خمسون عاماً وما يزال عطاؤه مستمراً حتى أيامنا هذه، تنوَّع ذاك العطاء ما بين والأدب والشعر، والكتابة عنهما في الصحف والجرائد، مخرّجاً أسماء ذات حضورٍ لامعٍ على الساحة الأدبية والشعرية، لكن تبقى رسالة التعليم للأجيال هي الأنبل في أدبه وعطائه.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 24 كانون الثاني 2020 تواصلت مع الدكتور "غسان لافي طعمة" الشاعر والمدرِّس للتعرف على شخصيته، والبداية كانت عن نشأته ودراسته فقال: «أنا ابن بيئةٍ ريفيةٍ خصَّها الخالق بجمال الأرض وطيب تربتها، نهر "العاصي" أعطاها من الجمال والخير مزايا إضافية لجمالها، أوّل ما عانقته عيناي وما زالت تحفظ صورتها هي أحواض الورد الجوري ووردة "فم السمكة" التي كانت ترعاهما والدتي بكلِّ حرصٍ ومحبة، ولن أنسى عرائش العنب التي كانت موجودةً في كلِّ منزل في القرية، التي أصبحت فيما بعد مدينةً كبيرة، تحصيلي الدراسي كان في مدارسها لحين حصولي على الشهادة الإعدادية عام 1965، بعدها توجهت صوب "دار المعلمين" في مدينة "حمص" لإكمال تحصيلي الدراسي فيه، ومع انتهاء مدة السنوات الأربع المقررة للدراسة، كانت الشهادة الثانوية التي تقدَّمت لها بالدراسة الحرَّة، هي الإنجاز المرافق لتخرجي عام 1969».

عرفته مذ أكثر من ربع قرنٍ من الزمن، من خلال عملنا سويةً في جريدة "العروبة"، وبحكم تسلُّمي لمهام رئاسة التحرير فيها لسنوات مضت، كان تعاوننا رائعاً ومثمراً ليس فقط كمشرفٍ على صفحة "عبقر" الأسبوعية، والتي خرج من عباءتها الكثير من الأدباء والشعراء المعروفين حالياً، بل من خلال الآراء البناءة التي كان يبديها في قضايا الثقافة والأدب عموماً، بما يناسب أولويات النشر على الصفحات، أمَّا على صعيد الشعر، فإنَّ شهرته تعود لأمرين برأيي هما: الأول شعره الصافي العمودي والمحافظ على التفعيلة إلى جانب كلماته الرقيقة، والأمر الثاني هو الوجود النشط والمستمر له في الفعاليات الثقافية والأدبية التي تشهدها مدينة "حمص" في كلِّ زمانٍ ومكان

المرحلة اللاحقة في مسيرته كمعلمٍ وطالبٍ في آنٍ معاً عنها يقول: «مهنة التعليم بدأتها في عام 1970 بعد التخرج من "دار المعلمين"، حيث تمَّ تعييني معلماً في إحدى المدارس الابتدائية بمدينة "دمشق"، توازياً مع ذلك كنت طالباً في قسم الأدب العربي بكلية الآداب في جامعة "دمشق"، ومع حصولي على شهادة البكالوريوس عام 1973، انتقلت للتدريس في مدينة "حمص"، متنقلاً بين ثانوية "المثنى" في أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الثمانينيات إلى "عبد الحميد الزهراوي" الثانوية الأشهر فيها حتى بداية الألفية الثالثة، كذلك كان لي وجود ضمن الكادر التدريسي لثانوية "ابن خلدون" الأشهر بين مدارس المدينة الخاصة، من وجهة نظري فإنَّ التدريس هو أهم الأعمال النبيلة التي يقوم بها الأديب في بلدنا، والسعادة التي لا تقدَّر بثمنٍ لدى المعلم هي رؤيته للنجاحات التي يحققها طلبته لاحقاً في جميع المجالات، إن كانت أدبيةً أم علمية، فذلك هو التكريم الأصح الذي يحصل عليه، هنا أذكر على سبيل المثال لا الحصر: المدرِّس الجامعي الدكتور "خالد زغريت" وهو من النقاد الأدبيين المشهورين، كذلك هناك الأديبة والروائية "ناديا باخص" وغيرهما الكثير من طلابي الذين أفتخر بهم بما وصلوا إليه من نجاحات، لكنَّ مهنة التعليم لم تمنعني من أن أكون طالباً في ذات الوقت مع كوني مدرِّساً، وإن كان خلال فترات متباعدة بعض الشيء، فمع بداية تسعينيات القرن الماضي عدت لمتابعة دراساتي العليا في جامعة "دمشق" لأنال شهادة الماجستير منها عن أطروحة بعنوان "التمرد الأنثوي في الأدب النسائي السوري"، بعد سنواتٍ وتحديداً عام 2009 حصلت على درجة الدكتوراه وكان عنوان أطروحتي حينها "الأنماط الأسطورية وانزياحاتها في شعر التفعيلة في سورية"، كانت مرحلةً صعبة لما فيها من مسؤوليات ممارسة المهنة والاعتناء بالعائلة والدراسة والبحث في المراجع الأدبية الضخمة من هنا وهناك».

