شقّ المربي "علي السالم" طريقه بمهنة التدريس بإيمان كبير بنبل الرسالة التي يؤديها؛ فلم تثنِه تلك السنون عن متابعة عمله متمسكاً بوسام الأخلاق والنزاهة؛ فترك إرثاً وبصمة باتت مقرونة به في كل مدرسة عمل فيها، وإليه يعود الفضل بتخريج مئات الطلاب ممن باتوا سفراء العلم حول العالم.

يقدّس عمله، ويتغنّى بمقولته الشهيرة: (إنني أعبد الله في عملي)؛ «فكل إنسان له معبد يلجأ إليه لعبادة الله ليحسن خلاصه، وأنا أعدّ خلاصي وعبادتي بإخلاصي لعملي». هذا ما قاله المربي "علي السالم" لمدونة وطن "eSyria" التي تواصلت معه بتاريخ 2 كانون الثاني 2018، ليحدثنا عن بداياته قائلاً: «في ريف "حماة" البعيد أبصرت عيناي النور ضمن أسرة فقيرة مادياً، لكنها غنية وجدانياً وروحانياً؛ وهو ما جعلني متوازناً عاطفياً ونفسياً على الرغم من قسوة سبل الحياة؛ كان والدي وحيد أهله، لكنه التحق بالخدمة العسكرية بغية كسب العيش؛ وهو ما حتم على عائلتي التنقل حسب مكان خدمته، بينما فضلت البقاء في القرية للمكوث إلى جانب جدتي والاهتمام بها. بعد بلوغي الحادية عشرة من عمري انتقلت للعيش مع أسرتي في مدينة "قطنا"، وهناك التحقت بمدارسها، وفي عام 1963، نلت الشهادة الثانوية بمجموع عالٍ، لكن أحد المقربين أشار إلى والدي بدخولي إلى معهد "دار المعلمين" في مدينة "حمص" بغية المساهمة بتحسين وضع أسرتي المادي، حيث تخرّجت فيه معلماً».

فكل إنسان له معبد يلجأ إليه لعبادة الله ليحسن خلاصه، وأنا أعدّ خلاصي وعبادتي بإخلاصي لعملي

وحول مسيرته التعليمية، يضيف قائلاً: «بعد التخرّج عُيّنت مديراً ضمن مدرسة ابتدائية في قرية "تادف" بمحافظة "حلب"، التي كانت تملك كل مقومات العمل الريفي من زراعة وتربية الماشية، حيث عملت بها إلى جانب مهنتي بالتدريس إلى حين استدعائي للخدمة الإلزامية، وفي عام 1972، عينت مدرّساً في مدرسة "شمسين" التابعة لمحافظة "حمص" للصفوف الستة ضمن غرفة واحدة، وكنت المعلم الوحيد في المدرسة؛ وهو ما اضطرني للإقامة فيها. في تلك الفترة عاودت وتقدمت لامتحان الشهادة الثانوية، الذي أهلني لدراسة التاريخ في جامعة "دمشق"، حيث تخرجت في عام 1976، لأعود إلى تدريس مادة التاريخ في إعدادية "حسن الكردي"، ومنذ عام 1982 ولغاية 2007 شغلت منصب مدير ثانوية "محسن عباس" في "حمص"».

