في قلب مدينة حمص السورية وسط الأسواق القديمة، يقع واحد من أهم المعالم الإسلامية، وأقدمها بالمدينة وهو الجامع "النوري الكبير"، الذي يعتبر أيضاً من أقدم أماكن العبادة في سورية.

يقع الجامع النوري الكبير في صدر المنطقة الأثرية والاقتصادية وبمركز مدينة "حمص"، حيث يحده شرقاً حي الزهراء، وغرباً مجلس مدينة حمص، وقلعة حمص جنوباً، في حين يحده من الشمال طريق حماة.

النوري الكبير يعد من أشهر الجوامع في حمص، وذلك لعدة أسباب، أهمها، طرازه العمراني المميز، ولكونه يقع في أحياء حمص القديمة، كما أن معالم الجامع التاريخية تبعث في الروح الطمأنينة والراحة، كل هذه الأشياء ساعدت على أن يكون هذا الجامع أحد المعالم المميزة لحمص

مدونة وطن "eSyria" زارت الجامع والتقت السيد "أحمد الحسين" أحد سكان منطقة "جورة الشياح" بتاريخ 1/5/2013 فتحدث بالقول: «النوري الكبير يعد من أشهر الجوامع في حمص، وذلك لعدة أسباب، أهمها، طرازه العمراني المميز، ولكونه يقع في أحياء حمص القديمة، كما أن معالم الجامع التاريخية تبعث في الروح الطمأنينة والراحة، كل هذه الأشياء ساعدت على أن يكون هذا الجامع أحد المعالم المميزة لحمص».

أحد ابوب الجامع التاريخية

وفيما يتعلق بتاريخ الجامع، يقول "محمد فيصل شيخاني" في كتابه "حمص عبر التاريخ": «اختلفت الآراء والتكهنات حول أصل المبنى الذي يقوم عليه الجامع، إذ يعتقد بعض المستشرقين أن موضعه كان نفس موضع هيكل الشمس أو معبد (إيلا غابال) الذي كانت تتولى تنظيم عبادته أسرة "شمس غرام" التي حكمت حمص، ومع ضعف الوثنية وانتشار المسيحية في حمص، تحول الجامع إلى كنيسة في عهد القيصر الروماني (ثيودسيوس)، ثم حوَّل إلى جامع.

أما الرأي الثاني فيمثله أنصار الاكتشافات المبدئية التي جرت في قلعة حمص، الذين أكدوا أن موضع الجامع كان معبداً رومانياً وثنياً، حول فيما بعد إلى كنيسة اندثرت وبني الجامع مكانها, في حين يقول بعض المؤرخين إن الجامع بني بمنطقة مجاورة للكنيسة وليس جزءاً منها».

الباب الغربي للجامع والأسواق تحيط به

ويضيف "شيخاني" في كتابه: «لنور الدين الزنكي الفضل في توسيع الجامع، حيث اهتم بمدينة حمص بصورة عامة، وبجامع حمص الكبير بصوره خاصة، والذي سُمي منذ ذلك الوقت بالجامع النوري الكبير نسبة إليه، فبعد الزلزال الذي ضرب بلاد الشام عام 1157م، رمم "نور الدين الزنكي" ما خرَّبه الزلزال، الجامع بالإضافة إلى توسيعه، وهو ما تؤكده بعض الكتابات الإسلامية المنقوشة على حجارة وُجدت في هذا الجامع».

وأضاف: «للجامع أربعة أبواب، حيث يتجه مدخله الأول المزخرف بالحجارة المنقوشه، والمميز ببابه الحديدي إلى الناحية الغربية، بين صفوف المحلات التجارية، وكان هذا المدخل بحجارته المميزة وبشكله المنسجم والمعطر بأريج الماضي، يتجه إلى الناحية الجنوبية، ولكن بعد الخمسينيات، نقل إلى هذه الجهة، ويوصل هذا الباب إلى باحة الجامع.

أما المدخل الثاني، فيقع على يمين المدخل الأول، وبابه من الخشب المزخرف بالنقوش العربية، ويؤدي مباشرةً إلى حرم الجامع من الجهة الغربية أيضاً، في حين أن المدخل الثالث يواجه سوق التجار ويتجه نحو الجنوب، وينتهي اليه بممر حجري ودرجات هابطة، ويحيط بالمدخل المحال التجارية، ويؤدي إلى الحرم، وأما يتعلق بالباب الرابع، فيتجه نحو الشمال ويتصل بالميضأة».

وفيما يتعلق بتفاصيل الجامع، يقول "شيخاني": «تبلغ مساحة الجامع مع الأبنية الملحقة به \5320\م2، حيث يأخذ الحرم شكلاً مستطيلاً متطاولاً، أما صحن الجامع فيأخذ مساحة تقارب الحرم، وفي قسمه الشمالي مصلى صيفي يأخد نصف مساحة الصحن، وفي المصلى قسم مسقوف ينتهي بقناطر، يحمي المصلين من أشعة الشمس، أما في قسمي الجامع الشرقي والغربي، فتجثم قاعات كبيرة حول قسم منها إلى مكتبه وقاعة فخمه للمحاضرات واللقاءات، والقسم الآخر هو عبارة عن قاعة للإفتاء، وإصلاح ذات البين.

يتسع حرم الجامع إلى \7000\ مصلٍ، ويعلو سقفه ليجاوز سبعة أمتار وسط العقود والأقواس المتصالبة وتوحي واجهة الحرم المشرفة على صحن الجامع، أن البناء تعرض لتغييرات وتبدلات وإضافات خلال عصور عده، حيث تعرض الجامع في عام 1845م إلى تجديد سقف الحرم وأعمدته الخشبية، في حين حافظ المحراب على شكله القديم منذ زمن "نور الدين الزنكي"، وأكثر ما يلفت النظر في المحراب، الأعمدة الرخامية والتيجان المزخرفة، ولوحة الفسيفساء المزينة بالزخارف النباتية.

في الحرم يبرز المنبر الرخامي الذي يلفت الأنظار بدقة نقوشه وجمالها وتناظرها، أما فيما يتعلق بمئذنة الجامع فهي تتميز بشكلها المربع وبطولها الباسق وحجمها الضخم وتم بناؤها من الحجر البازلتي الأسود، في حين أن صحن الجامع يأخذ شكلاً مستطيلاً، وهو مبلط من الحجر البازلتي، وتوجد فيه شرائح رخامية نقش عليها، كتابات بخطوط غير متقنه تعود للعهدين السلجوقي والشيركوي، كما يحتوي الصحن على أحجار أثرية وبقايا أعمدة وتيجان كورنثية من العهد البيزنطي».

يذكر أنه في مطلع القرن الماضي أخذ هذا الجامع دوراً يشابه الدور الذي أخذه الأزهر الشريف والنجف الأشرف والزيتونة في تونس والقرويين في فاس، في تمثيل الوجه الناصع لمثالية الإسلام والتعبير بحق عن أهدافه العلمية، إلى جانب الأهداف الدينية والروحية في قبسات نورانية مشعة من الروح والعقيدة والايمان.