نصف قرن أمضاه السيد "محمد محمود زنبلكجي" خلف كاميرا التصوير، ورث خبرة التصوير عن والده الذي كان المصور الوحيد في مدينة "المعرة"، ومع دخول التصوير الحديث أراد الولوج في عصر التكنولوجيا، فأتقن العمل على آلة التصوير الرقمية، حيث ما يزال يبدع فيها صوراً يشهد الجميع على حرفيتها، وبمحصلة مسيرته هذه أضحى الشاهد الوحيد في "معرة النعمان" وربما في المحافظة على تطور آلة التصوير في "إدلب".

موقع eIdleb التقى السيد "محمد زنبلكجي" أبو "محمود" في محله الكائن في مدينة "المعرة"، حيث بدأ حديثه عن مسيرته مع مهنة التصوير بالقول: «بدأت العمل مع والدي في مهنة التصوير منذ عام 1962 على آلة التصوير القديمة والتي تسمى "ماكينة الماء" وكان عمري آنذاك حوالي 11عاما، وبقيت أصور باستخدام هذه الآلة حتى بداية الثمانينيات أي لمدة تقارب عشرين عاماً، فقد كانت "ماكينة الماء" هي آلة التصوير المتوافرة عندنا في تلك السنوات وذلك قبل أن نستخدم آلات التصوير الكهربائية والتي تسمى "ماكينة الاستديو"، وبما أن العمل على "ماكينة الماء" يتطلب مهارة وخبرة كبيرة وصبر من قبل المصور فقد كان عدد المصورين في تلك السنوات قليلا جداً».

لم أكن فقط مصور "المعرة" بل كافة قرى وبلدات المنطقة، وكل أهالي تلك القرى وخاصة المتقدمين في العمر يعرفونني، وهناك الكثير من شخصيات منطقة "المعرة" تصوروا عندنا أذكر منهم "وليد بلاني" والشيخ "بديع الجندي" و"حكمت الحراكي" والشيخ "أحمد الحصري" و"نوري اليوسفي" وغيرهم الكثير

ويتابع "أبو محمود" حديثه بالقول: «وفي بداية الثمانينات تحولت إلى آلة تصوير متطورة عن "ماكينة الماء" وهي "ماكينة الاستديو" وهي تعمل بنفس آلية عمل ماكينة الماء ولكن فيها مصدر للضوء من الداخل، أي لم نعد بحاجة لضوء الشمس وبات بالإمكان التصوير في أي وقت، ولكن لا يمكن التصوير إلا داخل الاستديو، وحجمها أكبر قليلاً من حجم "ماكينة الماء" ولكن فيها إضافي هو أنه فيها ما كنا نسميه "رتوش الصورة" أي إجراء بعض التعديلات البسيطة على الصور كإزالة بقعة أو نقطة ما من صورة الوجه، وإجراء هذه الرتوش للصورة كان يستغرق منا حوالي نصف ساعة وخاصة عندما يكون وجه الشخص يعاني من عيوب كثيرة أو تجاعيد، وفي فترة الثمانينيات أيضاً انتقلت للتصوير باستخدام "ماكينة الفيلم" وكان عدد الصور في الفيلم آنذاك فقط ثمانية صور، والتصوير بهذه الكاميرا كان يتم في الاستديو ولها غرفة تحميض خاصة وفيها جهاز لتكبير الصور حسب الطلب، كاميرا الفيلم كان حجمها أصغر ووزنها أخف وبالتالي كانت تسمح لنا بكل سهولة التنقل بها من مكان لآخر والتصوير بكل سهولة في كل الأوقات ليلا أو نهار وبقيت أعمل على هذه الكاميرا حتى منتصف التسعينيات تحولت بعدها إلى التصوير الرقمي، ومع دخول التصوير الرقمي أصبح الأمر أكثر سهولة ووفر علينا الكثير من التعب والنفقات وصارت الألوان تظهر بشكل حقيقي ودون تشويش على عكس آلات التصوير القديمة التي كانت تسبب أحيانا اختلاط في الألوان بسبب مواد التحميض، كما أن الصورة صارت أكثر دقة ووفرت علينا ثمن الأفلام وأنا رأيت أنه من الضروري التأقلم مع التصوير الرقمي لأن معطيات العصر تتطلب ذلك والحمد لله لم أجد أية صعوبة في استخدام الكاميرا الرقمية بل أستخدمها بحرفية كبيرة».