تكريمه من قبل نقابة المعلمين

وعن أهم أعماله بالمجال التربوي، وماذا أضاف إلى العملية التعليمية التربوية، يتابع بالقول: «لمدة 25 عاماً عملت مديراً في مدرسة الشهيد "محسن عباس"، ومنذ البداية كانت لدي رغبة وهدف للوصول بالطلاب والمدرسة لتكون نموذجاً للتفوق، ليس فقط على مستوى محافظة "حمص"، بل على مستوى القطر، ولتشجيع الطلبة وتحفيزهم على التميز، قمت بابتكار فكرة للوحة جدارية يوضع فيها (اسم، وصورة، وشهادة الطلاب المتفوقين)، ولم يكن معمولاً بها في أي مدرسة من مدارس "سورية" آنذاك؛ وهو ما ولّد تنافساً لدى الطلبة لتكون صورهم ضمن اللوحة، وما زالت تلك الجدارية تزين جدران المدرسة حتى اليوم، كما وضعت برنامجاً لاصطحاب الطلاب برحلات علمية استكشافية للطبيعة ضمن المحافظة وخارجها، وإيماناً مني بأهمية التعاون ضمن أسرة المدرسة؛ أسست صندوقاً تعاونياً ضمنها يضع فيه المدرّسون اشتراكات سنوية، وعند أي طارئ يخص أحد المدرّسين أو الطلاب، أو لتقديم هدايا للمتفوقين، يتم الإنفاق منه على الحالة المستهدفة، كما اعتمدت منذ البداية على إنشاء علاقة تعاون وثقة بين الطالب وذويه من جهة، وإدارة المدرسة والمدرّسين من جهة أخرى، دخلت إلى منازلهم، وفي بعض الأماكن إلى حياتهم الخاصة، لأكون جزءاً منها؛ وذلك من باب الأخوة والأبوة، ومن خلال ذلك التعاون تمكّنا من الارتقاء بطلابنا ومدرستنا لتتبوأ المرتبة الأولى على مستوى "حمص"، وضمن المراتب الأولى على مستوى "سورية" بالشهادة الثانوية، وكم أنا فخور عند رؤية طلابي منتشرين حول العالم بكافة الاختصاصات؛ فمنهم الطبيب، والمهندس، والمخترع؛ وهذا أكثر ما يبث السعادة في نفسي اليوم».

"محمد الضاهر" أحد طلبة الأستاذ "علي"، يقول: «على مدار أكثر من ثلاثة عقود كان للأستاذ "علي السالم" دور بارز في تنمية المستوى التعليمي في مدرسة الشهيد "محسن عباس"؛ فقلما يخلو منزل في محافظة "حمص" من أحد طلابه. وعلى المستوى الشخصي كما لكل زملائي، هناك شعور بالامتنان والعرفان لهذا المربي الذي كان له دور بارز بتحصيلنا العلمي، نذكره بكثير من الحب والحنين على الرغم من قسوته، التي كانت كقسوة الأب الغيور على مستقبل أبنائه».

مع السيد الرئيس والسيدة عقيلته

بدوره الأستاذ "رمضان بلول" صديقه وزميله بمهنة التدريس، يقول: «مذ كنت طالباً كان الأستاذ "علي السالم" موجهاً في المدرسة التي كنت أدرس فيها. تأثري به، وحبي له، جعلاه مثلي الأعلى، ودفعاني لأمتهن التدريس. عاصرته بمهنة التدريس لسبع سنوات تعلمت منه الكثير؛ فإلى جانب قسوته وتمسكه بتطبيق النظام، كان أباً وأخاً لكل من طلابه ومدرسيه، طلابه ينحنون له أثناء مروره، ليس خوفاً، بل احتراماً؛ لديه القدرة على الفصل بين الصداقة والعمل، يجمع كل كوادر المدرسة إيماناً منه بأن نجاح المدرسة مسؤولية الجميع ويكتمل بالعمل الواحد. اهتمامه بطلابه دفعه إلى متابعتهم وتأمين المدرّسين لهم حتى داخل منازلهم، كما يقوم بزيارة الطلبة المميزين وتقديم التهنئة لهم، واليوم بعد بلوغه سن التقاعد مازال يمدنا بخبرته ودعمه، وأنا شخصياً تعلمت منه الكثير، وأجد نفسي أتصرف وأتكلم مع طلابي بأسلوبه ولغته التي نشأت عليها».

الجدير بالذكر، أن الأستاذ "علي السالم" من مواليد قرية "عكا كير" بريف "حماة"، عام 1947، متزوج ولديه ستة أولاد، حائز على تكريمات عدة من قبل الرئيس الراحل "حافظ الأسد" والسيد الرئيس "بشار الأسد"، إضافة إلى عشرات التكريمات من قبل وزارة التربية ومديرية التربية في "حمص"، كما مثّل بلده كرئيس للوفد التربوي في "السعودية"، ولإكمال رسالته قام بتجهيز مخبر لغوي لمتابعة الطلاب بعد انتهاء دوامهم المدرسي.

بطاقة تقدير لجهوده بإنجاح البحث العلمي