استطاعت الفنانة التشكيلية "حنان الشامي" بتشكيلاتها النحتية أن تمسك بالزمن بعفوية وتلقائية مطلقة، فاستعادت أحلام طفولتها الملونة وعاشت مع الطبيعة وعناصرها بروح شفافية وشاعرية مطلقة ضبطت إيقاعاتها اللونية، فتجاوزت التقليد برسمها، لتذهب نحو الاختزال والاختصار.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 10 تشرين الأول 2018، مع الفنانة التشكيلية "حنان الشامي" لتحدثنا عن بداياتها، فقالت: «ولدت في بلدة "بانياس" على الساحل السوري، حيث قضيت أجمل طفولة، ودرست الجزء الأول من المرحلة الابتدائية في مدرسة "الراهبات"، كنت دائماً أمارس هواية الرسم بشغف وحب على دفاتري ودفاتر إخوتي، وخاصة في العطلة الصيفية، وأحب الألوان كثيراً متأثرة بالطبيعة الخلابة من بحر أزرق وبساتين خضراء على مد النظر، وجبل حنون يحضن المدينة. انتقلت مع أهلي إلى مدينة "حمص"، وأكملت المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ونلت التشجيع من معلمتي التي آمنت بموهبتي واحتضنت ريشتي وألواني بحب. ثم انتقلنا إلى "دمشق" وتطورت أعمالي، حيث رسمت بالألوان الزيتية وشاركت بمعارض مدرسية ونشاطات فنية، وكانت أعمالي تحوز إعجاب المدرسين والأهل والأصدقاء، وبعد أن حصلت على الشهادة الثانوية انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة لصقل موهبتي واكتساب العلم والمعرفة باختصاص اتصالات بصرية، تخرّجت في الجامعة بداية الثمانينات، وعملت مباشرة بتصميم الإعلانات لجهات خاصة، ثم عملت في مؤسسة الإسكان العسكرية».

تصقل الموهبة وتقدم معلومات ودراسات مبنية على القواعد والأصول في مختلف أنواع الفنون، فتهيّئ الطالب لينطلق بعد التخرج إلى عالم جديد يبدأ بالبحث عن أسلوب يتميز ويتفرد به، وبحسب تجاربه وتقنياته وبحثه الدائم تزداد خبرته وعلومه ليضع بصمته الخاصة

وعن مسيرتها المهنية قالت: «بدأت رحلتي مع الحياة العملية بالتصميم الداخلي وتصميم الأثاث والموبيليا ورسم زخارف ودراسات بالتراث الشرقي، وقد نفذت جميعها بوزارات ومؤسسات وهيئات الدولة، وعندما كنت أجد متسعاً من الوقت، كنت أعمل لإشباع هوايتي برسم لوحات صغيرة بألوان الباستيل أو المائية، وقد تأثرت كثيراً بأعمال جدي المعلم الفنان "حنا الشامي" الموجودة في بيت العائلة بـ"حمص"؛ فلوحاته التي تحتضنها جدران المنزل كانت تشع دفئاً، وكان له أعمال كثيرة في كنائس ريف "حمص" وكنيسة "أم الزنار". لقد صقلت موهبتي بالمثابرة على الرسم ومتابعة النشاطات والمعارض الفنية».

من مشاركتها بمعرضها الأخير امرأة ووطن

وعن أعمالها والمواضيع التي تشدها، قالت: «لم أصل إلى مرحلة الرضا التام، فأنا دائماً أشعر بأنني أستطيع أن أقدم الأفضل والأجمل، عندما أبدأ الرسم أكون بحالة شوق وحنين للعمل، فلا أشعر بمرور الوقت؛ لأنني أعمل بشغف وصدق ومحبة وفرح، والموضوع الذي يستهويني هو الذي يحرك ويحفز الجمال الذي ينبع من أعماقنا الإنسانية، وينقل أحاسيسنا بصدق إلى سطح اللوحة، فيكون كل شيء جميلاً وخلاقاً، فأنا عاشقة للطبيعة بكل تفاصيلها وإبداعاتها، وريف بلدنا الجميل بتفاصيله وأحجاره ورائحته العطرة».

