دفعتها موهبتها الأدبية لتمسك بتلك القلوب الصغيرة؛ وتقلها بقاربها الحروفي السحري المطواع لأفكارها والملبي لطموحاتها، الذي اجتهدت على تصميمه، ممسكة بالحرف تلو الحرف، فقالت الشعر وكتبت القصة وتوجهت إلى المسرح، مخاطبة أطفال "سورية" والعالم العربي بقالب ممتع وشائق وهادف وفريد، فحصدت الجائزة تلو الجائزة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 5 شباط 2019، مع الكاتبة "سريعة حديد" لتحدثنا عن مسيرتها الأدبية وبداية نسمات موهبتها التي هبت مع عشقها للطبيعة البكر وجمالها، قائلة: «نشأت في المدينة، لكننا كنا نملك حديقة تحوي شتى أنواع الورود والنباتات، ومراقبتنا لتفتحها وشوقنا لرؤيتها واستنشاق رائحتها كان يعطينا دافعاً لاستقبال اليوم بإيجابية وفرح، كما كنا نزور القرية باستمرار لرؤية الأهل والأصدقاء، وكانت والدتي تمارس هوايتها برصد مواطن الجمال ولفت نظرنا إليها، وكنت أستمتع بمشاهدة أدق التفاصيل، حيث أستمع إلى صوت المطر، وأراقب الأرض وحنينها وشوقها لملاقاته، وكنت أستمتع برؤية العشب الأخضر المثقل بالندى، ورؤيتي لشروق الشمس وتحريضها للأهالي لاستقبالها وهم بلباس العمل، ورائحة خبز التنور مازالت تسكنني، وكل ذلك وأكثر أطلق العنان لمخيلتي؛ وهو ما انعكس على كتاباتي، وكوّن ذائقتي الأدبية، وكان لأختي "منصورة حديد" دور بتوجيهي للكتابة بأسلوب خاص بي، حيث كانت تلفت انتباهي إلى الصور الشعرية الجميلة ومعانيها».

بفضل ملاحظات الأستاذ الناقد في مجال القصة "غازي التدمري" لكتاباتي، التي كانت قاسية بعض الشيء، قدمت أفضل ما عندي وتميزت أيضاً، حيث كنت أجتهد لأخرج ما بداخلي من أفكار، وكنت على يقين بأنني سأعطي الأفضل بعد كل ملاحظة، ثم تقدمت بعدها إلى اتحاد الكتاب العرب، وأصدرت مجموعتين من إصداره، ثم تعينت عضوة باتحاد الكتاب في جمعية الأطفال

وعن نشرها لأول مجموعة شعرية، قالت: «في المرحلتين الإعدادية والثانوية كنت أكتب مواضيع مميزة وخواطر شعرية، وإن حدث موقف معي كنت أكتبه شعراً باللهجة العامية؛ وهذا كله كان مؤشراً للمستقبل، وعندما مارست مهنة التعليم في المدارس للمرحلة الإعدادية، كنت أقول لهم أشعاراً تخصهم، ثم تعرفت إلى الناقد السوري "خالد زغريت"، الذي انتبه إلى موهبتي الشعرية ووجهني لنشر ما أكتب في صحيفة "العروبة"، ثم أستاذ الموسيقا "أسعد ليلى" استمع إلى أشعاري وشجعني على جمعها ضمن كتاب حمل عنوان: "حبيبي والمساء"، وقد لامني الكثيرون لنشرها، فمن وجهة نظرهم كان عليّ الانتظار قليلاً حتى تنضج موهبتي وتصقل أكثر، ومع ذلك لم أشعر بالندم؛ فالمجموعة أخذت حقها من القراءة في ذلك الوقت».

بقلم سريعة حديد

خرجت القصة من الشرنقة بفضل موهبتها واجتهادها، ولدى سؤالنا عن المحفز للتقدم، أجابت: «بفضل ملاحظات الأستاذ الناقد في مجال القصة "غازي التدمري" لكتاباتي، التي كانت قاسية بعض الشيء، قدمت أفضل ما عندي وتميزت أيضاً، حيث كنت أجتهد لأخرج ما بداخلي من أفكار، وكنت على يقين بأنني سأعطي الأفضل بعد كل ملاحظة، ثم تقدمت بعدها إلى اتحاد الكتاب العرب، وأصدرت مجموعتين من إصداره، ثم تعينت عضوة باتحاد الكتاب في جمعية الأطفال».