السيد محمد زنبلكجي بجانب جهاز التكبير في غرفة التحميض الخاصة بكاميرات التصوير القديمة

وعن العلاقة الخاصة التي تربطه مع "ماكينة الماء" يقول: «أعتبر سنوات عملي مع "ماكينة الماء" أحلى أيام عملي في مهنة التصوير، فمع تلك الآلة تشعر ببساطة الحياة وروعتها وبعدها عن التعقيد الذي نحس به اليوم، وكنا نشعر بالاكتفاء عند العمل على هذه "الماكينة" حيث كنت أعمل يوميا بحوالي أربع ليرات سورية وكانت تعتبر في تلك السنوات دخل جيد، والأسرة المترفة لا تنفق نصف المبلغ في اليوم على عكس هذه الأيام حيث مهما كان الدخل كبيرا لكنك لا تشعر به، ورغم أن العمل على "ماكينة الماء" متعب ويحتاج لصبر وخبرة كبيرة على عكس التصوير باستخدام كاميرا "الديجيتال" إلا أنني أشعر بحنين كبير إلى تلك الآلة على الرغم من الراحة الكبيرة التي وفرها لنا "الديجتال" لأنني مع "ماكينة الماء" أشعر باني مصور حقيقي وليس شخص يحمل كاميرا ويصور كما هو الحال هذه الأيام، لقد أصبحت العلاقة بين المصور وآلة التصوير جامدة تفتقد لتلك الرابطة العاطفية الخاصة التي كانت تربط المصور مع آلته فكانت "ماكينة الماء" بمثابة أحد أبناء الأسرة يشعر بسعادة خاصة عندما يعمل عليها، ومع التصوير الرقمي اليوم لم يعد هناك فروقات بين المصورين بل تساوى الهاوي مع المحترف وبات بإمكان أي شخص أن يمسك آلة التصوير ويلتقط صور».

هو ووالده كانا المصورين الوحيدين في "المعرة" حيث قاما بتصوير كافة الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية التي مرت على هذه المنطقة ومنهم يذكر «لم أكن فقط مصور "المعرة" بل كافة قرى وبلدات المنطقة، وكل أهالي تلك القرى وخاصة المتقدمين في العمر يعرفونني، وهناك الكثير من شخصيات منطقة "المعرة" تصوروا عندنا أذكر منهم "وليد بلاني" والشيخ "بديع الجندي" و"حكمت الحراكي" والشيخ "أحمد الحصري" و"نوري اليوسفي" وغيرهم الكثير».

ماكينة الماء (آلة التصوير القديمة)

السيد "بدر موسى القطو" من أهالي مدينة "المعرة" يتردد على محل السيد "محمد زنبلكجي" منذ سنوات طويلة وعن سبب ذلك يقول: «معرفتي بالأخ "أبو محمود" تعود لسنوات طويلة تزيد على 40 عاما، وما زلت أذكر أيامه مع "ماكينة الماء" حيث كان ينصبها في شارع الخياط "ناصر اليوسفي" ويقوم بتصوير الأشخاص، وأنا أتردد إلى محل "أبو محمود" من باب الثقة بخبرته الكبيرة في هذا المجال، ويمكن القول بأنه شيخ كار التصوير في "المعرة"، وهو من علم معظم المصورين الحاليين في المدينة، وهو متميز مع كاميرا "الديجيتال" اليوم مثلما كان متميز مع "ماكينة الماء"».

يشار إلى أن السيد "محمد محمود زنبلكجي" من مواليد مدينة "المعرة" عام 1951.