في الولادة في منزلي بوقت متأخر، وليس هذا فحسب، بل كنت أجهز إفطار الأم التي ولدت حديثاً مهما يبتعد منزلها، فقط لمجرد سماعي بذلك النبأ، فالإفطار يتألف من (سمن عربي، وحب ناعم، وخبز يختلط معهما)».

طيبة وكريمة، تعرفت إليها بعد سماعي عن أفعالها الرائعة، نتواصل معها في كل ما نحتاج إليه، ولا تتردد في أي مساعدة نطلبها، تحب الخير وتعمل من أجله، نشرت ثقافة جميلة في منطقتنا، فكل أطياف المنطقة وألوانها يزورونها، ويستفيدون من خبرتها. ومع أنها امرأة كبيرة، إلا أنها تقوم ببناء البيوت الطينية، وعلّمت كافة أفراد أسرتها عمل الخير، وتعلّمهم كيفية مساعدة الناس، وحتى اليوم لا تكل ولا تمل من زيارة مريض وتقديم ما يحتاج إليه، أو زيارة اجتماعية، أو أداء واجب ومساعدة، إنها نموذج طيب في منطقتنا

وتتابع "فاطمة" عن رحلتها الشاقة والمثمرة: «لأنني ولدتُ في الريف الذي تغيب عنه النقاط الطبية وأهل الطب، توجّهتُ إلى البرية، أجمع الأعشاب المختلفة، بعضها لدي فكرة عنها، ودورها في صحة الإنسان، وبعضها الآخر أسأل عنه، أو أجربه على نفسي، لتكون عندي قائمة طويلة من تلك الأعشاب، لكل نوع وصفة، وبعض الأعشاب تخلط لأمراض معينة. هذا إلى جانب جبر الكسور والرضوض، وأغلب اللاعبين الذين يصابون في المباريات، وهم من المنطقة يقومون بزيارتي من أجل معالجتهم.

تعلم أحفادها رسالتها

وعندما رحلنا إلى المدينة في السبعينات، تابعت عمل "الداية"، وجمع الأعشاب من البرية، وأحياناً التواصل مع أهلي في القرى البعيدة، لتأمين أنواع معينة من تلك المناطق، ومرات أخرى أقوم بشراء أنواع غير موجودة في البرية من سوق الأعشاب، كل ذلك مجاناً أقدمه، حتّى لا يزورني مريض أو محتاج ويُرد خائباً، وبعض الأنواع أشتريها من السوق وأزرعها في ساحة داري، وهناك أنواع تحتاج إلى جهد جسدي، مثل الطحن والمراقبة بوجه دائم، إلى جانب نقلها من مكان إلى آخر. وفي القرية والمدينة، أقوم بغسل النساء الأموات، كواجب إنساني لقلة النساء اللواتي يقمن بهذا الأمر».

"سعدية علي" من نساء ريف "القامشلي" تحدّثت عن جوانب من خصال "فاطمة"، فقالت: «طيبة وكريمة، تعرفت إليها بعد سماعي عن أفعالها الرائعة، نتواصل معها في كل ما نحتاج إليه، ولا تتردد في أي مساعدة نطلبها، تحب الخير وتعمل من أجله، نشرت ثقافة جميلة في منطقتنا، فكل أطياف المنطقة وألوانها يزورونها، ويستفيدون من خبرتها. ومع أنها امرأة كبيرة، إلا أنها تقوم ببناء البيوت الطينية، وعلّمت كافة أفراد أسرتها عمل الخير، وتعلّمهم كيفية مساعدة الناس، وحتى اليوم لا تكل ولا تمل من زيارة مريض وتقديم ما يحتاج إليه، أو زيارة اجتماعية، أو أداء واجب ومساعدة، إنها نموذج طيب في منطقتنا».

تزرع أنواعاً كثيرة من الأعشاب في منزلها

يذكر أن "فاطمة الرومي" من مواليد قرية "دلي حرب" في ريف "القامشلي"، عام 1938.