ليلة من ليالي شهر رمضان الفضيل ينتظرها المؤمنون لطلب الدعاء والرحمة. وفي "حمص" تكتسب هذه الليلة طابعاً ووقعاً خاصاً فالكل يتكلم عنها ويتهيأ لأداء فروضها، إنها "ليلة القدر" التي اكتسبت في "حمص" شعبية خاصة وارتبطت بها كثير من الذكريات و الحكايا.

سماحة الشيخ "عبد السلام محمداه" خطيب جامع الرئيس في "حي الوعر" حدثنا عن ليلة القدر فقال: «شهر رمضان بلياليه شهر البركة والنعمة، ولكن في هذا الشهر هناك ليلة تأخذ قدراً كبيراً من الأهمية، هي "ليلة القدر" لأن فيها نزل "القرآن الكريم" ولهذه الليلة أهمية دينية إذ لها شعائرها الدينية الخاصة التي تميزها عن باقي ليالي الشهر الفضيل والعام بأسره، والله عز وجل شرفها وجعلها درة أيام العام..»

الآن تفتح المساجد أبوابها ليل نهار وتقدم للناس خدمات طبية ونحن نقيم شعائر رمضان في "حمص" كل يوم ولكن تبقى الاحتفالات الدينية في "ليلة القدر" لها رونقها وبهاؤها

وعن أوان "ليلة القدر" قال: «ورد في الأحاديث النبوية الشريفة أن "ليلة القدر" يجب التماسها في الليالي الوترية أي في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك وعادة تحدد "ليلة القدر" بليلة /27/ رمضان.»

سماحة الشيخ "عبد السلام محمداه"

أما عن الصلوات والشعائر الدينية فقال: «النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الصلوات في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان فكان يكثر الصلاة لذلك يكثر الناس الصلوات في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ولكن في "ليلة القدر" تزداد الصلوات بشكل كبير ويحيي الناس ليلهم بالصلاة والدعاء والنجوى ويقام ما يسمى بإحياء مقام الليل الذي يعتبر علمياً أنه مفهوم واسع إذ يمكن قيام الليل بالصلاة والاستغفار وقراءة "القرآن الكريم" أي كل شيء يفعله المؤمن للتقرب من الله عز وجل. وفي ليلة القدر تقام صلاة التراويح بعد صلاة المغرب وتستمر الصلاة و الدعاء في المساجد حتى ساعات الفجر الأولى.»

وأضاف: «الآن تفتح المساجد أبوابها ليل نهار وتقدم للناس خدمات طبية ونحن نقيم شعائر رمضان في "حمص" كل يوم ولكن تبقى الاحتفالات الدينية في "ليلة القدر" لها رونقها وبهاؤها».

الناس يسهرون مصلين في جامع "خالد بن الوليد"

وعن عادات أهل "حمص" في "ليلة القدر" حدثنا الباحث التاريخي "محمد فيصل شيخاني" فقال: «كان الناس في "حمص" وما يزالون ينتظرون "ليلة القدر" فهي من الليالي المقدسة المميزة بكل شيء والناس يتناقلون الأحاديث والقصص الشعبية المتعلقة بها، ومن هذه الأحاديث أن السماء تفتح في هذه الليلة، وكان أكثر من يتأثر بهذه الليلة هم النساء إذ يقضين الليل بالدعاء لأولادهن لإيمانهن أن الدعاء في هذه الليلة مقبول ومستجاب.

وفي حارات "حمص" القديمة مثل "حي الورشة" "باب السباع" و "الخالدية" كان الرجال مع أولادهم يمشون مع بعضهم بعد تناول طعام الإفطار ويذهبون إلى مسجد الحارة وهم يلبسون ثياب الصلاة ليؤدون صلاة التراويح ويبقون في المسجد يصلون حتى ساعات الفجر الأولى، ولكن لم تعد هذه العادة موجودة إذ أصبح كل رجل يذهب بمفرده إلى المسجد..

جامع الصحابي "خالد بن الوليد" في "ليلة القدر"

وفي أوائل ومنتصف القرن الماضي كان الناس يذهبون إلى جامع الصحابي "خالد بن الوليد" و "جامع النوري الكبير" أكثر من أي جامع آخر نظراً لكبرهما واتساعهما، وبعضهم كان يقضي ليلته في باحة الجامع لينظر بهاء هذه الليلة التي كانوا يعتبرونها من أجمل ليالي العام..أما النساء فكن يقضين هذه الليلة مصليات في البيوت أو يجتمعن في بيت واحد للسهر والصلاة مع بعضهن. وكان بعض الميسورون يوزعون الطعام والمال على فقراء الحي. وكانت هذه الليلة بمثابة وداع "شهر رمضان" الفضيل».

وأضاف: «العادات لم تتغير في "ليلة القدر" فالأهل يورثون العادات القديمة لأولادهم، فكثير من الشباب الآن يذهبون إلى المساجد "ليلة القدر" ولكن الذي تغير أن عدد المساجد في المدينة قد زاد بشكل كبير نظراً للتوسع العمراني فلم تعد "حمص" المدينة الصغيرة القابعة وراء الأسوار القديمة، إنما امتدت إلى مساحات واسعة لذلك توزع الناس على مساجد "حمص" التي قد يصل عددها الآن إلى /125/ مسجداً.