بالإبرة والخيط تنقلك الحرفية "ليندا الشريفي" برحلة لتستكشف ثقافة وتراث عدد من شعوب العالم، حيث قادتها موهبتها إلى المكان الذي يلامس روحها وشغفها، ويحثها على الإبداع، فتفرّدت بإتقان أكثر من نوع فني تراثي.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 5 نيسان 2018، مع الحرفية "ليندا الشريفي"، التي تميزت بإتقانها لأكثر من نوع فني تراثي لبلدان مختلفة، ودمجت عدة فنون بعضها مع بعض، لتتفرد بهذا الفن الذي كانت تهواه منذ الصغر، حيث قالت: «نشأت في بيت يهوى فن الأشغال اليدوية؛ فوالدتي اعتادت تزيين البيت بمنتجات من شغلها، ولهذا عشقت فن التطريز والأشغال اليدوية من مراقبتي لحركة الصنارة التي كانت تعلو وتهبط بين يديها كسمكة ملونة تسبح في بحر آمن. وحلمت أن أدرس الديكور أو في كلية الفنون، لكن تلبية لرغبة والدتي وخوفها عليّ من التعب الجسدي، أتممت دراستي الجامعية اختصاص أدب فرنسي. وانشغلت بالتدريس إلى أن تزوجت وسافرت إلى "مصر"، ولأمنع الملل والصدأ من التسلل إلى روحي، بدأت الاستفادة من الأشياء المهملة بإعادة إحيائها من جديد، كالأقمشة البالية التي حولتها إلى قطع فنية تزينية، وهذا تعلمناه بالفطرة من جداتنا؛ وما زلت أتذكر فرحتي بأول قطعة فنية اشتغلتها بالغربة؛ إذ علقتها على الحائط».

نشأت في بيت يهوى فن الأشغال اليدوية؛ فوالدتي اعتادت تزيين البيت بمنتجات من شغلها، ولهذا عشقت فن التطريز والأشغال اليدوية من مراقبتي لحركة الصنارة التي كانت تعلو وتهبط بين يديها كسمكة ملونة تسبح في بحر آمن. وحلمت أن أدرس الديكور أو في كلية الفنون، لكن تلبية لرغبة والدتي وخوفها عليّ من التعب الجسدي، أتممت دراستي الجامعية اختصاص أدب فرنسي. وانشغلت بالتدريس إلى أن تزوجت وسافرت إلى "مصر"، ولأمنع الملل والصدأ من التسلل إلى روحي، بدأت الاستفادة من الأشياء المهملة بإعادة إحيائها من جديد، كالأقمشة البالية التي حولتها إلى قطع فنية تزينية، وهذا تعلمناه بالفطرة من جداتنا؛ وما زلت أتذكر فرحتي بأول قطعة فنية اشتغلتها بالغربة؛ إذ علقتها على الحائط

الموهبة تخلق لدى الإنسان، وعن رحلتها مع الفن اليدوي التراثي قالت: «الشخص الذي يؤمن بموهبته عليه أن يصقلها ليحصل على النتائج التي تسعده وترضيه، وليتفرد عن غيره، لا بد من التجربة وعدم الخوف من النتائج، سجلت دورات فنية تحاكي التراث المصري كفن "الخيامية"؛ وهي حرفة مصرية تعتمد الرسم بالقماش، ثم اتبعت دورة بفن "الأرابيسك"؛ وهي حرفة معروفة في "دمشق"، وتعتمد تطعيم الخشب بالصدف، ودورة بفن "الكويلت" الذي يشبه حرفة تنجيد الأغطية، لكن بقماش قطني، وقبل نهاية الدورة اختارتني المدربة الأميركية مساعدة لها، فأعمالي لاقت إعجابها، ومنحتني عدداً من الكتب الفنية التعليمية التراثية التي استفدت منها. ثم سجلت دورة بفن "الباتشورك" الذي كنت أعشقه من الصغر، ويعني تجميع الأقمشة البالية بأحجام وأنواع مختلفة وخياطتها بعضها مع بعض بواسطة الإبرة اليدوية أو المكنة. وسجلت دورة تلوين الأقمشة، فتعلمت تفاصيل كثيرة عن الألوان، وأهم النظريات العالمية بموضوع اللون، وكيف يمكن أن تتطابق الألوان بعضها مع بعض، كالألوان الباردة والحارة، وهناك ألوان تراثية خاصة بكل عمل، وأنا بطبعي أحب التضاد بالألوان، فأختار للقماش الأبيض خيطاً أسود كحوار بين الخير والشر، وأحب الألوان الترابية وألوان الباستيل، وكل قطعة أشاهدها تضعني أمام تحدّ، ولا أستطيع التوقف حتى أنتهي من العمل، ويمكن أن يأخذ وقتاً طويلاً بحدود عشر ساعات، وأنسى تعبي مع نهاية كل عمل فني».

