يبقى التراث الصلة القوية التي تربط المرء بواقعه، وتُشعره بأن وجوده على الأرض التي يعيش عليها وجوداً حقيقياً لا يقبل الزيف، وأن ما يحيط به إرث تَعب أناسٌ كُثر حتى استطاعوا أن يوصلوه له، وما عليه إلا أن يعاين هذا الإرث ويتفحصه من جميع الجوانب والاتجاهات، ويُبقي على القيم النفيس، ويسقط الرث البالي، فيكون بذلك ولج في الحضارة، وقطع بها شوطاً بعيداً يجعله في ركاب الأمم السابقة، مقارنةً به عندما يريد أن يبدأ بصناعة هذا الإرث وتكوينه بنفسه، وعملاً على ذلك وانطلاقاً منه عمد مكتب التوثيق السياحي والأثري في "أريحا"، بالتعاون مع المركز الثقافي ورابطة الاتحاد النسائي، على إقامة ندوة تناولت جانب من التراث المادي والشفوي في حياة الناس في الشمال السوري.

وتقول السيدة "وفاء حبوش" مديرة المركز الثقافي في "أريحا": «وضعت وزارة الثقافة خطة تتضمن تناول جوانب من التراث الشعبي القديم، والذي لا يزال له ارتباط مع الواقع ونقاط تلاقي عديدة، وعملاً منا على تسليط الأضواء على التراث الشعبي الموجود في مدينة "أريحا" والشمال السوري على وجه التحديد قمنا بعقد هذه الندوة، وعملانا من خلالها على توضيح العديد من الجوانب التراثية التي أزهرت في فترة من الفترات ولا تزال ثمارها ناضجة حتى الوقت الراهن».

عبرتُ من خلال هذه القصيدة على أن التراث لا يزال محفوراً بذاكرة الناس، وأن ما بناه الأجداد وكتبوه في ماضينا، سنردده ونفخر به في حاضرنا، وتحدثتُ فيها عن العادات والتقاليد بين الماضي والحاضر و أخصيت ماضي وحاضر المرأة على وجه الخصوص

موقع eIdleb حضر هذه الندوة، وكان لنا حديث مع "مصطفى سماق"الباحث التاريخي، ومدير مكتب التوثيق السياحي والأثري في "أريحا" والذي ترأس الندوة حيث يقول: «الندوة تحت عنوان "ندوة الوطنية لإحياء التراث"، وهدفها الأساسي الدعوة لحماية التراث من الضياع والاندثار، والعمل الجاد والمستمرعلى حفظ ما أمكن من الجوانب التراثية، ليس المادية وحسب بل والشفوية أيضاً، كـ"الأشعار الشعبية والأقوال والهناهين والحكم والأمثال الشعبية"، وتم تقسيم الندوة إلى عدة محاور، تناولتُ بالمحور الأول أهمية التراث، ودور المرأة فيه، تحدثتُ في هذا المحور عن الدور الهام الذي لعبته المرأة، التي ظُلمت من خلال عرضنا لهذا التراث، فلم تُذكر إلا في منزلها بعيداً عن النشاطات الاجتماعية والأدبية والقتالية، التي سادت المجتمع في فترة من الفترات، وتناولت بالتحديد الجانب الدرامي، والتهميش الواضح الذي أرتنا إياه الدراما في عرضها وتناولها للمواضيع التراثية المتعلقة بالمرأة، ونوهتُ إلى أنه على المخرجين والمنتجين التلفزيونيين العمل على قراءة التاريخ بطريقة محايدة، وإعطاء المرأة دورها الحقيقي في المجتمع القديم، وعدم التجاهل لما قدمته عبر العصور والأزمنة القديمة».

مديرة المركز الثقافي وفاء حبوش

وعن المحور الثاني تحدث الدكتور "حسن عبد المحسن" رئيس قسم اللغة العربية في جامعة "حلب" وكان المحور تحت عنوان "أصداء المرأة بالموروث الشعبي" والذي يقول: «عمدتُ من خلال هذا المحور أن أبين وألفت النظر إلى وجود المرأة العربية وحضورها في معظم المواقع والأماكن والنواحي الحياتية التي عاشها شعبنا، ابتداءً من "العصر الجاهلي" وحتى الآن، وعرضتُ ذلك من خلال الأمثال الشعبية التي لا تزال مختزنة بذاكرة المجتمع الحالي وتتداول حتى الآن، فكثيراً من الشعراء كانوا يُنسبون إلى أمهاتهم في ذلك العصر، كـ"عمر بن كلثوم" وغيره الكثير، ولم تكن القبيلة لتعترف على الشخص إذا لم يكن عربي الأم والأب على حد سواء، ومن ثم تطور واقع المرأة وبقي حضورها قوياً مع الحضارة "الإسلامية" وامتد إلى العهد "العثماني" وإلى الآن، ومما يقال في الأمثال الشعبية المختصة بالشمال السوري من "بعد الأب الك رب ومن بعد الأم حفير وطم"، كما قُرن عمل المرأة بعمل زوجها فنساء الحلاقين في فترة من الفترات لم يكن يقتصر دورها عن دور الرجل بأي شيء، وقيل في ذلك "الأبرة بأيد البنت متل الرمح بايد الفارس"،وكانوا كثيرو التعاطف والعطف على المرأة حيث يقال"المرأة جنحها مكسور"، وكانت المرأة تعتز بأصلها حيث يقال"طعميتني وسقيتني وعن أهلي ما غنيتني "».

والمحور الثالث تطرق للتراث المادي، ودور الرجل بصنع التراث، حيث تحدث الأستاذ والإعلامي "محمد الخطيب" قائلاً: «تضمنت كلمة التراث مجموعة من المكونات، منها "الاجتماعية والثقافية والجغرافية" وغيرها، وقد أوضحتُ بهذا المحور الدور القائم على عاتق الرجل، وعن أهم الصناعات التي قُدمت خدمةً للبشرية ولا تزال محط فخر واعتزاز لنا وللأجيال الحاضرة، بل وزادت قيمتها المعنوية والمادية، ولم تبقى دولة في الشرق ولا في الغرب إلا وأولت الصناعات الشعبية واليدوية أهمية لا تقارن، من حيث الأسواق وأماكن العمل وتشجيع الناس على الاستمرار بها، وأصبحت تقصد الأسواق المختصة بهذه الصناعات من كل حدب وصوب، وأشرتُ إلى أنه يجب العمل على إقامة ما يُعرف بـ"بنك تُراثي"، يتم من خلاله حفظ وأرشفة أسم القطع والأدوات والملابس اليدوية الشعبية القديمة وتدوينها وأماكن وجودها، فيكون بذلك حفظاً للتراث ومساعدة للمهتمين بإمكانية توثيق هذه التحف الموجودة، والتحدث عنها بشكل يتناسب وأهميتها التاريخية وقيمتها المادية التي وصلت إليها في الوقت الراهن».

الدكتور حسن عبد المحسن

وختم السيد "محمد نبعة" أحد أعضاء فرقة "الدبكة والرقص الشعبي" في "أريحا" الندوة بقصيدة تراثية شعبية وأضاف قائلاً: «عبرتُ من خلال هذه القصيدة على أن التراث لا يزال محفوراً بذاكرة الناس، وأن ما بناه الأجداد وكتبوه في ماضينا، سنردده ونفخر به في حاضرنا، وتحدثتُ فيها عن العادات والتقاليد بين الماضي والحاضر و أخصيت ماضي وحاضر المرأة على وجه الخصوص».

الاعلامي محمد الخطيب والباحث مصطفى سماق