:«سمعت عنين الناعورة.. وعنينا شغلي بالي.. وهي عنينا عالميّة.. وأنا عنيني عالغالي.. أوف يابا».

هذه كلمات أغنية للفنان الشعبي الكبير "معن الدندشي" ولطالما رددها من عاصره ويرددها الكثير منا دون أن يعرف من صاحب هذه الأغنية وهل هو على قيد الحياة أم فارقها! وللوقوف أكثر على حياة الفنان "معن دندشي" وتجربته الفنية موقع eHoms التقى في " تلكلخ" الأستاذ "جاسم الدندشي" ابن أخ الفنان "معن" الذي حدثنا عنه قائلاً:

عالغوطة يلا نروح يالا عالغوطة.. عروس الشام الحلوة بدها زلغوطة

«يعتبر الفنان "معن الدندشي" من أوائل الفنانين الشعبيين والتراثيين في سورية، وقد حمل حب الوطن في قلبه وغنّى له كما غنّى للحب بأغانٍ تميزت بالكلمة الشعبية الجميلة واللحن الرائع المستمد من البيئة الريفية، إضافةً إلى صوته الأصيل الذي صدح في الإذاعة السورية والذي يذكره الكثيرون من خلال أغنيته (جبلنا) التي رددها في الإذاعة خلال "حرب تشرين التحريرية". كما غنّى العم "معن" الكثير من الأغاني التي لاقت شهرةً كبيرةً في ذلك الوقت وأذكر منها "يا طير سلم لي ع سورية"، و"سمعت عنين الناعورة"».

الأستاذ جاسم الدندشي

وعن بدايات الفنان "معن" يتابع الأستاذ "جاسم": «ولد العم "معن" في مدينة "تلكلخ" عام 1927ضمن عائلة مشهورة في التاريخ السوري الحديث وهي تحب الفن وتقدسه، فهو الابن الثالث في الترتيب لأب يكتب الشعر الفصيح والعامي، ولأم تملك صوتاً كلثومياً رائعاً وتتقن العزف على آلة العود، وإخوة يتمتعون بأصوات جميلة بالإضافة إلى أن أخته قامت بتأليف الكثير من أبيات "اللالا"؛ وهي من الأغاني الشعبية المعروفة في سورية. ويعود الفضل لوالدته في اتقانه العزف على آلة العود وهو في سن الخامسة عشرة». ‏

ويضيف: «هناك عاملان أثّرا في نماء موهبته الفنية: الأول هو حب هذه الأسرة للفن وتقديسهم الأمر الذي منح الفنان "معن" الكثير من الدفع باتجاهه وشكّل دعامة الحس الفني عنده. والأمر الثاني أنه نشأ في زمن عمالقة الفن أمثال "محمد عبد الوهاب"، "فريد الأطرش" ، "أسمهان"، "أم كلثوم"، والسيدة "نور دكاش" حيث لم يكن هناك مجال للفن الرخيص. ‏

وفي بداية شبابه شارك العم "معن" بحفلات كان يقيمها مع أصدقائه في "تلكلخ" والقرى التابعة لها برز من خلالها وأصبح بعدها مطرب البلدة، وكان يشتهر بين أصدقائه بدعابته وذاكرته القوية وشاء قدره أن ينتقل بعدها إلى "دمشق" من خلال ابن عمه "عبد الكريم الدندشي" الذي كان يعمل بوزارة الخارجية، وغادر بلدته وهو في العشرين من عمره ليبدأ مسيرته الفنية المميزة. ‏وأذكر أن عمي حدثني عن حادثة جرت معه خلال سفره الأول إلى "دمشق" حيث إنه عند انتقاله إليها كان لا يعرف كيف سيصل إلى ابن عمه "عبد الكريم" لكن عند وصوله إلى "دمشق" شاءت الصدفة أن يمر "عبد الكريم الدندشي" قرب الكراج بسيارته فعرفها من خلال (زمورها) الذي كان يطلقه "عبد الكريم" عند قدومه إلى "تلكلخ".

بعدها تقدم العم "معن" إلى امتحان اللجنة الموسيقية في الإذاعة من خلال موعد رتبه له "عبد الكريم" وكانت اللجنة مؤلفة من الأساتذة "يحيى الشهابي"، "أحمد عسة"، "يوسف يتروني". وغنّى أمام اللجنة أغنية الفنان الكبير "محمد عبد الوهاب": «مضناك جفاه مرقده» بنجاح كبير، وعيّن بعدها مطرباً في الإذاعة السورية وكان ذلك في عام 1950 ‏والتحق بعدها بفرقة إنشاد الإذاعة «الكورس». ومن ثم بالفرقة الموسيقية في الإذاعة كضارب إيقاع والتي كانت برئاسة كل من الأستاذين "زكي محمد" و"سليم سروة" ثم خضع لدروس الموسيقا في الإذاعة السورية فتعلم كتابة وقراءة النوتة الموسيقية. ‏

ثم غنّى أولى أغنياته الفردية التي كانت من كلمات المرحوم "فخري البارودي" قدّمها له كهدية لما كان بينهما من صداقة شخصية وعائلية، وكانت بعدها أغنيته الشهيرة

«عالغوطة يلا نروح يالا عالغوطة.. عروس الشام الحلوة بدها زلغوطة».

ثم غنّى أغنيته التي لاقت نجاحاً كبيراً «عنين الناعورة»، وفي عام 1953 شارك "الرحابنة" في أول حفلة غنائية للسيدة "فيروز" مع فرقتهم الموسيقية، وعندما طلبت السيدة "فيروز" من الإذاعة السورية تلقينها بعض الأغاني الشعبية السورية لتقدمها للجمهور السوري في الحفل اختارت الإذاعة "معن الدندشي"، لهذه المهمة فلقنها أغنية "بردة بردانة" و"واللالا"».