مجموعاته الشعرية الأربع

بدايات الدكتور "غسان لافي طعمة" مع الشعر والقراءة وعن نتاجه الشعري أضاف قائلاً: «هنا أعود بالذاكرة لأكثر من خمسين عاماً وتحديداً لفترة التحضير لامتحانات الشهادة الإعدادية، حيث نظمت أول قصيدةٍ في حياتي حينها، وما زلت أذكر مطلعها فقط الذي يقول:

سرقتْ عابرة من خيالي أين منها وجه بدرٍ أو هلالِ

التكريم الأخير له من قبل وزارة الثقافة

فيما بعد وأثناء دراستي كنت نهماً للقراءة بكلِّ صورها وخاصة الشعرية منها، فالقراءة هي الزاد الأوحد للشاعر والأديب أيَّاً كان شأنه، أحببت وتأثرت بنتاجات عمالقة الشعر العربي في العصر الحديث وبالأخص "بدوي الجبل"، "الأخطل الصغير" و"عمر أبو ريشة" وبعدهم كان الكبيران "نزار قباني" و"سعيد عقل"، كما تأثرت في مرحلة الشباب وما عاصرته فيها من تميز شعراء المقاومة الفلسطينية آنذاك أمثال: "توفيق زياد" و"سميح القاسم" ومعهما "محمود درويش" بطبيعة الحال، أمَّا بالنسبة للشاعرين "فايز خضور" و"نزيه أبو عفش" فلهما مكانة خاصة في نفسي، شعر التفعيلة والشعر العمودي الموزون هما أحبُّ الأنماط التي استهويتها، وطغت على نتاجي الشعري مذ أكثر من أربعين عاماً وما زالت، وتجلَّى ذلك بأربع مجموعاتٍ شعرية هي: "فاتحة يوسف العربي" التي صدرت عام 1993، وبعدها بعامين كانت "جمرة الندى"، والثالثة كانت بعنوان "مهاد الروح" في عام 2000، أما آخرها فصدر سنة 2011 تحت عنوان "من تاريخ وردة"، الأمر لم يتوقف هنا، حيث أنجزت ثلاث مخطوطاتٍ شعريةً جاهزةً للنشر، أشعاري هي انعكاسٌ لواقع حياتنا بما فيه من حبٍّ وجمالٍ وأحداثٍ عشناها وما زلنا، فالشاعر مهمته تحويل الحالة الحياتية إلى حالة شعرية، وهنا أذكر بضع أبياتٍ من قصيدةٍ نظمتها تكريماً للشهيد "عصام زهر الدين" ولبطولاته ولتأثري بشخصيته تقول:

يقهرُ الموتَ بالفداءِ شهيدُ ويغني قكلُّ جرحٍ نشيدُ

الدكتور عبد الرحمن البيطار

يقهرُ الموتَ لا حدودَ لقهرٍ فهو عيسى وكلُّ يومٍ جديدُ

يا شهيداً أراه ملْء الحنايا مهدهُ القلبُ والسرير الوريدُ

سوف تبقى بقاءَ نهرَ فراتِ يذرفُ الدمعَ كي يقامَ العيدُ».

