ترمّلت ولم تستسلم للفقر الذي كانت تعيشه، ونذرت نفسها لتربية ولديها، فقامت بأعمال كثيرة، كتربية دود القزّ وأعمال الفلاحة والزراعة، ثم التوليد الذي مارسته قانونياً لزمن طويل، وما زالت مرجعاً لكل من ينقصه الخبرة على الرغم من بلوغ عمرها مئة عام.

مدونة وطن "eSyria" التقت القابلة القانونية "حسْن سليمان" بتاريخ 28 أيار 2019، لتحدثنا عن طفولتها والأعمال التي قامت بها قائلة: «ولدت ضمن عائلة فقيرة، ومنذ طفولتي وأنا أعمل في خدمة الكنيسة، فأنقل الماء، وأجمع الحطب، وهكذا حتى بلغت الخامسة عشرة من عمري، حيث تقدم لخطبتي شاب تزوجته نزولاً عند رغبة والديّ، لكنه توفى وأنا في الخامسة والعشرين، وبدأت معركتي مع الحياة، من أجل طفلَيْ. كنت كبقية أهل قريتي "كفرام" أربي دود القزّ، ثم انتقلت لزراعة التفاح، حتى إنني كنت أنتج ألفي صندوق في الموسم الواحد. وعملت بزراعة البطاطا والخضار، وكنت أفلح الأرض بالمحراث القديم، وأقطف العنب وأبيعه في القرى المجاورة، مثل: "المشتى"، و"مصياف"».

إنها امرأة مكافحة، ترملت وهي صغيرة السنّ، وعملت ليلاً ونهاراً لكي تربي ولديها، وعلمتهما حتى تخرّجا في الجامعة، فابنها الأول "رفعت سلوم" خريج كلية التمريض، و"أديب سلوم" أنهى دراسة التاريخ، وأعالت حماتها في كبرها. إنسانة مؤمنة، وذات سمعة طيبة، تحب الناس والخير، بشوشة، وحكيمة، فما زالت النساء يلجأن إليها للاستشارة

أما عن مهنة التوليد، فقالت: «التوليد تعلّمته من حماتي، وكنت أتقاضى خمس أو عشر ليرات سورية عن الولادة الواحدة، ولم يكن عملي محصوراً بقريتي، بل تعداها إلى القرى المجاورة، وذات مرة تعسّرت معي حالة، فأخذت الولّادة إلى قرية "الحولة"، حيث كان يقيم فيها الطبيب "شفيق طعمة"، الذي سألني كيف أقوم بتوليد النساء، فأخبرته أنني أعتمد في عملي هذا على إضحاكهن، فضحك وقتئذٍ، وقرر مساعدتي في اتباع دورة سبر في التوليد، وإذا اجتزت الدورة بنجاح سيمنحني شهادة قابلة قانونية؛ وهو ما كان، حيث تفوقت على جميع المشاركات وحصلت على الشهادة، ومحفظة فيها كل الأدوات المساعدة في عملي هذا. بقيت أمارس المهنة حتى بلغت الخامسة والثمانين، ومازلت عوناً لكل من يسأل عن الخبرة».

القابلة حسن سليمان مع حفيدها الأول وكنتها

وتحدثنا عن بعض عاداتها بالقول: «ما زالت طقوسي كما هي، حيث أذهب إلى الكنيسة وأهتم بالعرائس، وأساعد من هم بحاجة إلى العون. أما طعامي، فإنني أتناول اللبن والحليب والدبس والعسل والشوكولا الأبيض والبوظة، ونادراً ما أتناول الخبز. نومي متقطع، لكنني أحب النوم باكراً والاستيقاظ باكراً، حتى إنني كنت أثير دهشة الناس بذهابي إلى العمل الساعة الثالثة صباحاً. كنت أعجن قليلاً من الطحين، وآخذه لإحدى الخبازات لأحصل على رغيفي خبز، وآخذهما مع جرة ماء إلى زوجة المعلم في المدرسة ليهتم بتعليم ولديّ، فقد حرصت على تعليمهما لكي يعيناني على غدر الزمن».

وتحدثت المربية "جورجيت عبدوش" عن القابلة "حسْن سليمان" قائلة: «إنها امرأة مكافحة، ترملت وهي صغيرة السنّ، وعملت ليلاً ونهاراً لكي تربي ولديها، وعلمتهما حتى تخرّجا في الجامعة، فابنها الأول "رفعت سلوم" خريج كلية التمريض، و"أديب سلوم" أنهى دراسة التاريخ، وأعالت حماتها في كبرها. إنسانة مؤمنة، وذات سمعة طيبة، تحب الناس والخير، بشوشة، وحكيمة، فما زالت النساء يلجأن إليها للاستشارة».

المربية نجاح يوسف

المربية "نجاح يوسف" تحدثت عن "حسن" قائلة: «إنسانة محبوبة من الجميع، صادقة في تعاملها مع الآخرين، وتمتلك قلب طفل صغير، وذاكرة قوية. كلمتها مسموعة اجتماعياً لحكمتها وبعد نظرها، وقد أقنعت الجميع بضرورة تزيين الكنيسة وتسويرها، وتبرعت من مدخراتها لشراء ست ثريات، وإحضار مولدة لإنارتها في حال انقطعت الكهرباء. تحب النظافة والفرح، وحاضرة الفكاهة لتسعد الجميع أينما حلت، وتحب الجلوس مع صغيرات السن وتحدثهن عن قصة حياتها. ومن عاداتها أنها توقف السيارات في القرية لتسأل وتطمئن عن عائلات أصحابها، ومازالت تغسل ثيابها بيديها، ولا تحب أن تغسلها بالغسالة الآلية. حصلت على شهادة قابلة قانونية وهي في الخمسين من عمرها، إنها امرأة جبارة تعشق الحياة وتتحدى الصعاب».

يذكر، أن "حسن سليمان" من مواليد قرية "كفرام"، عام 1920.