ملأتِ الدنيا حيويةً وحركةً، أحبّها كل من عرفها، فهي المتواضعةُ التي تمدُّ يدَّ العونِ لكلّ من يحتاجها من الجمعيات والفرق التطوعية، فتسعفهم بدورات الدعم النفسي ومهارات التواصل مع المجتمع، لتعيّن أخيراً قياديةً في منظمات شبابية كـ"شبيبة الثورة" و"اتحاد طلبة سورية".

التقت مدونةُ وطن "esyria" مع الناشطة الاجتماعية "نهاد طهماز" لتحدثنا عن بداية مسيرتها، فقالت: «ولدتُ في قرية "القبو" من أبوين فلاحين، وكان رقمي بين إخوتي 13 أي أصغرهم، كانت رحلةُ بحثي مضنيةً بين إخوتي لأجدَ مكاناً لي، فكنت مستعجلة في كل شيء حتى أنّي ولدت بسبعة أشهر وبدأت السيرَ والنطقَ قبل أقراني، وكنتُ مميزةً منذ طفولتي بامتلاك مهارات تواصل عالية أخذتها من عائلتي، حيث إنّ رفاقي الذين ألعب معهم في الحي أكبر مني سناً، كانت صدمتي الأولى بعدم قبولي في المدرسة لصغر سني معهم ما شكّل لديّ تحدياً لاحقاً، لأدخلَ المدرسةَ بشغفٍ ولأتفوق، ولأنّ القيامَ ببعض الواجبات المنزلية من مسؤوليتي، كنت أقوم بتحضير الواجبات المدرسية لأختي الأكبر مني سناً بعامين مقابل قيامها بواجباتي المنزلية، فكان سبباً إضافياً لقوة شخصيتي، حيث كنت على اطّلاع دائمٍ على المناهج الأعلى من تحصيلي الدراسي، فكنتُ قائدةً بالفطرة أقودُ رفاقي في المدرسة، كانت تواجهني في تلك المرحلة العديد من المعوقات، كوني أنتمي لبيئة كادحة غير قادرة على تأمين مستلزماتي من ملابس جديدة، فكنت الوريثةَ لملابس أختي التي تكبرني، ورغم ذلك كنت اجتماعية ويحبني رفاقي، ما خلق لديّ روح التحدي لأتميّز، وبعد حصولي على الثانوية العامة بدأ يتحقق حلمي بالذهاب للمدينة، وهنا بدأ الصراع بين رغبتي بدراسة اختصاص يتعلق بالنفس البشرية ورغبة أهلي بأن أكون مثل إخوتي طبيبة أو مهندسة، ولكنهم رضخوا أخيراً لرغبتي ودرست "علم نفس"، وهنا بدأت رحلة الكفاح حيث كان مطلوباً مني أن أعمل إلى جانب دراستي لأستطيع تأمين احتياجاتي، فكانت خطوتي الأولى بإعطاء الدروس الخصوصية، ثم حصلت على عقد لدى وزارة الصحة في مدرسة التمريض بهدف التعليم بخبرة طويلة بالمواد غير المتخصصة، وأنا ما زلت على مقاعد الدراسة، فخلق ذلك لديّ نوعاً من التحدي الإيجابي، فقد اطّلعت على أمزجة البشر ودخلت مجتمعات مختلفة، فأدركت أنّني يجب أن أكون شخصية مجتمعية لأرضي جميع النماذج».

في عام 2014 كنت عضواً في قيادة فرع "شبيبة الثورة" وبدت أمامي مسؤولية أكبر ولكن بطريقة منظمة، فكان عملي على شقين شق حكومي وشق مجتمعي، فدمجت بين المسؤوليتين حتى أقدر على التأثير في الشباب أكثر، فكان آخر ملتقى قمت به هو ملتقى أبناء الشهداء بعنوان "أبناؤكم أمانتنا" وملتقى "خنساوات سوريات" وهي بصمة بارزة في حياتي، ودربت عام 2016 مع منظمة الصحة العالمية