وعن مسيرتها الأدبية المنظمة والموجهة إلى الأطفال وتفاعلها وتناغم حروفها مع أفكارهم، قالت: «بداخلي ميول نحو الطفل؛ فأنا أنظر إليه بعين الحب والعطاء، واحتكاكي مع الأطفال وملازمتي لهم أغنى مسيرتي الأدبية، وهذا لمسته من قراءتي المستمرة لابن أخي البالغ من العمر أربع سنوات، فهو تربة خصبة، وأنا بقصصي أزرع فيها شتى أنواع البذار وأنميها، وقد طورت من طريقة تفكيره وأسلوبه في الحياة، وهذا لمسته من ملاحظاته وأسئلته العفوية، وعندما كنت أرى اللمعة بعينه، أدرك أنني وصلت إلى هدفي، فالمربي قادر أن يخرج ما بداخل الطفل من أفكار وإبداع.

حصلت على إجازة في اللغة العربية؛ وهذا ساهم بصقل موهبتي، ومن لا يستطيع فهم اللغة جيداً ويدرك جمالياتها، فإن أفكاره لن تكون مطواعة بين يديه، وإذا عدنا إلى الشعراء أو الكتاب القدماء، فإنهم لم يلتحقوا بالمدارس الأكاديمية، إلا أنهم يمتلكون اللغة والبلاغة والفصاحة بالفطرة، ولولاهم لم تخلق تلك الإبداعات الأدبية المتنوعة».

وعن كيفية بناء العمل الأدبي، قالت: «الأنواع الأدبية التي كتبتها منوعة، منها خواطر أدبية، وشعرية، وعدد من المقالات الصحفية، وقصص للصغار واليافعين، وكتبت للمسرح أيضاً، والرابط بين أنني قاصة وأكتب للمسرح الموهبة فقط؛ لا يمكن أن أكتب مقالاً صحفياً من دون أن تكون له فائدة، وإن لم أكن راضية عنه، فإنني أحذفه ولا أقدمه للنشر، أكتب أي مادة تخطر على بالي، والقصة تفرض نفسها، وأنا لا أفرض نفسي عليها، حيث تأتي الأمور عفوية، وكل عمل أدبي له جوه الخاص وأسلوبه الخاص، كما تشدني المواضيع المميزة وإن كانت متداولة، فلا بد أن أضع فيها نقاطاً مميزة، وقد تأتي الفكرة مصادفة أو نتيجة حادثة معينة يمكن أن تكون بسيطة جداً، فإنني ألتقطها وأعمل عليها فكرياً، وأنشئ منها قصة، وكثيراً ما حدث معي هذا الشيء، وعندما أصل إلى مرحلة الرضا والاقتناع، أقول إن العمل قد أنجز».

أقصر طريقة تلامس شغاف القلب وتوقظ الفكر بالنسبة للقاصة المسرح، وعن نتاجها المسرحي وأهميته قالت: «علينا أن نعمل مع الأطفال ولهم، نحاورهم ونستمع إليهم، ونصادقهم، نتعلم منهم ونعلمهم، وأتمنى أن يعمل الأدباء والكتاب المعنيون بالطفل على تفعيل المسرح وخاصة المنزلي، فهو من أهم الطرق التي تلامس شغاف القلب، وأقصره إلى عقولهم وتحسين مزاجهم، فهو فضاء كبير يشعرهم بوجودهم، وبتفاعلهم معه نكتشفهم وننميهم.