رحلة الكتابة في ميدان الصحافة يتابع عنها بقوله: «خمسون عاماً مضى على تاريخ أول قصائدي المنشورة، كان ذلك في مجلة "فلسطين الثورة"، بعدها بسنواتٍ وتحديداً عام 1977 انتقلت للكتابة على صفحات جريدة "العروبة" الثقافية والتي تصدر في مدينة "حمص"، وفيها أسست صفحةً خاصةً تعنى بشؤون الثقافة تحت مسمى "عبقر"، كانت منبراً لكتابات الشباب مالكي الموهبة الأدبية، إن كان شعراً، قصة، كتابة خاطرة، ونقد الأدبي، أسماءٌ لامعةٌ عديدة من الشعراء، والقاصين، والنقَّاد من أصحاب الحضور المميز على الساحة الادبية والثقافية في وقتنا الراهن، بدؤوا خطواتهم الأولى عبر مراسلاتهم للصفحة، وتقديم المشورة لهم كي يسلكوا الطريق الصحيح لاحقاً ويثبتوا أنفسهم، مثالاً لا حصراً أذكر منهم الشعراء "قمر صبري الجاسم" و"طالب همَّاش" والروائية "مريم خضور" إضافةً للقاصَّة "مريم عيسى قراجة" وليس آخرهم الأديب والباحث "ناجح خضر حمود"، ومن باب تكرار ما ذكرته سابقاً، فإنَّ ما حققه هؤلاء الأدباء والشعراء من مكانةٍ في الأوساط الادبية، هو محلُّ فخرٍ واعتزازٍ لي والتكريم الأغلى على قلبي، فهذا تأكيدٌ على نجاحي كشاعرٍ في تأدية رسالة التعليم التي كرَّست حياتي لها وما زلت في مدينتي الغالية "حمص"».

الدكتور "عبد الرحمن البيطار" رئيس فرع اتحاد الكتَّاب العرب في "حمص" عنه يقول: «أثمّن اهتمامكم بالتعريف عن شخصية أدبية مرموقة مثال الدكتور "غسان لافي طعمة" المعلِّم والشاعر والأديب البارز على مستوى مدينة "حمص"، مع عدم تخصصي بأمور الشعر كفايةً، لكن أهم ما يميزه هو التزامه بالشعر العربي الأصيل، الذي أضاء فيه على معظم الجوانب الإنسانية والوطنية والوجدانية، مقدِّماً كميةً كبيرة من القصائد فيها بأسلوبه الخاص، كما أنَّه حوَّل أدبه وعلمه لخدمة الشأن العام، من خلال الصفحة التي أسسها في جريدة "العروبة" لفسح المجال أمام جيل الشباب لإبراز مواهبهم ومقدراتهم الشعرية وتصويبها، وهذه كانت مسؤوليته أيضاً في فرع الاتحاد، حيث كنَّا نوجِّه الراغبين بعرض نتاجاتهم على اختلاف أصناف الأدب إليه، من أجل إبداء الرأي وتقديم المشورة الأدبية الصحيحة لهم، حضوره ملتزمٌ ودائمٌ في النشاطات الثقافية المتنوعة التي يقيمها فرعنا في المدينة».

الأديب والقاص "عيسى اسماعيل" يصفه بقوله: «عرفته مذ أكثر من ربع قرنٍ من الزمن، من خلال عملنا سويةً في جريدة "العروبة"، وبحكم تسلُّمي لمهام رئاسة التحرير فيها لسنوات مضت، كان تعاوننا رائعاً ومثمراً ليس فقط كمشرفٍ على صفحة "عبقر" الأسبوعية، والتي خرج من عباءتها الكثير من الأدباء والشعراء المعروفين حالياً، بل من خلال الآراء البناءة التي كان يبديها في قضايا الثقافة والأدب عموماً، بما يناسب أولويات النشر على الصفحات، أمَّا على صعيد الشعر، فإنَّ شهرته تعود لأمرين برأيي هما: الأول شعره الصافي العمودي والمحافظ على التفعيلة إلى جانب كلماته الرقيقة، والأمر الثاني هو الوجود النشط والمستمر له في الفعاليات الثقافية والأدبية التي تشهدها مدينة "حمص" في كلِّ زمانٍ ومكان».

نهايةً نذكِّر بأنَّ الدكتور "غسان لافي طعمة" من مواليد مدينة "القصير" التابعة لريف محافظة "حمص" عام 1950، متزوجُ ولديه ابنتان، وهو عضوٌ في اتحاد الكتَّاب العرب منذ عام 1993، وتمَّ تكريمه مؤخراً من قبل وزارة الثقافة خلال مهرجان "حمص الثقافي الثاني".