ربما لا أحد منّا يذكر أي حدث مرّ معه وهو ابن سنتين أو ثلاث سنوات، لكن عندما يقوم أحد أبوينا بتذكيرنا بإحدى الصور الطفوليّة، نشعر أننا عشنا تفاصيلها بدقة. ولعل تلك الصورة التي يبكي فيها الطفل في "المعمودية" بين أهله وهم في قمة فرحهم، تبدو متناقضة للوهلة الأولى، لأن الطفل لا يعلم ما يحدث له، أما الأهل فيعلمون تماماً أن ابنهم قد وضع خطواته الأولى ليشيها، على درب الإيمان.

"المعمودية" في الدين المسيحي هي دخول الطفل في كنف دين المحبة والسلام، ويتحدث عن ذلك الخوري أسقف "ميشيل نعمان" كاهن "أبرشية السريان" الكاثوليك بـ"حمص" فيقول: «يعود تأسيس "المعمودية" إلى عماد السيد "المسيح" في "نهر الأردن"، على يدِّ "يوحنا المعمدان"، ويسوع يومها انطلق برسالته العلنية». ويضيف الأب ميشيل: «الأسرار كلها ترتبت بالكنيسة بحسب ترتيب كنسي، فمثلاً سرّ الزواج لم يكن بهذه الصورة من قبل، فقد كان هناك الرضا الزوجي، ثم بالترتيب دخل سرّ "المعمودية". في الكنيسة الأولى كان الرسل قبل نحو ألفي عام يخطبون ويعمدون بالرش كل 3000أو5000 شخص».

يعود تأسيس "المعمودية" إلى عماد السيد "المسيح" في "نهر الأردن"، على يدِّ "يوحنا المعمدان"، ويسوع يومها انطلق برسالته العلنية

إذن "فالمعمودية" بدأت بمعمودية "يسوع" ثم بعد قيامته، بدأ رسله بممارستها كسر الدخول في الكنيسة، وهناك ثلاثة أسرار للدخول في الكنيسة تسمى بأسرار الدخول (المدخل)، فالإنسان ينتمي للكنيسة و يصبح ابن لله وأخاً لـ"يسوع" ينتمي للعائلة المسيحية الكبيرة، هذه الأسرار الثلاثة هي: سرّ العماد المقدس، سرّ الميرون (التثبيت)، سرّ القربان المقدس حسب طقوس جميع الكنائس تقريباً.

طقوس المعمودية بالماء والزيت

ويتحدث الأب "ميشيل" عن القصة التاريخية فيقول: «في الشرق القديم، كانت تعطى الأسرار الثلاثة مع بعضها، لكن الكنائس الكاثوليكية الآن تعطي سرّ "المعمودية" والتثبيت وتؤجل المناولة، لأن الوضع لا يسمح، الطفل صغير وغير مؤهل لسرّ المناولة».

مواد "المعمودية" كما هو معروف هي مواد حسية، فالماء علامة الغسل وما يعرف بالختم "بزيت الموعظين"، وهذا الزيت يكرسه البطرك، فكل عشر سنوات يُطبخ هذا الزيت وهو عبارة عن مجموعة زهور تغلي ويكرسها البطرك ويوزعها على كل الكنائس التابعة له كما أخبرنا الأب "ميشيل"، أما الميرون وقد سمي بالتثبيت أيضاً أي تثبيت الشخص كمسيحي وعضو في الكنيسة فيتمُّ تغطيس الطفل بالماء والرش على الرأس ثلاث مرات (باسم الآب والابن والروح القدس)، ثم يتمُّ إلباسه الأبيض علامة النقاء.

الأب "ميشيل نعمان"

ثم يكلل والإكليل علامة النعمة والبركة، وعند حلّ الإكليل يقال له: "نحله ونحل ربط الخطيئة عنك، ثم يتمُّ القسم بأن يتبع المسيح وأعماله ويتبع طريق الخير ويبتعد عن طريق الشر، وهذا يقوله "الإشبين" نيابة عن الطفل، (أي عرّاب الطفل) ثم يتمُّ إلباسه اللباس الأبيض الكامل، وبعدها التطواف (الزِياح) علامة الاحتفال الشعبي بالإنسان المحتفَل، يتمُّ ذلك بكل سرّ من أسرار الكنيسة (عروسين، مُعَمّدْ، مناولة).

تنتهي "طقوس المعمودية" بفرح الأهالي والمدعوين لهذه المناسبة التي لا تقل شأناً اجتماعياً ودينياً عن المناولة الأولى أو الإكليل.

جرن المعمودية