امتازت لعبةُ "بري" بالحيوية والنشاط والحماس، ومارسها الكبار قبل الصغار، فكانت تعزيزاً للحالة الاجتماعية بين طبقات وفئات المجتمع كافة، ولم يبقَ منها اليوم إلا ذكرياتها البعيدة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 1 كانون الأول 2019 التقت عدداً من كبار السن، من أبناء ريف "القامشلي"، للحديث عن لعبة "بري"، والتفاصيل الخاصة بها، فتحدث الحاج "صبري نور الدين علي" من أبناء بلدة "القحطانية"، حيث قال عنها وعن ذكرياته معها: «أجمل ما في هذه اللعبة أنها كانت تلعب عند وجود ضيوف لقريتنا أو بلدتنا من خارج المنطقة، ليشاركونا اللعب والمنافسة، لأنّها لعبة مبنية على أساس فريقين، تتطلب سرعة ونباهة وحكمة للوصول إلى اختراق الفريق المدافع بنجاح، لم يكن يهمنا الفوز أو الخسارة، بقدر الاستمتاع بها وإسعاد ضيوفنا، وكان الضيوف يتوزعون على الفريقين، ومن المعيب أن يكونوا طرفاً لوحدهم، الكثير من الضيوف كانوا يخصصون زيارات لقرى أخرى من أجل المشاركة في هذه اللعبة فقط، أحياناً كثيرة تجرى بين فريقين وكل طرف من قرية معينة، حيث تكون القرى مجاورة لبعضها، ويوجد جمهور للطرفين، وأهم إيجابية فيها أنّ الكبار والصغار كانوا معاً ضمن فريق واحد، ونادراً ما تكون الألعاب القديمة تشمل على فئات مختلفة في فريق واحد، كانت لحظات جميلة جداً، غابت اللعبة بشكل نهائي، لكن تفاصيلها وأحداثها ما زلنا نرويها لأبنائنا».

عند التحام المهاجمين كانوا بحماس يهتفون عالياً: (تف كتي تف رابين) يعني التعادل غايتنا، لا غالب ولا مغلوب، وكثيراً ما كان اللعب بين شباب القرية وضيوف القرية ممن كانوا يأتون مع أغنامهم من مناطق مختلفة

ومن الذين يسمعون قصّة تلك اللعبة، ولم يشاهدوها "بنكين أحمد بدر الدين" من أهالي ريف "القامشلي" تعرّف عليها من خلال جده فقال عن ذلك: «يرويها لنا في فترات زمنية مختلفة، خاصة في فصل الشتاء، حيث نجتمع عدد من شباب أسرتنا حوله، ويبدأ بسردها بأدق التفاصيل، ونعيش جو تلك اللعبة، بدت من خلال حديث جدي المستمر عنها، بأنها لعبة ممتعة وجميلة وشيّقة، فيها أشياء مميزة، الكبار والشباب والصغار يجتمعون ويلتقون في ساحة من ساحات اللعب والمرح، والأهم أن الجمهور من النساء والفتيات يجلسون هنا وهناك للتشجيع والدعم، نأمل أن نلعبها مع جدي ووالدي ومن هم في عمري ولو لمرّة واحدة».

ساحة من ساحات اللعبة في الماضي

الباحث في التاريخ "عمر إسماعيل" بين تفاصيل تاريخيّة عن اللعبة، فقتا: «لعبة "بري" هي لعبة كانت تمارس في فصلي الشتاء والربيع، تحديداً عندما يكون الجو صحواً وغير ماطر، يجتمع شباب القرية ورجالها أمام القرية في ساحة كبيرة من ساحاتها، اللعبة عبارة عن فريقين فريق مدافع عن منطقة معيّنة يقف في منتصف الساحة، والمدافعون يمتدون منها وعلى نسق واحد، بحيث تكون المسافة بين كل لاعب ولاعب مترين إلى ثلاثة حسب طبيعة وقوة الفريق المهاجم، والفريق الآخر هو المهاجم، يهاجمون بهدف قص النسق واختراق المدافعين، إذا نجح أحدهم في المرور من دون أن يصيبه أحد يحكم على بعض المدافعين بالخروج من اللعب، حتى لا يبقى أحد من المدافعين، ويكون الفريق الخاسر، أو يعجز المهاجمون عن الاختراق فيكون الفريق الخاسر، وصاحب العدد الأكبر هو المتوج بالفوز».

يختتم الباحث حديثه: «عند التحام المهاجمين كانوا بحماس يهتفون عالياً: (تف كتي تف رابين) يعني التعادل غايتنا، لا غالب ولا مغلوب، وكثيراً ما كان اللعب بين شباب القرية وضيوف القرية ممن كانوا يأتون مع أغنامهم من مناطق مختلفة».

رجال الماضي في ساحة من ساحات اللعبة