وعن طريقة عملها وعلاقتها مع اللوحة، أضافت: «أطمح دائماً إلى الوصول للأفضل، وعندما أرسم أكون بحالة سلام داخلي، وأكون مستعدة نفسياً لهذا العمل ليكون ناجحاً، فالرسم تشكيل وتكوين فني على مساحة مسطحة ذو بعدين، وإحساس الفنان هو البعد الثالث، ويلعب المنظور دوراً مهماً في بعض الأعمال. بالنسبة لفكرة العمل تكون موجودة من البداية، لكن عندما أبدأ الرسم تحصل تطورات وتعديلات كثيرة تخدم العمل، وعلى الأخص عندما ألون تأخذني ريشتي إلى عوالم ساحرة يتجلى فيها جمال الألوان المائية بشفافيتها وعفويتها وبأسلوبي الخاص؛ فتعطي انطباعاً جميلاً. تهمني ملاحظات المقربين مني لأن نظرتهم تكون مختلفة وتفيدني أكثر الأحيان، وخاصة إذا كنت مقتنعة بها تماماً. يُسكن النحت فؤادي ويحرك مشاعري وأشواقي، وخاصة الأشخاص الذين ينتمون إلى البيئة الشعبية، فهو فن لحجوم ثلاثية الأبعاد؛ فالحياة الطبيعية البسيطة أعطتهم جمالاً وقدرة على الجذب، وأعمالي النحتية صغيرة ولا تحتاج إلى جهد عضلي، بل تحتاج إلى الدقة والإتقان، حيث أضع في البداية الفكرة وأرسمها بكل الأوضاع لأصل إلى الشكل المطلوب وأنفذ الهيكل باستعمال الأسلاك المعدنية، وأحركها حتى أرضى عن التصميم، ثم أكسوها بمعجونة لينة من النشاء والغراء وأتركها مدة من الزمن حتى تجف وتتصلب، ثم أطليها، وأنا أستمتع بكل تفصيل من أعمالي الفنية، فهي تعبّر بصدق عن أحاسيسي ومشاعري».

صورة ملتقطة من إحدى مشاركاتها برفقة الإعلامية ماريا ديب

وعن رسالتها، أضافت: «الفن له دور فعال في بناء مجتمع متماسك وقوي، ورسالتي أن أنشر الفرح وأحارب الجهل والقبح بالثقافة والجمال والحق. اللوحة المبنية بشكل صحيح والمشغولة بحب هي فن ثقافي تشارك في تطوير المجتمع بكل المجالات، وتنقل ثقافات وحضارات العالم؛ وهذا ما لمسته من مشاركتي بالمعارض؛ إذ تسهم بتطوير الحركة الفنية التشكيلية والثقافية ويتفاعل الناس معها مباشرة، وآخر معرض شاركت به حمل عنوان: "امرأة ووطن"، وكان معرضاً جماعياً يضمّ عشر فنانات بمناسبة عيد المرأة».

وعن أهمية الدراسة الأكاديمية، قالت: «تصقل الموهبة وتقدم معلومات ودراسات مبنية على القواعد والأصول في مختلف أنواع الفنون، فتهيّئ الطالب لينطلق بعد التخرج إلى عالم جديد يبدأ بالبحث عن أسلوب يتميز ويتفرد به، وبحسب تجاربه وتقنياته وبحثه الدائم تزداد خبرته وعلومه ليضع بصمته الخاصة».

صورة مشتركة لمجموعة من أعمالها النحتية

الناقد والفنان التشكيلي "أديب مخزوم"، قال عن أعمال "الشامي": «في لوحاتها وتطلعاتها شفافية وشاعرية وتحولات ألوان الطبيعة، إذ‏ تجسّد المشهد الطبيعي المحلي والعناصر النباتية والإيقاعات اللونية لعناصر الاشكال القادمة من تأملاتها المباشرة أو معطيات الذاكرة، وتتحول ألوان الطبيعة في لوحاتها مع تعاقب الفصول والأزمنة.‏ هكذا تفتح وعيها على حب الفن القادم من علاقتها المباشرة وغير المباشرة مع جماليات المشاهد الطبيعية في حالات التألق والشاعرية، وتأملات الأشكال النباتية الممتدة على جدران ونوافذ ومداخل وشرفات البيوت، وخاصة في الأرياف الساحلية، المكشوفة على الضوء واللون وتحولاته في الفصول الأربعة. وتتمحور معظم لوحاتها حول أحلام طفولتها المستعادة والمقروءة في لمسات خطوطها وألوانها العفوية ومواضيعها المطروحة، ولا سيما المواضيع التي تعكس تخيلاتها لسحر الطبيعة والريف.‏ ومن الناحية التشكيلية تتفاوت لوحاتها ما بين الواقعية والانطباعية، حيث تبرز تداخلات لونية مختلفة في تحولاتها نحو أجواء التشكيل الحديث، وذلك بإظهار الشفافية المتتابعة والمتجاورة التي تظهر عناصر الطبيعة وشاعريتها وغنائيتها، وهنا تتجاوز أسلوب الرسم بلمسة تقليدية وتسجيلية، وتصل إلى حدود استخدام اللمسات والحركات العفوية والتبقيع اللوني الذي تتطلبه اللوحة المائية الحديثة، وصولاً إلى استخدام التمازج اللوني الموزع في أحيان كثيرة على سطح اللوحة من دون إعطاء أهمية للثرثرة التفصيلية واللغة التقريرية.‏ هكذا تعمل على تحويل اللوحة إلى إيقاعات شاعرية وغنائية، وتبدو أكثر اتجاهاً نحو التبسيط والاختصار والاختزال».

يذكر أن "حنان الشامي" من مواليد "بانياس"، عام 1958.