وتابعت حديثها عن عملها المجتمعي، قائلة: «بدأت الاهتمام بالمنظمات الشبابية ومنها "اتحاد شبيبة الثورة" و"اتحاد طلبة سورية"، لأنَه مكاني الذي أبحث عنه، فبدأت مرحلةً مليئةً بالتعب والإرهاق ولكنّها زاخرةً بالإنجاز والحضور، أردتُ أن أثبت أنّ المجتهد هو الذي يصل، فتعرفت على الكثير من الجهات على مستوى الوطن العربي، تدربت على طرق بمستوى عالٍ من إثبات الذات، فعملت وتدربت مع العديد من الجهات منهم: "مجلس الشباب السوري" من عام 2007 حتى 2010، ومع "الأمانة السورية للتنمية" و"الهيئة المركزية السورية لشؤون أسر الشهداء والجرحى" بالفترة نفسها، ومع منظمة "اتحاد شبيبة الثورة" و"كشاف سوريا" من عام 2006 حتى الآن، وشاركت ببرامج جلسات الحوار مع "اتحاد طلبة سورية" من عام 2009 حتى عام 2010، وبالعديد من الحملات التطوعية مثل: "بصمة شباب سورية" عام 2011، ومع بداية الحرب أحسست بالمسؤولية وبأنّه بدأ دورنا فتحولت إلى العمل المجتمعي تحديداً وبشكل مجاني تطوعي، فلم يبدأ فريق أو جمعية أو منظمة في "حمص" إلا وكنت معه، بدأنا على مستوى ضيق مع مجموعة من الشباب التي تهتم بذوي الشهداء وأسرهم، ثم انتقلت إلى الفرق التطوعية عام 2013، فانتميت لفريق "شموع سورية" لرعاية أبناء الشهداء والجرحى، فقمت بتدريب الفرق على الدعم النفسي، وعملت مع فريق "حمص التطوعي" من عام 2011 حتى عام 2013، وعملت مع الجمعيات كجمعية "النهضة" و"كريم" و"السنابل" دربت فرقها على الدعم النفسي ومهارات التواصل وقيادة المجتمع، ثم انتقلت للعمل مع المنظمات كـ"اليونيسف" مشروع "داعم" للجمعيات، عملت مع "الميتم السرياني الأرثوذكسي"، ومع "شباب أم الزنار" وكنت أحضرُ المستلزمات للفرق غير القادرة على العمل منفردة، ومن المبادرات التي شاركت بها "مجتمعي مسؤوليتي" في "دمشق" مع شباب وصبايا أحسوا بأن مجتمعنا مسؤوليتنا».

نهاد طهماز في مكتبها

وعن عملها كقيادية في المنظمات، قالت: «في عام 2014 كنت عضواً في قيادة فرع "شبيبة الثورة" وبدت أمامي مسؤولية أكبر ولكن بطريقة منظمة، فكان عملي على شقين شق حكومي وشق مجتمعي، فدمجت بين المسؤوليتين حتى أقدر على التأثير في الشباب أكثر، فكان آخر ملتقى قمت به هو ملتقى أبناء الشهداء بعنوان "أبناؤكم أمانتنا" وملتقى "خنساوات سوريات" وهي بصمة بارزة في حياتي، ودربت عام 2016 مع منظمة الصحة العالمية».

الأديبة "عفاف الخليل" صديقة "طهماز" ورفيقتها في بعض المحطات، قالت: «"نهاد طهماز" شجرة صفصاف ترتل الحضارة، أعرفها منذ أكثر من سبع سنوات عندما كانت تعطي دورات تدريبية لفريق "شموع سورية" وتصنع المعجزات في قلوب الآخرين، في كل جمعية خيرية لها وجود، وفي كل خيمة أمل وعطاء لها حضور تعطي محاضرات للنساء المقهورات، لتربت على جراحهن وتدعمهن بالحبّ والأمل، وتلوّن أوقات الأطفال الذين نسيتهم الحرب وهم عند الباب ينتظرون السلام، سيدة بحجم الجمال ترسم خرائط الوطن وتؤكد له أنّها لن تتركه وهو جريح، فتراها تعلّم الأجيال الحب والتسامح وتشد أزر النساء اللواتي فقدن أولادهن، تطلق العنان لخيالها، فكانت السيدة السورية التي ترتب مواعيد للغيم حتى يمطر على المحتاجين، ما لفتني بشخصيتها الإصرار، إنّها رمز الأنثى التي تغسل الموت بنضارتها وصبرها، أنا مؤمنة بها من الأعماق لأنّها تشبه الحق، لأنني كلّما قررت أن أساعد الوطن وجراح الوطن أراها تسبقني لتحصد الشفاء، أنا فخورة بها لأنّها رمز للعطاء والإصرار والحضارة، هي الأمّ التي أخذت بيد الشباب وشكّلت نوادي ثقافية وماراثونات للقراءة والمحاضرات عن مشاكل المراهقين والطفولة والمخدرات، تتعاون مع منظمات عدة لدفع عجلة الشباب وساهمت بإنجاح كلّ النشاطات في المنظمة، من الأولمبياد إلى النوادي والمؤتمرات ونهاية بالمخيمات الصيفية التي أشرفت عليها بنفسها، إنّها سيدة حقيقية من وطني ومن مدينتي "حمص"، أحبّها لأنّها تتمتع بالعمل كقيمة والكل يتعلم منها أنّ الأفعالَ لها صوتٌ أعلى من الأقوال».

الأديبة عفاف خليل صديقة طهماز

ويذكر أنّ "نهاد طهماز" من مواليد "حمص" قرية "القبو" عام 1977.

المخيم التطوعي العربي في طرطوس