حضارة عظيمة أرّخت سدول هيبتها على المنطقة، فهي المتحكمة بالطريق التجاري الواصلة بين عدة مدن في حوض "الخابور الجنوبي" و"وداي الفرات"، تجسدت بلقى وتماثيل ورقم مسامرية تعود إلى حضارتين.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث في مجال الآثار "إسلام معروف" بتاريخ 5 تموز 2014، حيث يقول: «على الضفة اليمنى لنهر "الخابور" تل عريق وضخم كان شاهداً على حضارات عريقة، هو ما تبقى من مدينة "عربان" وهي أكبر مدينة عرفها التاريخ في الفترة اليونانية، التي بناها العرب أثناء الحكم اليوناني وقد كانت حاضرة عظيمة، لا تقل في هيبتها عن "تدمر"، وقد استمرت المدينة حتى العصور الإسلامية حيث تنبه الخلفاء الأيوبيون والزنكيون لأهمية هذا الموقع من النواحي الاستراتيجية والعسكرية، من خلال صد هجمات التتار والمغول، حيث بنى هناك "نور الدين الزنكي" أكبر جسر لعبور نهر "الخابور"، لتمكين المقاتلين والتجار من العبور إلى الطرف الآخر دون الذهاب إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات المغولية».

في العصور الآشورية قبل 900 سنة من الميلاد عرف الملوك الآشوريون أمثال "حدد نيراري" و"تيكولتي نينورتا" أهمية المدينة للسيطرة على حوض "الخابور الجنوبي" ومنطقة "وادي الفرات"، وتميزت المدينة بأسوارها الضخمة وتماثيلها التي تبرز الثور المجنح الآشوري المعروف بضخامته وهيبته، وكان الناس في تلك الفترة يقدمون النذور ويدفعون الضرائب للآلهة

يتابع: «في العصور الآشورية قبل 900 سنة من الميلاد عرف الملوك الآشوريون أمثال "حدد نيراري" و"تيكولتي نينورتا" أهمية المدينة للسيطرة على حوض "الخابور الجنوبي" ومنطقة "وادي الفرات"، وتميزت المدينة بأسوارها الضخمة وتماثيلها التي تبرز الثور المجنح الآشوري المعروف بضخامته وهيبته، وكان الناس في تلك الفترة يقدمون النذور ويدفعون الضرائب للآلهة».

أحد أبواب مدينة عربان

ويضيف: «بدأت الدراسات الأثرية لسهول "الخابور" مرحلتها الأولى في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، عندما ورد نبأ للباحث الإنكليزي "أوستن هنري لا يارد"؛ الذي كان يعمل في موقع "نمرود"، أنه تم اكتشاف تمثالين كبيرين في "تل عجاجة"، مما دعاه إلى تنظيم حملة استكشافية خاصة للتنقيب في هذا التل الأثري، وفعلاً تم التوجه إلى المنطقة في ربيع عام 1850 ميلادي، حيث أجرى سبرين طوليين في التل، عثر خلالهما على بقايا قصر آشوري وعدد من التماثيل وكؤوس عليها نقوش، إضافة إلى خمس منحوتات تمثل ثلاثة ثيران لها رأس إنسان وسبع وجني (أي مخلوقات الجن)، وهكذا قادت تلك الشواهد إلى اعتقاد العلماء أن هذا التل يخفي في ثناياه مدينة "شاديكاني"، التي ورد ذكرها في سجلات الملوك في القرن في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وهم "حدد نيرا ري"، "تيمولتي نينورتا"، و"آشور ناصر بعل الثاني"».

ويتابع: «كما استطاع العالم "ج. سميث" من خلال اعتماده على النصوص المسمارية المكتشفة في الموقع، أن يُعرّف هذا التل الفخم بمدينة "شاديكاني"، حيث كان هذا التل الوحيد الذي تمكن الباحثون من معرفة هويته الحقيقية، وبالتالي معرفة اسمه الأصلي، كما أجرى "لايارد" أبحاثاً أثرية في "الخابور" الأعلى كشفت عن بقايا تل "مجدل"، مشيراً إلى أن الأبحاث توقفت في الفترات اللاحقة، حيث تعد محافظة "الحسكة" من المحافظات الغنية بالتلال الأثرية، التي يرقى عددها إلى 1200 تل أثري، تم التنقيب في عدد كبير من هذه التلال، ومازالت التلال الأخرى على حالها، فقط أجريت بعض الأمور التوثيقية للتلال».

الثور المجنح

من جهته أوضح مدير دائرة الآثار في المدينة "خالد أحمو" أنه أجريت عملية تنقيب في التل بالتعاون بين مديرية آثار "دير الزور" والبعثة الألمانية، ويقول: «أسفرت هذه البعثة عن عدد من اللقى الأثرية المهمة، فقد وجد المنقبون خلال العمل في ثمانينيات القرن الماضي منحوتات حجرية تعود إلى العصور الآشورية، وتضم ثوراً مجنحاً، وهو ما كان يضعه الآشوريون على أبواب القصور للحراسة ويسمى "لاماسو"؛ وهو يشبه التماثيل الموجودة في محافظة "دير الزور"، إضافةً إلى بعض اللقى والرقم المسمارية، لافتاً إلى أن سكان المنطقة الذين عاشوا في فترات قريبة ذكروا وجود جسر مقنطر يشبه جسر "عين ديوار"، ومازالت بقاياه إلى هذه الأيام، وهو ما يدلل على صحة ما تناقله سكان المنطقة، ويمكن القول إن مدينة "عربان" هي نفسها "شاديكاني" في الفترة اليونانية».

يذكر أن الموقع الأثري يوجد على "نهر الخابور" إلى الجنوب من مدينة "الحسكة" بنحو 30 كيلومتراً.