ويتابع ابن أخ الفنان "الدندشي" بالقول: «كما يعدُّ العم "معن" الرائد الأول في نشر الدبكة السورية وذلك عندما طلب منه المرحوم "فخري البارودي" تعليمها في مدارس "دمشق"، وفي عام 1957 ساهم بتأسيس فرقة "أمية" السورية بالتعاون مع الأستاذ "عدنان منيني" والأستاذ "عمر العقاد" والتي قدمت أول نشاط لها في "مهرجان الشباب الآسيوي الإفريقي بالقاهرة" وبقي يعمل مع الفرقة من عام 1957 الى عام 1962. ‏ وفي سنة 1959 قام بتأسيس فرقة تراثية للدبكة من شباب بلدته "تلكلخ" وأطلق عليها اسم "أقمار تلكلخ" وقد نالت هذه الفرقة الميدالية الذهبية في"المؤتمر الأفرو-آسيوي للشباب" الذي أقيم في العام نفسه». ‏

وعن تجربة الفنان "معن الدندشي" يقول: «قدّم "معن الدندشي" أكثر من 80 أغنيةً للإذاعة السورية. تميزت بأنها مستمدة من واقعه ومجتمعه والأحداث التي مرّت على وطنه ومن تجاربه الشخصية. فكل حادثة تعترضه سلبية كانت أم إيجابية أثرت فيه كان يطلب من أصدقائه كتّاب الأغنية أن يجسدوها بكلمات أغنية يقوم بتلحينها وغنائها أو ربما كتب هو كلماتها أيضاً. ‏ففي بداية الخمسينيات بدأت المهور بالارتفاع فكتب أغنيته الشهيرة "ارحم يابوها الفقير" وقام بتلحينها أيضاً: ‏

ارحم يابوها هالفقير ‏

لاتقس وتغلي المهر ‏

تطلب ألوف هذا كثير ‏

ارحم يلي ما يقتدر ‏

لا تقس وتغلي المهر ‏

وفي عام 1962 تزوج ابنة عمه، وعندما رزق بأول مولود وكانت بنتاً اسماها "بسمة"- وهي تعيش الآن في "دمشق"- وشعر وقتها بأنها الدنيا وما عليها فاستنكر عادة الشعور بالنقيصة التي كانت غالبة على المجتمع عندما يرزق أحدهم بالبنت فطلب من الأستاذ "مصطفى الحاج" كتابة أغنية تتناول هذا الموضوع، وكانت أغنيته التي قام بتلحينها أيضاً "نامي بأمان الله يابنتي" التي أداها بإحساس رائع: ‏

نامي بأمان الله يابنتي ‏

بسمة حياتي والأمل أنتِ ‏

ياعيون بابا ليش سهرانة ‏

ياقلب أمك ليش مانمت ‏

تمنيت عمري يطول كرمالك ‏

تاسعدك والقلب يصفالك ‏

شوفك صبية ترشدي أجيال ‏

تربي ع حب الوطن أطفالك. ‏

كما غنّى لكل المناسبات الوطنية والأحداث المهمة التي مرّت بحياته فغنّى للوحدة، ولحرب حزيران، وللحركة التصحيحية، وللثامن من آذار، ولحرب تشرين، ولعل أشهر أغانيه الوطنية أغنية «جبلنا» و«ياطير سلملي ع سورية». ‏

ومن أغانيه أيضاًـ ياراكب الدلول ـ يافرحة القلب بهواك ـ ريم الفلاـ أفراح العيدـ أهلاً وسهلاًـ لا تغلي المهرـ أسمر اللون ـ ببلادي جنة دنياناـ ماتريدوـ غريب الدارـ لوحي بمنديلك ـ بابوري ـ ياراشب الزرقاـ هديلي ـ الطرطوسية ـ زينة ياتدمرـ شرطي الحارةـ فطومة- نخ الجمل- غرة شقرةـ وغيرها الكثير». وقد كان البعض منها من كلماته أيضاً.

مثّل العم "معن" سورية في العديد من الدول العربية، وقام بالغناء بلهجة الدولة التي يزورها كما فعل في "الجزائر" و"تونس" و"المغرب العربي"، ولقّب بين زملائه الفنانين "بأبي النكتة" وقد قام بابتداع طريقة الفصل بين أغنياته التي يؤديها على المسرح بإلقاء بعض النكت أو بتقليد بعض المطربين.

كما مثّل سورية في 84 دولة بالعالم ودرب الجاليات العربية بالمهجر وأسس لهم فرقاً للدبكة كما فعل في "تشيلي" و"الأرجنتين". ‏كما ربطته صداقات متينة مع الكثير من الفنانين السوريين والعرب أمثال "عبد الحليم حافظ"، "وديع الصافي"، "محمد عبد الوهاب"، "فايزة أحمد"، "نجاح سلام"، "سعاد محمد"،" صباح فخري"، "نجيب السراج"، "ميادة حناوي"».‏

وعن وضعه الحالي يختم الأستاذ "جاسم": «بعد أن أحيل للتقاعد عُين في الإذاعة مجدداً كخبير موسيقي، وبقي بمنصبه هذا إلى عام 2002. ‏ليعود بعدها لبلدته "تلكلخ" ليعيش فيها بهدوء مصارعاً المرض الذي أقعده الكرسي النقال. وفي عام / 2009/م قامت الجمعية الدولية للغويين والمترجمين العرب وضمن احتفاليتها لهذا العام بتكريم العم والفنان "معن الدندشي"».