القطعة الفنية الأولى مصرية تعود إلى القرن 13، والثانية من أعمالها

وعن إتقانها لأكثر من نوع فني من بلدان مختلفة، قالت: «اختياري لأكون مدربة من قبل أساتذتي أعطاني ثقة بقدراتي الفنية وموهبتي. وشغفي بالتعرف إلى ثقافة البلدان الأخرى والاطلاع على تراثهم، دفعني لمشاهدة أهم الأعمال الفنية التراثية لفنانين مخضرمين وعالميين، وكنت أقضي أكثر من أربع ساعات أتجول عبر شبكة الإنترنت باحثة عن أهم المواقع الفنية التي تحاكي تراث الشعوب؛ وهذا خلق عندي تحدياً لأتقن هذه الفنون، فقمت بمتابعة الفيديوهات التعليمية الفنية، علماً أنني عانيت من فهم بعض اللغات، كالإسبانية، والإيطالية، لكن تكرار الفيديوهات التعليمية، وقدرتي على التعلم عن طريق النظر، زادا من خبرتي، إضافة إلى الخبرة التي اكتسبتها من تعليمي للمتدربات؛ إذ اعتمدت مبدأ إيصال المعلومة بطريقة سهلة من دون تكلف أو تعقيد، فشدتني الغرز "البرازيلية" التي أضفت إليها من خبرتي، حيث غيرت ثخانة الخيط وثخانة الإبرة حتى أعطي أبعاداً للقطعة، وهذه التفاصيل الدقيقة تضفي على القطعة الفنية روحاً، وهذا تعلمته من والدتي التي كانت تقول: "الشخص الموهوب يترك العنان لإحساسه ليقوده إلى المكان الذي لا يشبع من النظر إليه". وهذا النوع من الأعمال لا يعرف قواعد ثابتة أو حدوداً؛ فحدوده حدود السماء.

تعلمت تطريز "black work"، الذي يعتمد اللون الأسود ويعطي تصاميم فريدة، وأتقنت عدة أنواع من التطريز الياباني الذي لفت انتباهي وشدني لإتقانه، وهو تطريز يعتمد الدقة ويحتاج إلى صبر وحرفية بالعمل، وهذه الغرز أضفت جمالاً وغرابة على أعمالي، كأغطية الأسرّة والوسائد، وهي ضرورة لكل بيت. بعدها تعلمت تطريزاً اسمه "hardenger" الذي يعتمد التطريز بشكل مربعات، ثم تفريغ القماش، واستعملته بالكثير من منتجاتي، وبعد أن امتلكت الثقة بعملي أدخلت أكثر من نوع فني إلى القطعة لأتفرد بمنتجاتي. وحالياً أرسم بالإبرة والخيط لوحات فنية تحاكي الطبيعة وجمالها، ولأنها نافرة وألوانها زاهية تشعرك بنبضها وحيويتها».

لوحة فنية جمالية نافرة

الفنانة التشكيلية والمصورة الاحترافية الهاوية للفنون والأشغال اليدوية "ديمة كروما"، أعطتنا رأيها بأعمال "ليندا الشريفي"، حيث قالت: «تعرفت "ليندا" عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ من خلال مجموعة أنشأتها لرعاية المواهب وتشجيعها، وقد سحرني إتقانها لعدد من الأنواع التراثية؛ وهذا تميز بحد ذاته. هي مدرسة في الأعمال اليدوية عامة، وأعمال الإبرة بوجه خاص.

لم أعد بحاجة إلى قراءة الاسم؛ فعندما أقرأ منشوراً لها، أعرف أن "ليندا" أنجزت هذا العمل الرائع، فهي من القلة النادرة في هذا العصر، وأعمالها اليدوية تجعلك تقف مطولاً لتتأمل الدقة والإبداع والأصالة، فيصبح النظر إلى أعمالها متعة للعين ورحلة استكشافية تراثية لبعض شعوب العالم.

من أعمالها

تعود بك إلى الزمن الجميل؛ زمان الجدات المتقنات للعمل، زمن الإبرة المبدعة بأسلوبها الأنيق والمعاصر، وتدهشك بمدى إتقانها لعملها، وتشعرك بلمساتها الفنية ذات الذوق الرفيع، وتبهرك بتناسق الألوان وجمالها».

يذكر أن "ليندا الشريفي" من مواليد مدينة "حمص" عام 1976، خريجة أدب فرنسي.