في الوقت الحالي ظهر المسرح المنزلي؛ وهو عبارة عن مربع خشبي كبير أو مستطيل مقسوم بقماشة بيضاء، على مبدأ خيال الظل؛ حيث يقوم الأطفال بتحريك بعض المجسمات وفق حكاية معينة مع المرافقة بالإضاءة، وفي نهاية العرض يكتسب الطفل ثقة ويطلق العنان لأفكاره وخياله ولسانه؛ وهو ما يسرع من عملية الإدارك والمحاكمة المنطقية للمحيط، ويحفزه على طرح أسئلة مميزة. المسرح يعني لي الكثير، فأكون متعطشة لرؤية تفاعل الحاضرين مع أعمالي، فأشعر بالانتعاش وأستقبل الحياة بقوة وعزم ورغبة؛ وهذا أهم شيء، فالرغبة تدفعك نحو الإبداع. عرضت لي مسرحية بعنوان: "اللوحة المفيدة" في "سورية والأردن"، ومسرحية "كتاب صغار" فازت بالمرتبة الأولى بمهرجان "طلائع البعث" في "إدلب" عام 2010، حالياً ستعرض مسرحية "مسرور والأميرة شمس" في أكثر من دولة عربية، ويقوم بإخراجها "هشام طلعت" من "مصر"».

وعن رأيها بالملتقيات الأدبية: «تأثرت بالكتّاب العالميين بلا شك، وأسهمت الملتقيات الأدبية بتقوية شخصيتي الأديبة، وعلى الرغم من أننا نعيش أياماً صعبة، إلا أن النشاطات الثقافية لم تتوقف. الجوائز مهمة بحال كانت المسابقات نزيهة. في النهاية أتمنى أن تصل رسائلي الموجهة من خلال أعمالي. واستعانة الطلاب بقصصي لتحضير رسائل الماجستير تشعرني بالسعادة والثقة، وأن القادم أفضل».

الشاعر "صبحي سعيد" المهتم بأدب الأطفال والمطلع على أعمال القاصة "حديد"، قال: «أدب الأطفال مازال في بداياته، مع أنه هناك أعمالاً مهمة؛ ولنعطي قيمة حقيقة للأعمال الأدبية الخاصة بالطفل، فنحن نحتاج إلى أدباء مختصين بالنقد، ومع الأسف مازلنا نحلم بنقاد يهتمون بما ينتجه هؤلاء الأدباء، وتبقى دائماً الانطباعات هي الغالبة على الرأي النقدي. الأدب سهل للعاشق، والكاتبة "حديد" عاشقة لأدب الطفل، أهم ما يمكن قوله عنها إنها نذرت حياتها لأدب الأطفال، فهي إنسانة مجتهدة في كتاباتها، وخيالها خصب وتطرح مواضيع جديدة ومهمة، وأحياناً ترتفع عالياً بالخيال، فتدهشك، وتناقش قضايا وقيماً تربوية مهمة بأسلوب جميل، وروح الكاتبة الأنثوية وحبها لهذا النوع من الأدب يجعل قصصها جذابة ولافتة للنظر، وعندما نستعرض تاريخها كإنسانة مختصة باللغة العربية، نجد أنها طوعت موهبتها مستفيدة من تعمقها باللغة العربية وقراءاتها بما يخدم أفكارها وطريقتها الخاصة، فكل أديب يعالج مواضيعه بالطريقة التي تناسبه وتلبي هدفه، ومن خلال تجربته واهتماماته وملاحظاته التي كوّنها. إننا نحتاج إلى دراسة عميقة واهتمام أكثر من قبل المهتمين بأدب الأطفال».

يذكر، أن القاصة "سريعة حديد" من مواليد "حمص" عام 1966، حاصلة على إجازة في اللغة العربية من جامعة "البعث"، وعضو اتحاد الكتَّاب العرب، جمعيَّة الأطفال في "سورية"، وفائزة بجائزة اتِّحاد الكتَّاب العرب في مسرحيَّة للأطفال بعنوان: "المارد وأصدقاء الطبيعة" عام 2004، وجائزة وزارة الثقافة في قصَّة طويلة للأطفال بعنوان: "شدوان والدفتر الأحمر"، والجائزة الأولى لقصص الأطفال في مسابقة بعنوان: "حق العودة" في "فلسطين" عام 2011.

صدرت لها مجموعة خواطر شعريَّة عام 2002، بعنوان: "حبيبي والمساء". ومجموعتان قصصيَّتان: "الليرات الفضيَّة"، و"عقد اللؤلؤ".

صدرت لها عن اتحاد الكتاب العرب مجموعة قصصية للأطفال بعنوان: "زهرة النرجس" عام 2008، وأخرى بعنوان: "تاج الملك والنحلة المغرورة" عام 2010، وعدد من المؤلفات المسرحية.